كيفية الصوت في التلبية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا عَلَت راحلته البيداء وهو على ميل من ذي الحليفة، إن حجّ على طريق
المدينة ، وإن كان راجلاً فحيث يحرم.
(رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا عَلَت راحلته البيداء) وهو على ميل من ذي الحليفة، على ما في
التحرير والمنتهى،
وعن
السرائر والتذكرة
(إن حجّ على طريق
المدينة ، وإن كان راجلاً فحيث يحرم) كما هنا وفي
الشرائع والقواعد والتحرير والمنتهى والروضة والمسالك،
وغيرها،
وعن الشيخ وابن حمزة،
لكنهما لم يذكرا الجهر، بل نفس
التلبية . للصحيح.
وبه جمع الشيخ
بين الأخبار الآمرة بالتأخير إلى
البيداء بقول مطلق، وما دلّ على جواز التلبية من المسجد كذلك من الموثق وغيره،
بحمل الأوّلة على الراكب، والأخيرين على غيره.
وفيه : أن من جملة الأوّلة ما صرّح بالعموم، كالصحيح : «صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة ( واخرج ) بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك، فاذا استوت بك
الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبِّ».
وحكي العمل بها عن جملة من القدماء، كالشيخ في أحد قوليه والقاضي والصدوق والحلّي.
لكن القاضي لم يذكر الجهر، بل نفس التلبية، أخذاً بظاهر الأخبار المطلقة. والصدوق والحلّي استحبّا
الإسرار بها قبل البيداء والجهر فيها، وهو ظاهر العبارة وما ضاهاها. والظاهر أنه لاعتبار المقارنة عندهم؛ أخذاً بما دلّ على عدم جواز التجاوز عن الوقت بغير إحرام، فحملوا الأخبار على
الإجهار . وبذلك صرّح في المنتهى هنا، حيث قال بعد الحكم باستحباب الإجهار : وهذا يكون بعد التلبية سرّاً في الميقات الذي هو ذو الحليفة؛ لأن
الإحرام لا ينعقد إلاّ بالتلبية، ولا يجوز مجاوزة الميقات إلاّ محرماً.
ونحو
الفاضل المقداد في التنقيح.
ورجّحه في
المسالك ، قال : فتكون هذه التلبية غير التي يعقد بها الإحرام في المسجد.
أقول : ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر؛ فإن من
الصحاح ما لا يقبل الحمل على الجهر إلاّ بتكلّف بعيد كما مرّ.
ولو حجّ من غير طريق المدينة لبّى من موضعه إن شاء، وإن مشى خطوات ثم لبّى كان أفضل، كما في التحرير والمنتهى والمسالك،
وغيرها؛
للصحاح المتضمنة للأمر بالتلبية بعد المشي خطوات.
وحملت على الأفضلية؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على الجواز حيث شاء.
(ولو أحرم من مكّة رفع بها) صوته (إذا أشرف على
الأبطح ) للصحيح : «فأحرم بالحجّ، وعليك السكينة والوقار، فاذا انتهيت إلى الرَّقطاء دون
الرَّدم فلبِّ، فاذا انتهيت إلى الرَّدم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى».
_الرَّدم بمكّة وهو حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم و
الرقطاء موضع دون الردم ويسمى المدعى. _
وحمل على الفضل؛ للآخر : «وإن أهللت من
المسجد الحرام بالحجّ فإن شئت لبّيت خلف المقام، وأفضل ذلك أن تمشي حتى تأتي الرَّقطاء وتلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح».
وإطلاقهما كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الراكب والماشي.
خلافاً للشيخ فيلبّي الماشي من الموضع الذي يصلّي فيه، والراكب يلبّي عند الرَّقطاء وعند شعب الدب؛
للخبر.
وفيه ضعف سنداً ودلالةً. ثم المستفاد من الرواية الأُولى تأخير التلبية إلى الرقطاء دون الرَّدم فيلبّي سراً، ثم إذا أشرف على الأبطح جهر بها، وهو نصّ في عدم
اعتبار المقارنة. وحكي التصريح بمضمونها بعينه عن الصدوق في
الهداية ،
مع أنه نقل عنه سابقاً اعتبار المقارنة. وهو مناقضة، إلاّ أن يكون لم يعتبرها هنا واعتبرها ثمة، كما هو ظاهر المحكي عن السرائر والمنتهى و
التذكرة ،
حيث إنهم عبّروا عن المستحب هنا بما حكي عن
المبسوط والنهاية والجامع والوسيلة
من أنه إن كان ماشياً لبّى من موضعه الذي صلّى فيه، وإن كان راكباً لبّى إذا نهض به بعيره، فاذا انتهى إلى الرَّدم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية، وحينئذ فينبغي القطع بعدم اعتبارها هنا.
خلافاً لشيخنا في المسالك، حيث قال : والكلام في التلبية التي يعقد بها الإحرام كما مرّ، فيلبّي سرّاً بعد النية ويؤخر الجهر إلى الأبطح.
واعلم أن استحباب الإجهار للرجل دون وجوبه هو المشهور على الظاهر، المصرَّح به في كلام جمع؛
للأصل السليم عما يصلح للمعارضة.
خلافاً للشيخ في التهذيب فيجب بقدر
الإمكان ،
قال : للصحيح «واجهر بها كلّما ركبت، وكلّما نزلت، وكلّما هبطت وادياً، أو علوت أَكَمَة، أو لقيت راكباً وبالأسحار».
وهو نادر، مع أنه رجع عنه في الخلاف، قائلاً : لم أجد من ذكر كونه فرضاً،
ومع ذلك ففتواه بالوجوب بالمعنى المصطلح غير معلوم، وفي
المدارك : ولعلّ مراده تأكد
الاستحباب .
ولذا ادّعى بعض
الإجماع على خلافه، قال : كما هو الظاهر.
و
الأمر في الصحيح للاستحباب بلا خلاف، ولذا قال في المنتهى في الجواب عنه : انه قد يكون للندب، خصوصاً مع القرينة، وهي حاصلة هنا في قوله : «كلّما ركبت» الحديث؛ إذ ذلك ليس بواجب.
أقول : وقريب منه باقي الأخبار المتضمنة للأمر به، حتى المرسل القريب من الصحيح : «لمّا أحرم
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم أتاه
جبرئيل عليه السلام فأمره بالعَجّ والثجّ، والعَجّ : رفع الصوت بالتلبية، والثجّ : نحر البدن» فإن في آخره : قال جابر بن عبد الله : فما مشى الرَّوحاء حتى بَحَّتْ أصواتنا.
الرَّوْحاء كحمراء : بلد من عمل الفُرع على نحو أربعين يوماً والفُرع : قرية من نواحي المدينة بينها وبين المدينة ثمانية بُرُد على طريق مكّة .
_بَحَّتْ أصواتنا أي : خشنت. _
فإن ظاهره الإجهار بالتلبية المكررة، فحالها حال الصحيحة السابقة.
واحترز بالرجل عن
المرأة فليس عليها إجهار بلا خلاف؛ للمستفيضة : منها : «وضع عن النساء أربعاً : الجهر بالتلبية، والسعي بين الصفا والمروة، و
الاستلام ، ودخول الكعبة»
والمراد بالسعي الهرولة، كما وقع التصريح به في رواية عن
الفقيه مروية.
رياض المسائل، ج۶، ص۲۳۳- ۲۳۸.