الصدقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فهي
التطوّع بتمليك العين بغير عوض ولا حكم لها ما لو تقبض بإذن المالك وتلزم بعد القبض وإن لم يعوّض عنها ومفروضها محرّم على بني هاشم.
(فهي
التطوّع ) أي التبرّع (بتمليك العين) من الغير (بغير عوض) دنيوي. والنصوص في فضلها متواترة؛ مضافاً إلى الآيات المتكاثرة، قال سبحانه (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ).
وقال (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
وقال عليه السلام : «الصّدقة تدفع ميتة السُّوء».
وقال عليه السلام: «إن الله تعالى ليدفع بالصدقة الداء والدُّبَيْلَة _هي خُراجٌ ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالباً وهي تصغير دُبْلَة. _
_في الحديث «إنّ الله ليدفعُ بالصدقة الداءَ والدبَيْلة» هي مصغرة كجُهَيْنة : الطاعون وخراج ودمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالباً._
والحرق والغرق والهدم والجنون، إلى أن عدّ سبعين باباً من السّوء».
وقال
مولانا الصادق عليه السلام : «المعروف شيء سوى الزكاة، فتقرّبوا إلى الله بالبرّ و
صلة الرحم ».
وقال
مولانا الباقر عليه السلام : «صنائع المعروف تدفع مصارع السوء».
ويشترط فيها بعد
أهليّة التصرّف من المصّدّق أُمور :
منها : ما يدلّ على
الإيجاب والقبول ولو فعلاً، وفاقاً لبعض أصحابنا،
خلافاً لجماعة،
فاشترطوا فيهما ما يشترط في العقود اللازمة. و
إطلاق النصوص بلزوم الصدقة بعد القبض وقصد القربة يدفعه.
وهي وإن شملت ما ليس فيه إيجاب وقبول بالمرّة، إلاّ أن اعتبارهما ولو فعلاً لازم البتّة، فإن مع عدمهما لا يعلم كونه صدقة؛ مضافاً إلى عدم
انصراف الإطلاقات بحكم التبادر إلى ما خلا عنهما البتة، هذا. مضافاً إلى
الاتّفاق في الظاهر على اعتبارهما في الجملة، وسيأتي عن المبسوط أن عليه إجماع
الإمامية .
ومنها : قصد
القربة ، بلا خلافٍ؛ لما مرّ في الوقف من المعتبرة المستفيضة الدالّة على أنه لا صدقة إلاّ ما أُريد به وجه الله سبحانه،
ونحوها كثير من النصوص الآتية.
ومنها : القبض، بلا خلاف أيضاً أجده، بل عليه في ظاهر المبسوط إجماع الإمامية؛
لأصالة عدم اللزوم بل الصحة قبله، و
اختصاص الإطلاقات الحاكمة بلزومها بحكم التبادر بالصدقة بعده؛ مضافاً إلى الصحيح وغيره المتقدّمين في
الوقف : في الرجل يتصدّق على ولد له قد أدركوا، فقال : «إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث»
الحديث.
(ولا حكم لها) من لزوم أو صحة (ما لو تقبض بإذن المالك) بلا خلاف؛ للأصل، وظهور الخبرين المشترطين للقبض في ذلك؛ ولأن القبض المترتّب عليه أثره هو المأذون فيه شرعاً، والمنهي عنه غير منظور إليه.
(وتلزم بعد القبض وإن لم يعوّض عنها) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، وعن الحلّي
الإجماع عليه؛
وهو الحجة، مضافاً إلى أن المقصود بها
الأجر ، وقد حصل كالمعوّض عنها. وفي المعتبرة المستفيضة : «إنما مثل الذي يتصدّق بالصدقة ثم يعود فيها مثل الذي يقيء ثم يعود في قيئه».
وفي معتبرة أُخر : «ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه، وما لم يعط لله وفي الله فإنه يرجع فيه».
خلافاً للمبسوط، فقال : إن صدقة التطوّع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام، من شرطها الإيجاب والقبول، ولا تلزم إلاّ بالقبض، وكلّ من له الرجوع في
الهبة له الرجوع في الصدقة عليه.
وهو شاذّ، ومستنده غير واضح، سوى دعواه الإجماع في الظاهر على اتحادها مع الهبة في الأحكام، وهي بعد تسليمها غير ضائرة بعد ما مرّ من حصول العوض بقصد التقرّب، فيكون كالهبة المعوّض عنها لا يجوز الرجوع فيها.
(ومفروضها محرّم على بني هاشم) بلا خلاف إن كان زكاة، بل عليه إجماع العلماء كافة، والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة : ففي الصحيح : «إن الصدقة أوساخ أيدي الناس، وأن الله تعالى حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه»
الحديث. وفي آخر : «لا تحلّ الصدقة لولد العباس ولا نظرائهم من بني هاشم».
وكذا غيرها من الصدقات الواجبة على إطلاق العبارة وغيرها من عبائر كثير من الجماعة،
بل نسبه في
المسالك إلى الشهرة؛ عملاً بإطلاق تلك المستفيضة. والأصح وفاقاً لجماعة كالمسالك وغيره
الحلّية؛ لأصالة
الإباحة ، واختصاص إطلاقات النصوص بحكم التعليل في بعضها بأنها أوساخ أيدي الناس، والتبادر في باقيها بالزكاة الواجبة.
مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة، منها الصحيح : «إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، هذه المياه عامّتها صدقة»
وبمعنى ذيلها رواية أُخرى صحيحة.
والمتبادر من الواجبة هي الزكاة المفروضة؛ لكونها المعروفة الشائعة المنساق إليها اللفظ من دون قرينة، مع
إشعار الرواية بها من حيث وصفها فيها بالواجبة على الناس، هذا.
مع أنه صرّح بالحصر فيها في خبرين، في أحدهما : عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : «هي الزكاة» قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال : «نعم».
ونحوه الثاني : عن الصدقة المحرّمة عليهم ما هي؟ فقال : «الزكاة المفروضة».
(ويمكن أن ينزّل على المختار إطلاق العبارة وما ضاهاها مما تضمّن لفظ المفروضة بحملها على
الزكاة المالية).
(إلاّ) أن تكون (صدقة أمثالهم) من السادة، فتحلّ لهم مطلقا، إجماعاً؛ للمعتبرة المستفيضة : منها الموثق : قلت له : صدقة بني هاشم بعضهم على بعضهم تحلّ لهم؟ فقال : «نعم».
(أو) تكون الصدقة عليهم (مع الضرورة) والبلوغ حدّا يحلّ لهم معه أكل الميتة، فتحلّ لهم بلا خلاف أجده؛ للموثق : «والصدقة لا تحلّ لأحدٍ منهم إلاّ أن لا يجد شيئاً ويكون ممن تحلّ له الميتة».
(ولا بأس) لهم (بالمندوبة) بلا خلاف أجده؛ للأصل، وما مرّ من النصوص المستفيضة. وربما يستثنى منهم
النبي صلي الله عليه و آله وسلم و
الأئمة المعصومون : في ذلك؛ صوناً لهم من النقص وتسلّط المتصدّق. ويدفعه الصحاح المتقدمة المتضمنة لقولهم : : «لو حرمت الصدقة علينا لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة، لأن كلّ ما بين مكة والمدينة فهو صدقة». قيل : ويمكن الفرق بين الصدقة العامّة والخاصة بهم، فتباح الاولى دون الثانية.
وهو مع شذوذه لا وجه له عدا التعرّض في الصحاح لإباحة الأُولى دون الثانية، وليس فيه حجة مع ظهور السياق في كون تخصيصها بالذكر للمثَل لا الحصر (والصدقة سرّاً أفضل منها جهراً)، قال سبحانه : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
وعن مولانا الصادق عليه السلام: «الصدقة في السرّ والله أفضل منها في العلانية».
(إلاّ أن يتّهم) في ترك المواساة فيظهرها دفعاً للتهمة، أو يقصد
اقتداء الناس به تحريصاً على نفع الفقراء. وقيل : هذا كله في المندوبة، أمّا الواجبة فإظهارها أفضل؛ لعدم تطرّق الرياء إليها كما يتطرّق إلى المندوبة، ولاستحباب حملها إلى
الإمام المنافي للكتمان غالباً.
وفي الحسن : «كلّ ما فرض الله تعالى عليك فإعلانه أفضل من
إسراره ، وكلّ ما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه، فلو أن رجلاً حمل زكاة ماله على عاتقه علانيةً كان ذلك حسناً جميلاً».
وفي الموثق في قوله تعالى (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) قال : «هي سوى الزكاة، إن الزكاة علانية غير سرّ».
رياض المسائل، ج۱۰، ص۱۹۶- ۲۰۲.