كيفية الاستقبال في جوف الكعبة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ولو صلّى في وسطها) حيث جازت له الصلاة فيه (استقبل أيّ جدرانها شاء) مخيّرا بينها، وإن كان الأفضل
استقبال الركن الذي فيه الحجر، على ما ذكره الصدوق.
بلا خلاف في
أصل الحكم على الظاهر، المصرح به في بعض العبائر،
بل في المنتهى أنه قول كل أهل العلم.
وهو الحجّة، لا ما ذكروه من حصول استقبال القبلة بناء على أنها ليست مجموع البنيّة، بل نفس العرصة وكل جزء من أجزائها، إذ لا يمكن محاذاة المصلّي بإزائها منه إلّا قدر بدنه والباقي خارج عن مقابلته، وهذا المعنى يتحقق مع الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة في خارجها.لقوة
احتمال تطرّق الوهن إليه بأن الثابت من الأدلّة كون جملة البنيّة قبلة، وأمّا كون أيّ بعض منها قبلة فلم يثبت،
لاختصاص ما دلّ على أن
الكعبة قبلة ـ بحكم
التبادر ـ بكون القبلة جملتها، والمراد بها القطر والقدر الذي يحاذي المصلي من قطر الكعبة ومجموعها، والمصلّي داخلها لم يحصل له هذا، فتأمّل، ووجهه هو أنّ
الاتفاق على جواز النافلة فيها اختيارا كاشف عن كون القبلة ما ذكروه، بناء على أنّ
الإجماع على عدم جواز النافلة إلى غير القبلة اختيارا من غير
استثناء ، وكذا جواز الفريضة إلى ركن من أركان الكعبة بحيث يتجرّد عن أصل ويتوجّه إلى جزء من الركن بمقدار ما يحاذي بدن المصلّي.
ويعضده أيضا ما سيأتي من دعوى اتفاق المتأخرين على جواز التطوع على السطح بعد أن يبرز من الكعبة شيئا بين يديه بحيث يكون مواجها ومستقبلا له في أحواله.وبالجملة فكل هذه القرائن أمور واضحة على ما ذكروه، كما لا يخفى على من تأمل وتدبر (منه دام فضله). ولهذا منع الشيخ في الخلاف والقاضي وغيرهما
من صلاة الفريضة جوفها، ويعضده الصحيحان الناهيان عنه، وغيرهما.
والموثق المرخّص لفعلها فيها
ـ مع قصوره عن المقاومة لهما سندا ـ موافق للعامة، فقد نسبه في المنتهى إلى جماعة منهم، ومنهم أبو حنيفة.
نعم هو مشهور بين المتأخّرين، بل عليه عامّتهم ، وفي السرائر الإجماع عليه.
وبه ـ مضافا إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة ـ يصرف النهي في الصحيحين وغيرهما إلى الكراهة، سيّما مع تبديل النهي في أحدهما في بعض الطرق ب «لا تصلح»،
المشعر بالكراهة، بل جعله الشيخ صريحا، مع أنهرواه بطريق آخر «تصلح» والموجود فيه «لا تصلح» أيضا، نعم نقله بدون «لا» في الوسائل وقال في ذيله : لفظة «لا» هنا غير موجودة في النسخة التي قوبلت بخطّ الشيخ، وهي موجودة في بعض النسخ.
بدون لا، وهو صريح في الجواز.وهنا روايتان لم أجد عاملا بهما، مع ضعف إحداهما بالجهالة، والأخرى
بالإرسال ، ففي الأولى : عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة ولم يمكنه الخروج منها : «استلقى على قفاه ويصلّي إيماء»
الحديث.
وفي الثانية : «يصلّي إلى أربع جوانبها إذا
اضطر إلى ذلك».
قال في
الذكرى بعد نقل هذه : هذا
إشارة إلى أن القبلة إنما هي جميع الكعبة، فإذا صلّى في الأربع فكأنه استقبل جميع الكعبة.
وهو حسن.وفيها بل وفي الأولى أيضا ـ كالرواية الآتية ـ تأييد لما قدّمناه من أن القبلة هي مجموع قطر الكعبة يجب استقباله ولو بعضا حيث كان خارجها.
لكن ضعف سندهما ومعارضتهما بعضا مع بعض يمنع عن العمل بهما، وإن تؤيدا بالصحيحين الناهيين، لما عرفت من مرجوحيتهما
بالإضافة إلى الموثقة المعتضدة بالشهرة، وحكاية الإجماع المتقدمة، لكنّها معارضة بنقل الشيخ في الخلاف الإجماع على المنع.
والشهرة المرجّحة معارضة باحتمال
التقية ، الموجب للمرجوحيّة.والموثقة لا تعارض الصحيحين من وجوه عديدة، وإن كانت صريحة.
والاحتياط اللازم المراعاة في العبادة التوقيفية يقتضي المنع عن فعل الفريضة جوف الكعبة إلّا مع الضرورة المسوّغة له. ولكن الأقرب الجواز مع الكراهة بلا شبهة.
رياض المسائل، ج۲، ص۲۵۹-۲۶۲.