كيفية أخذ الشفيع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه
العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته؛ وقيل: تسقط
الشفعة استنادا إلى
رواية فيها احتمال؛ وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته؛ وفيه قول آخر؛ ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره؛ ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه؛ ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ
الشفيع بالثمن او ترك؛ وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن؛ ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو
بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله؛ وفي
النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه؛ ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل
البيع لم تبطل؛ أما لو
شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع، ففيه التردد؛ والسقوط أشبه.
واعلم أنّه يجوز أن يأخذ الشفيع المشفوع بمثل الثمن الذي وقع عليه
العقد إجماعاً محقّقاً مستفيض النقل في كلام جماعة
؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى اتّفاق النصوص عليه.
ولو لم يكن الثمن مثليّا بل قيميّاً كالرقيق والجوهر والثياب ونحو ذلك أخذه بقيمته على الأظهر الأشهر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر إلاّ من ندر ممّن تأخّر عمّن تأخّر
وفاقاً
للمفيد والمبسوط
والحلّي؛ للعمومات المؤيّدة بالإطلاقات، والشهرة العظيمة بين الأصحاب.
وقيل كما عن
الخلاف وابن حمزة: إنّه تسقط الشفعة وعليه
الطبرسي والعلاّمة في
المختلف استناداً إلى رواية بل قيل: روايات معتبرة
.
منها:
الموثّق في
التهذيب، والصحيح في
قرب الاسناد: في رجل اشترى داراً برقيق ومتاع، وبزّ وجوهر، قال: «ليس لأحد فيها شفعة»
.
ومنها:
الحسن: «الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحقّ بها من غيره بالثمن»
.
ومنها:
الصحيح: عن رجل تزوّج امرأة على بيت في دار له، وله في تلك الدار شركاء، قال: «جائز له ولها، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها»
.
وجعل هذه الرواية من روايات المسألة يتوجّه إليه المناقشة بظهور احتمال استناد المنع فيها عن
الشفعة إلى كثرة الشركاء، أو انتقال المشفوع بما عدا البيع لاشتراط الانتقال به في ثبوتها، كما مضى.
وكذلك جعل الثانية من رواياتها وإن اتّفق
للفاضل في المختلف
بخيال أنّ الأحقّية بالثمن إنّما يتحقّق في المثلي، لأنّ الحقيقة غير مرادة إجماعاً، فيحمل على أقرب المجازاة إلى الحقيقة، وهو المثل.
واعترضه في المسالك بأنّ أقرب المجازات إلى الحقيقة بحسب الحقيقة، فإن كان مثليّا فالأقرب إليه مثله، وإن كان قيميّاً فالأقرب إليه قيمته
.
وفيه نظر، بل الأجود في منعه ما ذكره
المقدس الأردبيلي؛ من أنّها محمولة على الغالب من أنّ القيمة ثمن أو المثلي في الدور، أو غير ذلك ممّا ذكره، وإن كان في بعضه نظر. ووجه اشتراط الثمن في استحقاق الشفعة على ما ذكره من المحامل التي مرجعها إلى اشتراط جنس الثمن ولو كان قيميّاً الإشارة إلى أنّ استحقاقها ليس مجّاناً بل بإعطاء الثمن، وهذا يجتمع ما لو كان مثليّا أو قيميّاً.
وبالجملة فالاستدلال بهذين الخبرين في البين غير متوجّه، ولعلّه لذا لم يستند إليهما من فضلاء الطرفين المشهورين أحد غير من مرّ.
بقي الكلام في الخبر الأوّل الذي استند إليه أرباب هذا القول، و فيها بعد الإغماض عن عدم مكافأتها لما مضى من حيث اشتهاره بين
الأصحاب، بل
والإجماع عليه في الجملة دونه قصور من حيث الدلالة بناءً على احتمال استناد المنع فيها عن الشفعة على أسباب مانعة عنها تقدّمت إلى ذكرها الإشارة إذ ليس فيها التصريح بأنّ المانع من جهة القيمة، وأنّها قيمي لا مثلي.
وما يقال: من أنّ المتبادر من سياقها ذلك؛ لأنّ الظاهر أنّ السؤال فيها إنّما أُريد به من حيث
الشراء بذلك الثمن، وأنّه هل تجوز الشفعة إذا كان الشراء بهذا الثمن أم لا. ولو كان المراد من السؤال معنى آخر من كون الدار لا شريك فيها، وأنّ المراد نفي الشفعة بالجوار لما كان لذكر القيمة وجه بالكلّية، ولكان حق السؤال التصريح بذلك وأن يؤتى بعبارة أُخرى تؤدّي هذا المعنى.
فمدفوع بأنّه وإن ذكر الثمن وبسببه يستظهر من السؤال والجواب ما يتوهّم، كذا ذكر أنّ المبيع الدار، والمتبادر منه المجموع، وهو ممّا لا يتأتّى فيه بعد الشراء شركة توجب الشفعة، فلا تثبت فيها إلاّ من حيث الجوار، فنفي الشفعة في
الرواية يحتمل أن يكون مستنداً إلى هذا.
ولو أُريد من الدار بعضها تعيّن ما استظهر من السياق، إلاّ أنّ إطلاقها على البعض مجاز لا يصار إليه إلاّ بالقرينة، هي في الرواية مفقودة. فإذاً هي مجملة لا ريب في ضعف الاستناد إليها، ولا شبهة.
ومنه يظهر ضعف هذا القول، وإن ادّعى عليه في
الخلاف إجماع الفرقة
؛ لوهنه بعدم ظهور قائل به سواه وبعض من تبعه
، مع مصير معظم الأصحاب على خلافه ومنهم هو في قوله الثاني
. وعلى تقدير سلامته عنه لا يمكن المصير إليه؛ لضعفه عن المقاومة للعمومات المعتضدة بالشهرة.
ومنها يظهر ضعف استناد المختلف
لما صار إليه بالأصل المقرّر في الشفعة؛ لاندفاعه بتلك الأدلّة المعتضدة زيادةً على
الشهرة بوجه الحكمة المشتركة التي استند إليها هو وغيره من الجماعة في مواضع عديدة على سبيل
الحجّة أو التقوية.
وهنا قول ثالث حكي في المختلف والدروس عن
الإسكافي، وهو أنّه يكلّف الشفيع ردّ العين التي وقع عليها العقد إن شاء، وإلاّ فلا شفعة له
.
وعلى المختار فهل المعتبر القيمة وقت العقد؛ لأنّه وقت استحقاق الثمن والعين متعذّرة، فوجب الانتقال إلى القيمة، أو وقت الأخذ؛ لوجوبه حينئذٍ على الشفيع، أو الأعلى منهما؟ أقوال، أحوطها الأخير، وأشهرها في الظاهر المصرّح به في كلام جمع
، الأوّل.
واعلم أنّ للشفيع المطالبة بالشفعة في الحال أي حال العلم بالشراء بلا خلاف، ولو أخّر لا لعذر بطلت شفعته وفاقاً للشيخ في كتبه الثلاثة
والقاضي وابن حمزة والطبرسي، وجماعة ومنهم الفاضل في كتبه،
والشهيدان، وعامّة المتأخّرين. وادّعى عليه الشهرة المطلقة جماعة منهم الفاضل في التذكرة، وآخرون الشهرة المتأخّرة كالمسالك وجمع ممّن تبعه
. وعن الشيخ دعوى الإجماع عليه
؛ وهو الحجّة عندهم؛ مضافاً إلى ما قالوه من
الأصل المتقدّم غير مرّة؛ وأنّها حقّ مبنيّ على التضييق بقرينة ثبوتها في بعض دون بعض، وبعقد دون عقد فلا يناسب التوسعة؛ ولأدائه إلى ضرر المشتري إذ قد لا يرغب في عمارة ملكه لتزلزله؛ وللحسنة المتقدّمة في جواز إنظار الشفيع بالثمن الأيّام الثلاثة لحكمه (علیهالسّلام) فيها ببطلان الشفعة بعد الثلاثة التي أخّرها للعذر، فلو كان حقّ الشفعة على التوسعة لم تبطل شفعته بالتأخير مطلقاً لعدم القائل بالفرق. فالقول به إحداث قول ثالث، وهو باطل بإجماعنا.
وللخبرين، في أحدهما: «الشفعة لمن واثبها»
وفي الثاني: «الشفعة كحلّ العقال»
.
وفي الجميع نظر؛ لمعارضة
الإجماع بمثله وسيأتي، واعتضاده بالشهرة غير نافع بعد ظهور انعقادها بعد الحكاية، ومرجوحيّته بالموافقة للعامّة كما سيأتي إليه الإشارة، وضعف الأصل بما مرّ في المسألة السابقة. ودعوى أنّها حقّ مبني على الضيق غير مسموعة إن أُريد بها العموم حتّى في المسألة؛ لكونها
مصادرة غير واضحة الحجّة عدا القرينة، ودلالتها على العموم غير ظاهرة بل فاسدة. وإن أُريد بها ثبوت الضيق في الجملة أو فيما عدا المسألة فغير نافعة.
والضرر الناشئ من التراخي مجبور بضمان الشفيع
الأرش على تقدير القلع كما ذكروه، هذا إن أُريد من الضرر ما ينشأ من نقص ما حصل وعمر. وإن أُريد به مجرّد عدم الرغبة في التعمير فيمنع عن كون مثله يعدّ ضرراً، وعلى تقديره يجبر بما ذكره
علم الهدى من عرض المبيع إلى الشفيع وبذل تسليمه إليه فإمّا أن يتسلّم، أو يترك الشفعة فيزول الضرر عن المشتري، فإن لم يفعل ذلك كان التفريط من قبله
. وعلى تقدير عدم إمكان دفع هذا الضرر فالدليل من المدّعى أخصّ. والجبر
بالإجماع المركّب ينفع حيث لا يمكن العكس، وهو ممكن في محلّ البحث، فتدبّر. هذا.
مع أنّ هذا الدليل جارٍ في صورة التأخير لعذر، وقد أطبقوا على ثبوت الشفعة فيها مطلقاً. والحسنة لا دلالة فيها على الفوريّة التي ذكروها وأحالوا معرفتها إلى العرف والعادة. ولا ريب أنّ التأخير ثلاثة أيّام، بل وما دونها من دون عذر كما هو مورد الرواية تنافي الفورية العرفيّة، ولذا استدلّ به المقدس الأردبيلي ; على القول الآتي، وأجاب عن الاستدلال بها لهذا القول بما يرجع حاصله إلى أنّ الحكم ببطلان الشفعة بعد الثلاثة لعلّه للعلم بعدم إرادة الشفيع المطالبة بالشفعة عرفاً وعادةً
.
أقول: ويحتمل كونه من جهة ظهور عدم بنائه على أداء الثمن المشترط في استحقاق الشفعة بالاتّفاق كما مرّ إليه الإشارة، ولذا عملوا بمضمونها من دون خلاف فيها يذكرونه ثمّة. وبالجملة هذه الرواية لو لم نقل بظهورها في ضدّ ما ذكره الجماعة، فلا ريب أنّها على ما ذكروه غير دالّة. وأمّا الخبران الأخيران فهما عاميان على الظاهر؛ إذ لم نجدهما في كتب أخبارنا المشهورة، ولا نقلهما ناقل من طرقنا في الكتب الاستدلالية. بل صرّح جماعة
بأنّهما من طرق
العامّة، فليس فيهما حجّة وإن انجبرا بالشهرة المتأخّرة، بل والمطلقة على تقدير تسليمها لأنّها معارضة بالموافقة للعامّة، كما صرّح به في
الانتصار.
وفيه أي في المقام قول آخر: إنّها على التراخي لا تسقط إلاّ بالإسقاط. ذهب إليه المرتضى، والإسكافي، ووالد الصدوق،
والحلبي، والحلّي
مدّعياً أنّه الأظهر بين
الطائفة، حاكياً الأوّل عن بعض الأصحاب مشعراً باشتهار ما اختاره بين
الأصحاب. وزاد المرتضى فادّعى الإجماع عليه؛ وهو الحجّة لهذا القول، مضافا إلى العمومات السليمة كما عرفت عمّا يصلح للمعارضة، مع
استصحاب الحالة السابقة.
وهذه الأدلّة في غاية من المتانة والأجوبة عنها فاسدة، عدا ما أُجيب به الإجماع فإنّه حقّ لمعارضته بالمثل، إلاّ أنّ في الباقي كفاية لولا الشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون بالإجماع ملحقة. فالمسألة محلّ إشكال، فلا ينبغي ترك
الاحتياط فيها على حال. وعلى اعتبار الفورية يلزم المبادرة إلى المطالبة عند العلم على وجه العادة. والمرجع فيه إلى العرف لا المبادرة بكلّ وجه ممكن، فيكفي مشيه إلى المشتري على الوجه المعتاد وإن قدر على الزيادة، وانتظار الصبح لو علم ليلاً،
والصلاة عند حضور وقتها ومقدّماتها ومتعلّقاتها الواجبة والمندوبة التي يعتادها على الوجه المعتاد، وانتظار الجماعة والرفقة مع الحاجة، وزوال الحرّ والبرد المفرطين، ولبس الثوب، وأمثال ذلك.
ولا خلاف في شيء من ذلك أجده، ولعلّه لعدم حجّة ظاهرة على الفوريّة الحقيقية، بل غايتها الفوريّة العرفية، ولا ينافيها شيء ممّا تقدّم إليه الإشارة، فتأمّل.
ولو كان التأخير لعذر عن المباشرة والتوكيل لم تبطل الشفعة بلا خلاف ولا إشكال، إلاّ فيما يقتضيه
إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة من عدم البطلان مطلقاً وإن أوجب التأخير على المشتري ضرراً، فإنّه منافٍ لما ذكروه سابقاً في تأخير الثمن ثلاثة أيّام بعد دعوى غيبته من تقييد الحكم ثمّة ببقاء الشفعة بعد التأخير إلى المدّة بما إذا لم يوجب ضرراً على المشتري، فإنّ دليل
التقييد الذي عرفته جارٍ في المسألة.
اللهم إلاّ أن يكون التقييد مراداً هنا أيضاً، وإنّما تركوه حوالةً على ما مضى. وكيف كان فمراعاة التقييد مطلقاً
أحوط وأولى.
وقد عدّ الأصحاب من غير خلاف يعرف من جملة الأعذار ما أشار إليه بقوله: وكذا لا تبطل الشفعة لو كان التأخير بسبب توهّم زيادة ثمن فبان قليلاً أو كونه جنساً من الثمن كذهب مثلاً فبان غيره أي فضّة ونحوها، أو بالعكس، أو أنّه اشترى النصف فبان الربع أو بالعكس، أو أنّ المشتري واحد فبان أكثر أو بالعكس، أو نحو ذلك، لاختلاف الأغراض في مثل ذلك.
ويعذر جاهل الفورية كجاهل الشفعة وناسيهما. وتقبل دعوى الجهل ممّن يمكن في حقّه عادةً، وإنّما يؤمر بالمطالبة بها فوراً حيث يكون
البيع عنده ثابتاً بالشياع أو البيّنة، دون نحو خبر الفاسق، والمجهول، والصبيّ، والمرأة مطلقاً.
وفي
شهادة العدل الواحد مطلقاً وجه قويّ وفاقاً
للروضة، وعن
الدروس الاكتفاء به مع القرينة
. وحجّته غير واضحة إن عمّم القرينة للظنّية، ومنع الاكتفاء بالخبر الغير المحفوف بها بالكلية، فإنّها إن كانت عموم ما دلّ على حجّية خبره فليس فيه التقييد بالقرينة، وإن كانت حصول المظنّة بصدق الخبر بمعونتها زيادةً على ما يحصل من مجرّد خبره، وأنّ المعتبر قوّة المظنّة، فلا دليل على اعتبارها بعد أن قطع النظر عن عموم ما دلّ على حجّية خبر
العدل مطلقاً. وكذا لو نظر إليه لما مضى من عدم تقييده بالقرينة، وأنّ مفاده
الحجّية من حيث هو هو، ولو صدّق المخبر كان كثبوته في حقّه، وكذا لو علم صدقه بأمر خارج.
واعلم أنّه يأخذ الشفيع الشقص المبيع من المشتري لأنّه استحقّ الأخذ بالبيع وبعده انتقل الملك إلى المشتري، فلا تسلّط له على أخذه من البائع. ولا خلاف فيه وفي أنّ دركه أي درك الشقص لو ظهر مستحقّاً عليه أي على المشتري، فيرجع عليه بالثمن وبما اغترمه لو أخذه منه المالك، بل ادّعى على الأمرين الإجماع في
السرائر.
ولا فرق في ذلك بين كونه في يد المشتري ويد البائع بأن لم يكن أقبضه، لكن هنا لا يكلّف المشتري قبضه منه، بل يكلّف الشفيع الأخذ منه أو الترك؛ لأنّ الشقص هو حقّ الشفيع فحيثما وجده أخذه، ويكون قبضه كقبض المشتري والدرك عليه على التقديرين.
ولو انهدم المسكن، أو عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بتمام الثمن أو الترك ولا شيء على المشتري مطلقاً، كان النقص والتعيّب قبل المطالبة بالشفعة أم بعدها، بأمر سماويّ كانا أم بفعل آدمي، على الأشهر الأقوى، وفاقاً للمبسوط والحلبي
؛ للأصل المؤيّد بإطلاق ما دلّ على لزوم الأخذ بالشفعة بالثمن. والمرسل المنجبر بعمل الأكثر: في رجل اشترى من رجل داراً مشاعاً غير مقسوم وكان شريكه الذي له النصف الآخر مشاعاً غائباً، فلمّا قبضها وتحوّل عنها انهدمت الدار، وجاء سيل خارق فهدمها وذهب بها، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا، فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملاً الذي نقد في ثمنها، فقال: ضع عنّي قيمة البناء، فإنّ البناء قد انهدم وذهب به السيل، ما الذي يجب في ذلك؟ فوقّع (علیهالسّلام): «ليس له إلاّ الشراء والبيع الأوّل»
.
خلافاً للخلاف على ما حكى عنه في
المختلف، ففصّل بين صورتي كون الهدم بأمر سماوي فالأوّل؛ لظاهر الخبر المتقدّم، أو بفعل آدمي فالأخذ بحصّته من الثمن. وإطلاقه يشمل المشتري وغيره، بل لعلّه ظاهر فيه.
ووجهه غير واضح عدا ما يوجّه به ضمان المشتري في القول الآتي في نقص المبيع بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع من تعلّق حق الشفيع به بالبيع فيضمنه المشتري وإن كان ملكه.
وفيه نظر، فإنّه إن أُريد بالحقّ المتعلّق بالشقص حقّ المطالبة به فمسلّم، ولكنّه بمجرده لا يوجب ضماناً على المشتري، فإثباته يتوقّف على دليل. وإن أُريد به الملكية فممنوع، سيّما إذا ادّعي ثبوتها قبل المطالبة. وعلى تقديره فالضمان محلّ تأمّل، سيّما إذا لم يقبضه المشتري؛ إذ لا موجب لضمانه حينئذٍ ولو فرض كونه ملك الشفيع، هذا.
مع أنّ هذا التوجيه على تقدير تماميّته يشمل صورة التلف بأمر سماوي أيضاً ولا يقول به، إلاّ أن يقال باستثنائها بالخبر الذي مضى.
وإن كان الهدم بفعل المشتري بعد مطالبة الشفيع بالشفعة، فالمشهور
ضمان المشتري، بمعنى أخذ الشفيع الباقي بعد التلف بحصّته من الثمن وسقوط ما قابل التالف منه.
قيل: لأنّ الشفيع استحقّ بالمطالبة أخذ المبيع كاملاً، وتعلّق حقّه به، فإذا انتقض بفعل المشتري ضمنه له
. وهو مبنيّ على تملّك الشفيع الشقص بالمطالبة دون الأخذ، ووجهه غير واضح. والأصل يقتضي المصير إلى التملّك بالأخذ كما عن الشيخ، وعليه بنى اختياره في المبسوط
هنا عدم الضمان على المشتري أيضاً كالسابق. وهو في غاية من القوّة، سيّما بعد اعتضاده بإطلاق ما دلّ على استحقاق
الشفعة بتمام الثمن.
ولو كان الهدم بفعله قبل المطالبة بها فالأشهر الأظهر عدم الضمان على المشتري، بل يتخيّر الشفيع بين الأخذ بكلّ الثمن وبين الترك؛ لما مرّ، وأنّ المشتري تصرّف في ملكه تصرّفاً سائغاً فلا يكون مضموناً عليه، سيّما إذا كان التالف لا يقابل به شيء من الثمن فلا يستحقّ الشفيع في مقابلته شيئاً، كما لو تعيّب في يد البائع فإنّ المشتري تخيّر بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن.
وحكي في
المسالك والكفاية قول بالضمان، وهو الظاهر من إطلاق العبارة، ولا ريب في ضعفه؛ لضعف ما مرّ من توجيهه. ثمّ إنّ الحكم بعدم الضمان على المشتري حيث توجّه إنّما هو إذا لم يتلف من الشقص شيء يقابل بشيء من الثمن، وإلاّ قيل: ضمن بحصّته من الثمن على الأشهر
.
قيل: لأنّ إيجاب دفع الثمن في مقابلة بعض المبيع
ظلم.
وفيه نظر، ولذا أطلق الحكم في العبارة هنا وفي المبسوط
وغيرهما
، ومع ذلك يدفعه إطلاق ما مرّ من الخبر، فتأمّل.
ولو اشترى الشقص بثمن مؤجّل قيل كما عن الخلاف والمبسوط والإسكافي والطبرسي
: هو أي الشفيع بالخيار بين الأخذ بالثمن عاجلاً وبين التأخير إلى الحلول وأخذه بالثمن في محلّه أي وقت حلوله؛ لأنّ الذمم غير متساوية فيجب إمّا تعجيل الثمن، أو
الصبر إلى الحلول ودفعه عند الأخذ.
وأُجيب بأنّ ذلك لا يوجب
التخيير؛ لإمكان التخلّص بالكفيل إمّا مطلقاً كما يظهر من المختلف
، أو مع عدم الملائة كما عن
الشيخ وغيره
؛ وبأنّه يستلزم أحد محذورين إمّا إسقاط الشفعة على تقدير ثبوتها، أو إلزام الشفيع بزيادة لا موجب لها. وكلاهما باطل.
ووجه الملازمة أنّ تجويز التأخير ينافي الفوريّة المستلزمة لبطلانها، وتعجيل الأخذ بالحال يوجب زيادة صفة في الثمن، وهي كونه معجّلاً من غير سبب.
وذهب
المفيد والشيخ في
النهاية والقاضي، والحلي
إلى أنّه لا يتخيّر، بل يأخذ الشقص عاجلاً ويكون الثمن مؤجّلاً، ويلزم كفيلاً إن لم يكن مليّاً، وهو أشبه وأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، إمّا لما مرّ من منافاة التخيير للفورية، أو لا له؛ لضعفه أوّلاً: بما مرّ من عدم وضوح دليل على اعتبارها. وثانياً: على تقدير تسليمه يمكن كون الإخلال هنا بها لعذر، وهو مراعاة مال المشتري وثمنه عن الذهاب، وهو لا يوجب سقوطها كما مرّ عن الأصحاب.
ولعلّه لذا إنّ الشيخ مع اعتباره للفورية لم يجعل الإخلال بها هنا موجباً لسقوطها. ولكن دفع هذا العذر بإمكان مراعاة الفورية، ومال المشتري عن الذهاب بأخذ
الكفيل، كما قال به الأصحاب ممكن، فتأمّل. بل لأنّ التأجيل له قسط من الثمن فيلزم زيادة الثمن المأخوذ به في الحال على الأصل.
وفيه أيضاً نظر، فإنّ هذا لم يدلّ إلاّ على عدم وجوب تعجيل الثمن على الشفيع، وهو لا يستلزم وجوب الأخذ بالشفعة حالاّ إلاّ على تقدير اعتبار الفورية، والمفروض عدمه.
فالمتّجه على هذا التخيير بين الأمرين اللذين ذكرهما في الخلاف والمبسوط، وبين ما ذكره الأصحاب. فهو في غاية من القوّة إن لم يكن إحداث قول ثالث في المسألة.
ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذه لأنّ دفعه مسبّب عن المشتري، وهو لو دفعه إليه قبله لم يلزمه الأخذ قطعاً، فبأن لا يلزمه الأخذ من الشفيع بطريق أولى.
ولو دفعه الشفيع إلى المشتري قبل الحلول لزمه الأخذ على قول المبسوط والخلاف. ويشكل على قول
الأصحاب، ولا يبعد اللزوم عليه أيضاً التفاتاً إلى أنّ الحكم بالتأجيل في حقّ الشفيع إنّما هو مراعاة لحقّه واستخلاص له عن لزوم التعجيل به، فإذا أسقط حقّه ويتبرّع بالتعجيل فلا موجب للمشتري عن عدم قبوله، مع دلالة الإطلاقات على لزومه.
ولو ترك الشفيع المطالبة بالشفعة قبل
البيع فقال للمشتري: اشتر نصيب شريكي فقد نزلت عن
الشفعة وتركتها لم تبطل وكذا لو عرض البائع الشقص على
الشفيع بثمن معلوم فلم يرده، فباعه من غيره بذلك الثمن أو زائداً، وفاقاً لظاهر المرتضى، وصريح الإسكافي والحلي، والفاضل في المختلف والقواعد،
والمقداد في التنقيح،
والشهيد الثاني، وكثير ممّن تبعه
. والظاهر أنّه عليه أكثر المتأخّرين. وحكاه في الدروس عن المبسوط
.
وظاهر الأوّل دعوى
الإجماع عليه حيث قال: وممّا انفردت به
الإماميّة أنّ حقّ الشفيع لا يسقط إلاّ أن يصرّح الشفيع بإسقاط حقّه. ثمّ أخذ في نقل مذاهب العامّة، وذكر منها قول الشعبي بأنّ من بيعت شفعته وهو
شاهد ولم ينكر، فلا شفعة له، ثم قال بعد هذا بلا فصل: والذي يدلّ على صحّة مذهبنا الإجماع المتكرّر.
وهو كما ترى ظاهر في شمول عموم عبارته لمثل ما نحن فيه؛ فهو الحجة، مضافاً إلى ما ذكره جماعة
من عموم ما دلّ على ثبوتها، مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة، وضعف ما سيأتي على خلافه من الأدلّة، وآخرون
بأنّ ذلك ترك قبل الاستحقاق فلا يلزم، كما لو أسقطت المرأة
المهر قبل
التزويج، ونحو ذلك.
خلافاً للنهاية والمفيد وابن حمزة
؛ لقوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): «لا يحلّ للشريك أن يبيع حتّى يستأذن شريكه، فإن باع ولم يأذنه فهو أحقّ»
لتعليق الاستحقاق فيه على عدم الاستيذان فلا يثبت معه، ولأنّ الشفعة شرعت لإزالة الضرر عن الشريك فإذا لم يردّه دلّ على عدم الضرر. وليس ذلك من باب الإسقاط حتى يتوقّف على الاستحقاق.
وفي الجميع نظر؛ لعدم وضوح
سند الخبر، وعدم جابر له بل الجابر بالعكس، مع معارضته بما مرّ من الإجماع المنقول الذي منه أجود. ومنع دلالة عدم الردّ على عدم الضرر فإنّه أعمّ منه، مع احتمال جعله وسيلةً على الأخذ بالشفعة، وعلى تقدير تسليمه فهو إنّما يتمّ على تقدير قيام دليل على كون الضرر هو السبب الباعث لثبوت الشفعة، ولا حجّة عليه مستقيمة تطمئنّ إليها النفس، كما مرّ إليه الإشارة.
فهذه الحجج ضعيفة، وغاية ما يمكن أن يحتجّ لهم شيئان:
أحدهما: ما ذكره المولى الأردبيلي من أنّ الترك وعد فتشمله الأدلّة الدالّة على وجوب الوفاء به، وليس هنا إبراء أو إسقاط، بل قول ووعد وشرط، ومخالفته قبيحة عقلاً وشرعاً، وأنّه غرر وإغراء، وليس من
صفات المؤمن.
وثانيهما: ما يختلج بالبال من الأصل، وعدم عموم من الأخبار يدلّ على ثبوت الشفعة في جميع الأحوال. وإنّما العموم الموجود فيها إنّما هو بالنسبة إلى كلّ مبيع لا إليها في جميع الأحوال، وغايته بالنسبة إليها أن يكون مطلقاً، ورجوعه إلى العموم مشروط بتساوي أفراده في الانسباق إلى الذهن وعدمه؛ إذ مع رجحان بعضها بتبادر ونحوه ينصرف إليه دون المرجوح، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لعدم تبادر ما أُسقط فيه الشفعة من إطلاق ما دلّ على ثبوتها بلا شبهة.
مضافاً إلى التأيّد بما ورد في صحّة الوصية بما زاد على الثلث بإجازة الورثة لها قبل
الموت من المعتبرة
، وعليه معظم الطائفة، وادّعى بعضهم عليه إجماع الإمامية
.
ولا يخلو الجميع عن المناقشة.
فالأوّل: بأنّه بعد تسليم كونه من باب الوعد لم يحضرني الآن دليل عامّ يدلّ على وجوب الوفاء به على الإطلاق بحيث يشمل نحو مورد النزاع، مع عدم وجوبه في كثير من قبيله بالإجماع، وقد تقدّم بعضه من إسقاط المرأة حقّها قبل الثبوت ونحو ذلك. والفرق بينه وبين ما نحن فيه لو ادّعي غير واضح.
والثاني: بأنّ العموم في البيع يستلزم العموم في الأحوال، وإلاّ لما بقي عموم على حال؛ لاختلاف أحوال أفراد العموم بلا إشكال، فتأمّل.
والثالث: نافع حيث يوجد دليل، وقد عرفت ما فيه.
واعلم أنّ مقتضى الأدلّة من الطرفين عدم الفرق بين الموضعين المتقدّمين، وغيرهما من المواضع التي اختلف في سقوط الشفعة فيها ممّا أشار إليه الماتن بقوله: أمّا لو
شهد على البيع ولم يردّ أو بارك للمشتري أو البائع فقال: بارك الله تعالى لكما في البيع، أو هو مبارك لكما، أو نحو ذلك. أو أذن لهما أو لأحدهما في البيع فقال: تبايعا ففيه التردّد الناشئ مما مرّ.
وعدم السقوط في الجميع كما عرفت أشبه.
ولم أفهم وجهاً لفرق الماتن بين هذه المواضع. ولم أر من قال به، بل أطلق أرباب القولين الحكم فيها، عدا
الفاضل في
الإرشاد ففرّق بينها كالماتن، ولكن حكم بالبطلان في الموضع الأوّل عكسه، وتنظّر فيه في باقي المواضع.
ووجهه أيضاً غير واضح، وإن كان أنسب من فرق الماتن؛ لأنّه في غاية البعد، فإنّ عدم الإبطال بالإسقاط قبل البيع يستلزم عدمه فيما عداه بطريق أولى؛ إذ ليس بأبلغ في الدلالة على الإبطال من الإسقاط قبل البيع، بل هو أبلغ. فكيف يفرّق بينهما بالعدم في الأوّل، والسقوط في الباقي؟ بل العكس أولى، وقد نبّه على الأولويّة في المسالك
شيخنا.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۸۱-۹۹.