كراهة إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وتكره إجارة الأرض بالحنطة أو الشعير) مطلقاً، منها كانا أو من غيرها، زرعت بجنسهما أم بغيرهما؛
استناداً في الجواز إلى
الأصل والعمومات، وفي الكراهة إلى شبهة الخلاف،
واحتمال التحريم فتوى ورواية.
خلافاً للأشهر فيما إذا كانا منها، فقالوا فيه بالحرمة إذا اشترط، بل نفى عنه الخلاف بعض الأجلّة،
قالوا : لأن خروج ذلك القدر منها غير معلوم، فربما لا يخرج منه شيء، أو يخرج بغير ذلك الوصف، ومن ثمّ لم يجز السلف في حنطة من قراح معيّن لذلك، وللخبرين : عن إجارة الأرض بالطعام، فقال : «إن كان من طعامها فلا خير فيه».
ويضعّف الأوّل : بمنعه على إطلاقه؛ إذ ربما كانت الأرض واسعة لا تخيس بذلك القدر عادة، فلا يتمّ
إطلاق المنع. والخبران : بقصور السند والدلالة؛ فإن نفي الخير أعمّ من الحرمة، بل ربما أشعر بالكراهة. ويمكن الذبّ عن الأوّل : بتتميم الإطلاق بعدم القائل بالفرق.
وعن الثاني :
بانجبار قصور السند بالشهرة المحكية في كلام جماعة،
مع أن سند أحدهما صحيح إلى صفوان، وجهالة من بعده مجبورة بكونه ممن أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه
العصابة .
والدلالة بورود النهي الظاهر في الحرمة عن إجارة الأرض بالطعام في كثير من المعتبرة، وفيها الموثق كالصحيح وغيره : «لا تؤاجر الأرض بالحنطة والشعير ولا بالتمر، ولا بالأربعاء، ولا بالنطاف -الارْبِعاء جمع الربيع وهو : جدول أو ساقية تجري إلى النخل أو الزرع. النِّطاف جمع نطفة : الماء الصافي قلّ أو كثر. وقيل : ما يبقى في الدلو.
ولكن بالذهب والفضة، لأن
الذهب والفضة مضمون وهذا ليس بمضمون».
وأظهر منها الصحيح : كان لي
أخ فهلك وترك في حجري بنتاً ولي أخ يلي ضيعة لنا وهو يبيع
العصير ممن يصنعه خمراً ويؤاجر الأرض بالطعام، فأمّا ما يصيبني فقد تنزّهت، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟ فقال : «أمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ منه نصيب اليتيم»
الحديث.
فإن حمله على الكراهة مضافاً إلى مخالفته لظاهر النهي في غاية البعد. وهو كالمعتبرة السابقة وإن اقتضت إطلاق المنع ولو كانت الحنطة أو الشعير اللذين استؤجرت الأرض بهما من غيرها، إلاّ أن اللازم تقييدها بما إذا كانا منها؛ لعدم القائل بالحرمة كذلك، فإن القائل بحرمة إجارتها بهما ولو من غيرها وهو القاضي
يشترط
اتّحاد الجنس بينهما وبين ما تزرع الأرض به، فلو آجرها بحنطة مثلاً وزرع فيها شعيراً لم يحرم عنده.
والنصوص المذكورة خالية عن هذا الشرط، وإن احتملت التقييد به، كالخبرين الأوّلين بأن يراد من قوله : «إن كان من طعامها» أي من جنسه ولو كان من غيرها. وربما أيّده المروي في العلل عن الصادقين عليهماالسلام أنهما سئلا : ما العلّة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام وتؤاجر بالذهب والفضة؟ قال : «العلّة في ذلك أن الذي يخرج حنطة وشعير، ولا يجوز إجارة حنطة بحنطة ولا شعير بشعير».
إلاّ أن تقييدها بما ذكره الأكثر من الشرط دون هذا وحمل الخبرين على ظاهرهما أولى؛
لاعتضاد هذا الجمع بالشهرة، وما تقدّم من تعليل المنع في تلك المعتبرة من أنهما ليسا بمضمونين دون النقدين، فإن ذلك إنما يتّجه فيما إذا كان مال الإجارة من حاصل تلك الأرض، فإنه يجوز أن لا يخرج منها شيء بخلاف النقدين الثابتين في الذمّة بمجرّد العقد، والحنطة والشعير الخارجان عن الحاصل في حكمهما في صحة المضمونية.
وبالحسن : عن رجل اشترى من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كرّ على أن يعطيه من الأرض، قال : «حرام» فقلت له : فما تقول جعلني الله فداك أن أشتري منه الأرض بكيل معلوم من حنطة من غيرها؟ قال : «لا بأس».
بناءً على ظهور اتّحاد
البيع والإجارة فيما الظاهر أنه هو وجه المنع عن الأوّل فيه من عدم معلوميّة حصول العوض وكميّته كيلاً أو وزناً، وقد عرفت أن ما كان من الأرض غير مضمون ولا ثابت في الذمّة ولا هو معلوم الحصول فلا يجوز البيع به ولا الإجارة. وفيه زيادة على
الشهادة على الجمع تقوية لدلالة الأخبار المتقدمة المتضمنة للنهي ونفي الخير على الحرمة؛ لتصريحه بها كما ترى.
ورواية العلل وإن شهدت بالجمع الآخر إلاّ أن فيها قصوراً من حيث السند،
والمقاومة لما مرّ من الوجوه لصحة الجمع الأوّل، وإن اعتضدت بالصحيح : «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة»
لاحتماله التقييد بكون الحنطة المستأجرة بها الأرض منها لا مطلقاً، ويؤيّده ملاحظة المعتبرة المتقدمة الناهية عن إجارة الأرض بالطعام على الإطلاق معلّلة بما يقتضي تقييده بهذا القيد، كما مرّ إليه
الإشارة .
ومما حرّرنا ظهر عدم الخلاف في جواز إجارة الأرض بالطعام من غيرها مع تغايره لجنس ما تزرع به على كراهة؛ ولعلّ وجهها إطلاق المعتبرة بالنهي عن مؤاجرتها به مطلقاً المحتمل شموله للصورة وإن تضمّنت ما يقتضي التقييد بغيرها، كما مضى؛
للمسامحة في الكراهة والاكتفاء في
إثباتها بالاحتمال مطلقاً وإن ضعف، على الأشهر الأقوى.
وعدم الخلاف في حرمتها به منها إلاّ من ظاهر العبارة، حيث أطلقت الحكم بالكراهة بحيث شملت الصورة؛ ووجهه غير ظاهر بعد ما عرفت من الأدلّة على الحرمة فيها. مضافاً إلى عدم القائل بذلك من الطائفة، كما يظهر من تتبّع كتب الجماعة، وأن الأشهر الأقوى الحرمة في هذه الصورة والكراهة في الصورة الأُولى ولو مع اتّحاد الجنس.
خلافاً للقاضي في الصورتين، فظاهره الجواز مع التغاير جنساً مطلقاً والحرمة مع الاتحاد كذلك.ولا ريب أن الحرمة فيما عدا محل
الاتفاق على الجواز أحوط وأولى.
رياض المسائل، ج۹، ص۳۷۷-۳۸۰.