كفارة المخيرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والمخيّرة:
كفارة شهر رمضان، وهي
عتق رقبة، أو
صيام شهرين متتابعين أو
إطعام ستين مسكينا؛ ومثله كفارة من أفطر يوما منذورا على التعيين؛ وكفارة خلف
العهد على التردد؛ أما كفارة خلف
النذر ففيه قولان، أشبههما: أنه لصغيرة.
كفّارة من أفطر في
شهر رمضان مع وجوب صومه عليه بما يوجبها وهي:
عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً مطلقاً، على الأشهر، بل في
الانتصار والغنية عليه الإجماع، وهو الأظهر؛ للأصل، والصحيح: عن رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال: «يعتق نسمة» أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكيناً»
.
خلافاً
للعماني، فجعلها مرتّبة
كالظهار، ووافقه
الشيخ في أحد قوليه، لكن في
الإفطار بالجماع خاصّة؛ لخبر الأعرابي
المشهور.
وهو مع ضعف سنده ليس نصّاً في الترتيب، بل ولا ظاهراً، مع أنّه روي بسند آخر بعبارة أُخرى قد بدئ فيها بالتصدق، وفي آخره: قال
الراوي: فلمّا رجعنا قال أصحابنا: إنّه بدأ بالعتق، قال: «أعتق، أو صم، أو تصدّق»
وهذا أيضاً يدل على
التخيير، هذا.
ولو دلّ على الترتيب لنزّلناه على
الاستحباب جمعاً، ويحتمل التقية؛ لكونه مذهب
أبي حنيفة وأصحابه
والشافعي، كما في الانتصار
.
وللصدوق في الإفطار بالمحرّم، فجعله من القسم الرابع؛ للخبر: «متى جامع الرجل حراماً، أو أفطر على
حرام في شهر رمضان، فعليه ثلاث كفّارات: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستّين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالاً، أو أفطر على
حلال، فعليه كفّارة واحدة»
.
وعليه تحمل الأخبار المعارضة، الحاكم بعضها بالتخيير، وآخر بالجمع، كالموثّق: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان؟ قال: «عليه عتق رقبة، وإطعام ستّين مسكيناً، وصيام شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، وأنّى له بمثل ذلك اليوم»
.
لكن في سند الأوّل جهالة، وفي الثاني كالأوّل قصور عن المكافأة لما مرّ، مع اعتضاده بالأصل والشهرة العظيمة.
وغاية ما قيل في
سند الرواية المفصّلة من القوّة والصحّة، كما عن التحرير
، بعد تسليمه لا يوجب حصول المكافأة، بل غايته كونها رواية صحيحة، وهي لا تكافئ الرواية الضعيفة المعتضدة بالشهرة خاصّة، فضلاً عن الصحيحة المتعيّنة الصحة، المعتضدة
بأصالة البراءة، فإذاً الأشهر أظهر، فليحمل الرواية كالموثقة على الفضيلة؛ جمعاً بين الأدلّة، ولكن
الاحتياط فيما دلّت عليه البتّة، فلا يترك مهما أمكن.
ومثلها في الخصال والتخيير كفّارة من أفطر يوماً منذوراً على التعيين من غير عذر، على الأشهر الأظهر، بل عليه
الإجماع في الانتصار
؛ لعموم ما سيأتي.
لكن لا يمكن أن يكون مستنداً للماتن هنا، كيف لا؟! ومعه قد جعل الكفّارة في مطلق النذر غير المقام صغيرة، بل الظاهر استناده فيه إلى خصوص بعض المعتبرة، منها المكاتبة الصحيحة: رجل نذر أن يصوم فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفارة؟ فكتب: «يصوم يوماً بدل يوم، وتحرير رقبة مؤمنة»
.
لكنها مع كونها مكاتبة معارضة بمثلها لراويها في الناذر صوم كلّ يوم سبت: «إن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كل يوم لسبعة مساكين» الخبر
.
ومع ذلك قاصرة عن إفادة تمام الخصال، وظاهرها تعيّن الرقبة، فإذاً المستند حقيقةً عموم ما سيأتي من الأدلّة، وإن كان يمكن الجواب عن المناقشات المزبورة في الرواية:
أمّا عن كونها مكاتبة: فلا بأس بها هنا؛ لمكان
الشهرة، ولأنّ منشأ القدح بها خوف
الفتوى بطريق
العامّة، وهو غير جارٍ في المسألة؛ لعدم إيجابهم هذه الكفّارة، كما في
الانتصار، مع أنّ فتواهم ورواياتهم تفيد أنّها صغيرة.
وأمّا عن المعارضة بالمثل: فبعدم معارضته لها مع شذوذه؛ لعدم القائل بمضمونه من
التصدّق لكلّ يوم لسبعة.
نعم عن الصدوق روايته له مبدّلاً للسبعة بالعشرة
، لكن على هذا لما عرفت يحتمل الحمل على
التقية، سيّما مع كونه مكاتبة، مع تأيّد الاولى بمكاتبة أُخرى: رجل نذر أن يصوم يوماً لله فوقع في ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه: «يصوم يوماً بدل يوم، وتحرير رقبة مؤمنة»
.
وأمّا عن المناقشة في الدلالة: فبعدم القول بالفرق بين
الطائفة، فإنّ كلّ من أوجب العتق خيّر بينه وبين الخصلتين الباقيتين، لكن على هذا لا وجه لجعلها دليلاً على كون الكفّارة كبيرة لا صغيرة، بل يحتمل العكس؛ لتضمّنها لعتق الرقبة أيضاً، كما سيأتي إليه الإشارة.
وحينئذٍ فلم يبق مستند للحكم في هذه الصورة سوى ما سيأتي من عموم الأدلّة، فلا وجه لجزم الماتن به فيها بالمرّة، إلاّ أن يدّعى عدم جزمه وإرجاع التردّد إليها أيضاً، لكن مع ذلك إفراده إيّاها عن كفّارة مطلق النذر عداها بالتردّد لا يخلو عن نظر، وكيف كان الحكم فيها كما مرّ؛ لما سيأتي.
ومثلها في الأمرين كفّارة
خلف العهد على التردّد الناشئ: من الخبرين، في أحدهما: «من جعل عليه عهد الله تعالى وميثاقه في أمرٍ لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً»
وبدّل في الثاني
ب: «أو يتصدّق» المطلق المحمول على الأوّل.
ومن
الأصل، وقصور سند الخبرين بجهالة بعض رواتهما، فيلزم الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو
كفّارة اليمين.
والأصحّ الأوّل، وفاقاً للأكثر، بل في
الغنية الإجماع عليه، وهو
الحجّة الجابرة كالشهرة للجهالة، ويصحّ الخبران من هذه الجهة، ويكونان كالجهة موجبين للخروج عن الأصالة المتقدّمة، فالتردّد ضعيف.
وأضعف منه الحكم بالثاني، كما عن الماتن في
الشرائع في كتاب النذر والعهود
،
والعلاّمة في جملة من كتبه
، ويؤيّدهما أدلّة كفّارة النذر الآتية؛ لأنّ العهد في معناه، كالعكس، كما سيأتي عن الجماعة إليه الإشارة.
وأمّا كفّارة خلف النذر ففيه أقوال كثيرة، ولكن قولان منها مشهوران،
أشهرهما: أنّها ككفّارة
الإفطار في
شهر رمضان، بل عليه في الانتصار والغنية
الإجماع، وهو الأظهر؛ لأنّ النذر كالعهد في المعنى، كما ذكره عن الجماعة بعض أصحابنا
، وكفّارته كذلك، كما مضى، فتأتي أدلّته هنا.
مضافاً إلى خصوص الإجماعين، وبعض الروايات المنجبر قصور سنده بهما، وبالشهرة العظيمة، والمخالفة للعامة، كما سيأتي إليه الإشارة في البين، مع أنّه صحيح عند جماعة
، وحسن عند آخرين
، وفيه: من جعل لله أن لا يركب محرّماً فركبه، قال: ولا أعلم إلاّ قال: «فليعتق رقبة، أو ليصم شهرين متتابعين، أو ليطعم ستّين مسكيناً»
.
وأشبههما عند
الماتن هنا والفاضل في التحرير وجماعة
وفاقاً للصدوق
أنّها كفّارة صغيرة أي كفّارة يمين؛ لما مرّ في العهد؛ وللخبرين، أحدهما الصحيح: «فإن قلت: لله عليّ فكفارة يمين»
والخبر: «كفّارة النذر كفارة اليمين»
.
وفي الجميع نظر؛ لاندفاع الأوّل بما مرّ، وقصور الخبرين وإن صحّ سند الأوّل عن المقاومة لما مرّ من الإجماعين والخبر المنجبر بعمل الأكثر، مضافاً إلى اشتمال سند الثاني لعدّة من الضعفاء، وموافقته صدراً وذيلاً لما روته العامّة العمياء، كما حكاه خالي
العلاّمة المجلسي (طابثراه) ولأجل ذلك حمله وما في معناه على التقيّة.
وربما حمله جماعة
تبعاً
لشيخ الطائفة على صورة العجز عن الكبيرة؛ للصحيح: «كلّ من عجز عن نذره فكفّارته كفّارة يمين»
. وليس فيه دلالة، بل ظاهره شاذّ لا عمل عليه بالمرّة.
نعم ظاهر الانتصار
، بل صريحه الإجماع عليه، لكنّه معارض بإطلاق إجماع الغنية
، وإطلاق سائر الأدلّة المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة، الموهنة له هنا البتّة، فالقول به ضعيف.
كالمحكي عن
موصليّات السيّد من الجمع بين الأخبار بحمل ما مرّ على نذر
الصوم، وما هنا على نذر غيره؛ للمناسبة. وهي لعدم الشاهد غير قابلة للتقييد والجمع بين الأدلّة، وإن ارتضاه في
الإرشاد شيخنا العلاّمة.
وأضعف من الجميع جعلها ككفّارة قتل الخطأ، كما عن
المفيد والديلمي؛ إذ لا وجه له أصلاً، وإن كان
أحوط جدّاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۴۲۰-۴۲۷.