ما تجب فيه الزكاة وما تستحب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي الأشياء التي يستحب أو تجب فيها
الزكاة .
اعلم : أنّها (تجب في
الأنعام الثلاثة ) وهي (الإبل والبقر والغنم، وفي الذهب والفضّة، وفي الغلاّت الأربع) وهي (الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ولا تجب فيما عداها).
أما وجوبها في التسعة فمجمع عليه بين
المسلمين كافّة، كما في المنتهى
وعن التذكرة،
وقريب منهما الغنية،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة بل متواترة.
وأما عدمه فيما عداها فمجمع عليه بيننا، كما صرّح به جماعة من أصحابنا، كالناصرية
والانتصار والخلاف والغنية والمنتهى وغيرها؛
والنصوص به مع ذلك مستفيضة من طرقنا،
وما يخالفها بظاهره محمول على
الاستحباب قطعاً.
(وتستحبّ في كلّ ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن) من الحبوب كالسمْسِم والأرُزّ والدخْن والحِمَّص والعدس وأشباهها (عدا الخضر) من بقل وقِثّاء وبطّيخ وكل شيء يفسد من يومه، كما في المعتبرة المستفيضة.
وظاهر جلّها أو كلّها وإن كان الوجوب كما عن يونس
والإسكافي ـ، إلاّ أنّها محمولة على الاستحباب، كما عليه الأصحاب؛ جمعاً بينها وبين ما مرّ من الأدلّة على عدم الوجوب إلاّ في التسعة.
ويمكن حمل هذه على
التقيّة ؛ لموافقتها لمذهب جمهور العامة، كما في الذخيرة،
ويومئ إليه بعض المعتبرة المروي عن
معاني الأخبار ، وفيه بعد ذكره (عليه السلام) : «وضع
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزكاة في التسعة وعفا عمّا عداها» : فقال السائل : والذرّة؟ فغضب (عليه السلام)، ثم قال : «كان والله على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السماسم والذرّة والدخْن وجميع ذلك» فقال : إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب وقال : «كذبوا، فهل يكون إلاّ العفو عن شيء قد كان؟! لا والله ما أعرف شيئاً عليه
الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».
وعلى هذا فينحصر دليل الاستحباب في فتوى الأصحاب بعنوان
الإجماع ، كما في المدارك،
مضافاً إلى
الاحتياط خروجاً عن شبهة الخلاف.
ويدخل فيما تستحبّ فيه : السلت والعَلس على المشهور؛ للأصل، مع عدم دخولهما في التسعة حتى في الشعير والحنطة، كما يستفاد من المعتبرة، وهي وإن اختصّت بالسلت، إلاّ أنه قد يلحق به العكس في المغايرة، لعدم قائل بالفرق بينهما مطلقاً لا وضعاً ولا حكماً وفيها الصحيح وغيره.
خلافاً للشيخ
وجماعة،
فأوجبوا فيهما الزكاة، بدعوى أنّ الأوّل من نوع الأوّل والثاني من الثاني، كما يستفاد من بعض أهل اللغة.
وفيها : أنّها اجتهاد في مقابلة النص الظاهر في التغير، مع أنّه المستفاد أيضاً من بعض أهل اللغة منهم ما حكاه في مجمع البحرين فقال في العكس : وقيل هو مثل البُر إلاّ أنه عسر
الاستنقاء ، وقيل هو العدس وقال في السلت : وعن الأزهري أنه قال هو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته فتدبر.
ولو سلّم الاتّحاد فلا ريب في عدم تبادرهما من
الإطلاق ، وينبغي الاقتصار فيه على المتبادر، والرجوع في غيره إلى حكم
الأصل وهو العدم.
وحكم الحبوب المستحب فيها الزكاة حكم الغلاّت الأربع، في اعتبار النصاب وغيره من الشرائط، وتعيين المُخْرَج من العُشر ونصفه ونحو ذلك، بلا خلاف كما في المنتهى.
(وفي) وجوبها في (مال التجارة) أو استحبابها مع استجماعه من بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين، وحَوْل الحول عليه، وإبقائه لطلب الربح أو رأس المال وبقاء عين السلعة، كما يستفاد من المعتبرة، فيه(قولان، أصحّهما الاستحباب) وفاقاً للأكثر، بل عليه عامّة من تأخّر بل ومن تقدّم عدا ظاهر الصدوقين؛
لشبهة
الأمر بهما في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة هنا
وفي مال اليتيم والمجنون وغيرهما.
وحمله الأصحاب على
الاستحباب ؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على نفي الزكاة صريحاً، ومنه مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة على نفيها فيما عدا الأشياء التسعة من النصوص والأُصول والإجماعات المحكية خصوص الصحاح وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح : «إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عثمان : كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به ويعمل به ويتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر : أما ما يتّجر به أو دير أو عُمل به فليس فيه زكاة، إنّما
الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال : القول ما قاله أبو ذر» فقال أبو عبد الله لأبيه : «ما تريد إلاّ أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم؟» فقال له أبوه : «إليك عنّي لا أجد منها بدّاً».
وتحتمل الحمل على التقيّة كما صرّح به جماعة،
ويومئ إليه هذه الصحيحة. وظاهر عمومها نفي الزكاة مطلقاً حتى استحباباً، فيشكل الحكم به، إلاّ أنّ الظاهر عدم خلاف فيه، مع أن الأدلّة على جواز المسامحة في أدلّة السنن والكراهة تقتضيه، مضافاً إلى ما دلّ على رجحان الاحتياط في مثله، وفحوى ما دلّ على الاستحباب في مال
اليتيم فهاهنا بطريق أولى.
(و) تستحبّ (في الخيل الإناث) السائمة إذا حال عليها الحول، بالنصّ والإجماع الظاهر، المصرَّح به في جملة من العبائر.
ولا تستحبّ في غير ذلك كالبغال والحمير والرقيق للأصل، والمعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما، ففي جملة منها : «ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء»
يعني الإبل والبقر والغنم، وهي وإن عمّت الخيل الإناث، لكنّها خرجت بما مرّ.
وفي الصحيح : هل في البغال شيء؟ فقال : «لا» فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يَصِرْ على البغال؟ فقال : «لأنّ البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن، وليس على الخيل الذكور شيء» فقال، قلت : فما في الحمير؟ قال : «ليس فيها شيء» قال، قلت : هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شيء؟ فقال : «لا، ليس على ما يعلف شيء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مَرْجها والمَرْج : الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيها الدوابّ
عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شيء».
وفي آخر : عمّا في الرقيق، فقالا : «ليس في الرأس شيء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول»
والمراد بصاع التمر ما يخرج عنه في
زكاة الفطرة .
رياض المسائل، ج۵، ص۲۸-۳۳