الأنعام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي المال الراعية وتطلق على
الإبل والبقر والغنم.
الأنعام: جمعٌ مفرده نِعَم، وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع على
الإبل .
والنعم مذكّر، فيقال: هذا نعم وارد، والأنعام تذكّر وتؤنّث.
وقيل: تطلق الأنعام على الإبل والبقر والغنم، فإذا انفردت الإبل فهي نعم، وإن انفردت
البقر و
الغنم لم تسمَّ نِعَماً.
والأنعام عند الفقهاء هي: الإبل والبقر والغنم. وقد تسمّى بالأنعام الثلاثة.
وقيل: سمّيت نعماً لكثرة نعم اللَّه تعالى فيها على خلقه بالنموّ والولادة واللبن والصوف والوبر والشعر، وعموم
الانتفاع .
للأنعام- الإبل والبقر والغنم- أحكام عديدة ومختلفة
باختلاف الأبواب الفقهيّة التي تتعرّض لها ضمن مسائل، وسنتعرّض بصورة إجماليّة لأهمّ هذه الأحكام، تاركين التفصيل إلى محلّه من المصطلحات الاخرى.
من الواضح الحكم بطهارة لحوم الأنعام بعد
الإجماع - كما سيأتي- على جواز أكلها، وقد تعرّض الفقهاء لغير اللحوم منها أيضاً، وذلك كالتالي:
لا خلاف ولا
إشكال في طهارة ألبان الأنعام الثلاثة، حالها حال كلّ حيوان آخر غير ما نصّ على نجاسته كنجس العين، مثل الكلب والخنزير.
وكذا لا خلاف ولا إشكال في
طهارة أسآرها،
والمراد بالسؤر في المقام - من جهة الطهارة- هو مطلق المباشرة لجسم الحيوان بالفم وبغيره للماء القليل.
ب- طهارة جلودها وأصوافها وشعرها:
يحكم بطهارة جلود الأنعام وجواز استعمالها إذا كانت قد ذكّيت تذكية شرعيّة، واحرز تذكيتها ولو ببعض الأمارات الشرعيّة، دون الجهل بذلك.
أمّا الأجزاء التي لا تحلّها الحياة منها- كالشعر والصوف- فهي طاهرة، ولا تنجس حتى بالموت
اتّفاقاً بين الفقهاء.
ولا فرق في طهارة الشعر أو الصوف بين أخذه جزّاً ونحوه، أو قلعاً، أو نتفاً.
نعم، إن استصحب الشعر أو الصوف بعض اللحم ونحوه بالقلع فالظاهر وجوب غسل موضع
الاتّصال خاصّة، مع قلعها من الميتة.
وتفصيل ذلك في محلّه.
ج- طهارة أبوالها وأرواثها:
تقع الأنعام الثلاثة في عداد ما يؤكل لحمه، بل هي من أفضله، وعليه لا شيء من أبوالها وأرواثها بنجس عندنا.
قال
العلّامة الحلّي : «بول ما يؤكل لحمه ورجيعه طاهر عند علمائنا أجمع، وبه قال
مالك و
أحمد و
زفر و
الزهري ؛ لقوله عليه السلام: «ما اكل لحمه فلا بأس ببوله» ».
وقال
السيّد الخوئي : «أمّا البول والغائط من حلال اللحم فطاهر؛ للإجماع القطعي بين الأصحاب، ولموثّقة عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كلّ ما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه»،
وصحيحة
زرارة أنّهما عليهما السلام قالا: «لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه»».
نعم، وقع الخلاف بين الفقهاء في طهارة أبوال وأرواث غير الأنعام الثلاثة ممّا يؤكل لحمه، كالحمير والبغال والخيل، على تفصيل يأتي في محلّه.
د- طهارة الدم المتخلّف في ذبيحتها:
الدم المتخلّف في ذبيحة الأنعام طاهر، وهو كذلك في ذبيحة كلّ حيوان مأكول اللحم، بلا خلاف فيه،
بل ادّعي
الإجماع عليه،
وقد عمّم بعض الفقهاء الحكم، سواء كان الدم المتخلّف في عروق الحيوان، أو في تضاعيف اللحم، أو في غير ذلك، كالبطن والأحشاء، عدا الأجزاء المحرّمة كالطحال.
وقد ذكروا أنّه لابدّ من
الاقتصار في الحكم على المتيقّن منه، وهو المتخلّف بعد خروج تمام المعتاد ممّا يقذفه المذبوح.
كما أنّ المراد بالذبيحة في معقد الإجماعات مطلق المذكّاة تذكية شرعيّة، من غير فرق بين
الذبح والنحر وغيرهما.
وتفصيل ذلك في محلّه.
۲- حلّية أكل لحومها:
لا خلاف بين
المسلمين في حلّية
أكل لحوم الأنعام الثلاثة، بل إنّ لحومها تعتبر من أفضل لحوم
البهائم الإنسيّة المحلّلة شرعاً.
قال
المحقّق النجفي : «لا خلاف بين المسلمين في أنّه يؤكل من الإنسيّة منها (البهائم) جميع أصناف الإبل والبقر والغنم، بل هو من ضروري الدين».
نعم، ورد في بعض النصوص ما يستفاد منه كراهة البقر و
الجاموس :
منها: خبر
إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ألبان البقر دواء، وسمونها شفاء، ولحومها داء».
ومنها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال
أمير المؤمنين عليه السلام : لحوم البقر داء».
ومنها: رواية
عبد الحميد بن المفضّل السمّان : سألت عبداً صالحاً عن سمن الجواميس، فقال: «لا تشتره، ولا تبعه».
ونوقش في هذه الرواية بأنّه موافق لمذهب الواقفية؛ لأنّهم يعتقدون أنّ لحم الجواميس حرام فأجروا السمن مجراه.
قال
الشيخ الطوسي بهذا الشأن: «وذلك
باطل عندنا لا يلتفت إليه»،
خصوصاً مع ما ورد في
إباحة لحومها ولبنها وسمنها.هذا، وقد ذهب
الحلبي إلى كراهة الإبل والجواميس.
وتفصيله في محلّه.
۳- اختصاص الهدي والاضحيّة والعقيقة بها:
اتّفق الفقهاء على أنّ
الهدي في الحجّ لابدّ أن يكون من النعم- الإبل والبقر والغنم- بل ادّعي الإجماع عليه.
قال المحقّق النجفي في تحديد جنس الهدي: «ويجب أن يكون من النعم: الإبل والبقر والغنم بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى ما يحكى عن المفسّرين في قوله تعالى: «لِيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ»
من أنّها الثلاثة المزبورة، وإلى صحيح زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام في المتمتّع قال: «وعليه الهدي»، قلت: وما الهدي؟ فقال: «أفضله
بدنة ، وأوسطه بقرة، وأخسّه شاة»،
وغيره من النصوص، وكونه المعهود والمأثور من فعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم و
الأئمّة عليهم السلام والصحابة والتابعين، بل هو كالضروري بين المسلمين».
وكذا الحكم في
الاضحيّة ، حيث أفتى الفقهاء باختصاصها بالنعم.
قال الشيخ الطوسي: «والاضحيّة تختصّ بالنعم: الإبل والبقر والغنم، ولا يجوز في غيرها بلا خلاف».
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّه لابدّ أن تكون
العقيقة من الأنعام أيضاً.
وللأنعام التي تجعل هدياً أو اضحيّة أو عقيقةً أحكام خاصّة تراجع في محلّها.
۴- وجوب الزكاة فيها:
تتعلّق الزكاة الواجبة بالأنعام الثلاثة، بلا خلاف بين المسلمين،
بل عدّ ذلك من ضروريّات الدين، وقد نطقت به جملة وافرة من النصوص التي ادّعي تواترها،
أو على الأقلّ
استفاضتها وتظافرها.
وقد تعرّض الفقهاء في أبواب الزكاة إلى أحكام زكاتها والشرائط المعتبرة في الأنعام لوجوب الزكاة فيها، وإلى نصاب كلّ جنس منها ومقدار ما يعطى بإزائه من صدقة وغيرها.وتفصيل ذلك كلّه في محلّه.
۵- جواز ذبحها في الحلّ والحرم:
تختصّ الأنعام بجواز ذبحها وأكلها في الحلّ والحرم رغم ثبوت تحريم قتل كثير من الحيوانات في الحرم أو على المحرم.
وكذا لا كفّارة ولا حرمة على المحرم في ذبح النعم وأكلها إجماعاً أو ضرورة، ولا خلاف في ذلك ولو توحّشت.
والتفصيل في محلّه.
۶- تذكية الأنعام:
التذكية الشرعيّة التي قرّرها
الشارع الأقدس لما يؤكل لحمه هو الذبح، أي قطع
الأوداج الأربعة، وتختصّ الإبل بالنحر دون غيرها.
ويظهر من مجموع النصوص المتفرّقة
المفروغيّة من هذا الحكم عندهم عليهم السلام؛ ولذا قال المشهور بعدم جواز الذبح للإبل والنحر لغيرها.
قال
السيّد ابن زهرة : «النحر في الإبل والذبح فيما عداها هو السنّة بلا خلاف، ولا يجوز في الإبل الذبح وفيما عداها النحر، فإن ذبح الإبل مع القدرة و
التمكين من نحرها أو نحر ما عداها فكذلك، لم يحلّ الأكل بدليل إجماع الطائفة».
وتوقّف البعض في هذا
الاختصاص ؛
لما قيل من عدم قيام دليل صالح للفرق بين الإبل وغيرها في الاختصاص بالنحر والذبح، فإنّ ما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام : «كلّ منحور مذبوح حرام، وكلّ مذبوح منحور حرام»
مرسل.
ونوقش بأنّ
المرسل منجبر بعمل الأصحاب، وهو دال على عدم جواز الذبح للمنحور وبالعكس، ولا ريب في وقوع النحر على الإبل، كما تقتضيه النصوص الواردة في كيفيّة نحرها،
فلا يشرع فيها الذبح حينئذٍ.
ويأتي تفصيل ذلك في محلّه.
۷- نعم الصدقة وأحكامها:
ذكر الفقهاء لنعم
الصدقة بعض الأحكام المختصّة بها، وهي متفرّقة في أبواب مختلفة من
الفقه ، ومنها:
أ- استحباب وسم نعم الصدقة:
يستحبّ عند علمائنا وأكثر الجمهور أن توسم نعم الصدقة في أقوى موضع منها وأكشفه، كاصول الآذان في الغنم وأفخاذ الإبل والبقر،
وادّعي عليه إجماع الصحابة؛
لرواية ذلك عن النبي صلى الله عليه و
آله وسلم،
مضافاً إلى ما فيه من
التمييز عن غيرها، فيعرفها به من يجدها لو شردت فيردّها، وغيره من الفوائد.
ب- شراء ما يأخذه السلطان من نعم الصدقة:
من المسائل التي وقعت معرض البحث عند الفقهاء هو شراء المؤمنين ممّا يجبيه
السلطان من
الخراج و
الزكاة وغيرهما من الأموال التي بأيدي الناس. وقد أفتى المشهور بجواز شرائه منه وقبول هبته، ونحو ذلك ممّا يقع على المال المملوك حقيقة.
وقد ذكر
المحقّق الكركي أنّ على جواز
الأخذ منه والشراء إجماع فقهاء
الإماميّة ، والأخبار المتواترة عن أئمّة الهدى.
ومن ضمن هذه الأموال نِعَم الصدقة التي يأخذها السلطان باسم الزكاة، وظاهر الفقهاء أنّ حكمها حكم الخراج الذي يأخذه السلطان، فيجوز أن يأخذ المؤمنون منه ويجوز شراؤه.
قال المحقّق النجفي: «وأمّا ما يأخذه من الأنعام وغيرها من الأموال الظاهرة التي لا يمكن سترها على حكّام الجور باسم الزكاة فظاهر الأصحاب- بل هو من معقد إجماعاتهم- أنّ حكمه حكم الخراج، فيجوز حينئذٍ
ابتياعه وقبول هبته، وغير ذلك من التصرّفات فيه... ولا يجب
إعادته على أربابه وإن عرف بعينه».
ثمّ ذكر بعد ذلك
اشتراط الشهيد الثاني في جواز الأخذ والتصرّف فيه، أن لا يأخذ الجائر زيادة عن الواجب شرعاً في مذهبه، وأن يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم، بحيث لا يعدّ عندهم عاصياً، ثمّ ناقش هذا التقييد بأنّ النصوص والفتاوى مطلقة.
وتفصيل ذلك يراجع في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۲۶۵-۲۷۱.