ما يدخل في المبيع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الثاني : فيما يدخل في المبيع) عند إطلاق لفظه.
ذكر جماعة من الأصحاب كالفاضلين والشهيدين وغيرهم
من غير خلاف يعرف أنّ الضابط أنّه يراعى فيه اللغة والعرف العام أو الخاص. وزاد شيخنا
الشهيد الثاني فقال : وكذا يراعى الشرع بطريق أولى، بل هو مقدّم عليهما، وقال : ثم إن اتّفقت، وإلاّ قُدّم الشرعي، ثم العرفي، ثم اللغوي.واعترضه وحيد عصره وزمانه وفريد دهره وأوانه خالي العلاّمة أدام الله تعالى بقاءه
هو الوحيد البهبهاني ولم نجد
الاعتراض في كتبه الموجودة لدينا.
بأنّ البائع ما باع إلاّ ما هو مقصوده والمشتري ما اشترى إلاّ كذلك، ومقصودهما من المطلق ليس إلاّ ما هو باصطلاحهما، بل لو صرف إلى اصطلاح الشارع يلزم
بطلان العقد من جهة أُخرى، وهو مجهولية المبيع حال العقد، نعم إذا عرفا اصطلاح الشارع وأوقعا العقد عليه يكون هو المرجع، لكن لا من جهة تقديمه على اصطلاحهما، بل من جهة تعيينهما، كما إذا أوقعاه على اصطلاح طائفة أُخرى. انتهى.وهو وإن اختصّ بالاعتراض عليه في تقديمه
الحقيقة الشرعية على العرف واللغة، إلاّ أنّه ينسحب في تقديمهما على عرف المتبايعين.
ولعلّه لهذا عدل بعض متأخّرين الأصحاب عن تلك الضابطة إلى أُخرى، وهي الرجوع إلى العرف العام، وأنّه لو اختصّ أهل بلد أو قرية بعرف خاص ظاهر شائع بينهم حمل كلامهم في بلدهم على ذلك، وهذا أمر يختلف بحسب البلاد المختلفة في الأزمان المختلفة.
وهي في غاية الجودة إلاّ أنّ الذي يخطر بالفهم العليل والفكر الكليل عدم الخلاف في ذلك من الجماعة، وأنّ الظاهر أنّ مرادهم من تلك الضابطة إنّما هو حيث لا يعرف للمتبايعين حقيقة عرفية واختلفوا في المبيع، أو لم يمكن الرجوع إليهما في معرفتها بموت ونحوه، فالضابط حينئذ ما ذكروه، وإلاّ فمع معلوميّة عرفهما لا يمكن الرجوع إلى غيره، وعدم
إرادتهم انسحاب تلك الضابطة إلى هذه الصورة مما يقطع بتعيّنه.
ووجه الضابطة في غيرها ظاهر إلاّ في تقديم الحقيقة الشرعية حيث علمت على العرفية واللغوية إن اختلفت، فإنّ الظاهر بل المقطوع به عدم إرادة المتبايعين غالباً إيّاها، بل إنّما أرادا أحد
الأمرين البتة، ولعلّه لهذا لم يذكرها عدا الشهيد الثاني في المسالك والروضة.
وأمّا ما ربما يستأنس به له، ممّا ورد في المعتبرة في النذر والوقف والوصية من الرجوع في الألفاظ إلى المعاني الشرعية المستعملة فيها تلك الألفاظ في الكتاب والسنة، فمع أنّها مختصّة بموارد مخصوصة، ومع ذلك ليست بأجمعها متّفقاً عليها بين الطائفة، والتعدية من دون دلالة حرام البتّة، محلّ مناقشة؛ فإنّها وردت في الألفاظ الخاصّة التي لا يعلم لها معانٍ معينة في
العرف واللغة، بل تكون مجملة أو مبهمة، فالتعدية إلى نحو المسألة ممّا تعرف فيه تلك المعاني فيهما مشخّصة غير واضحة.ومما ذكرنا تحقق أنّ الضابطة الرجوع إلى عرف المتبايعين إن عُلِمَ، وإلاّ فإلى العرف العامّ إن كان، وإلاّ فإلى اللغة، فتأمّل.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ (من باع أرضاً) مقتصراً على لفظها (لم يدخل نخلها ولا شجرها) بلا خلاف، كما في التنقيح؛
وهو الحجة بعد
الأصل وعدم المخرج عنه من اللفظ الدال عليه بإحدى الدلالات الثلاث في اللغة والعرف.(إلاّ أن يشترط) الدخول، فيدخل
إجماعاً ؛ عملاً بمقتضى الشرط. أو يقول : بحقوقها، فكذلك عند الشيخ والقاضي وابن حمزة وابن زهرة والحلّي؛
بناءً على توهّم شمول الحقوق لهما. وفيه منع.
(و) التفاتاً إلى ما (في رواية) صحيحة من قوله عليه السلام في رجل اشترى أرضاً بحدودها الأربعة وفيها زرع ونحل، وغيرهما من الشجر، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه، وذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة والخارجة فيها، أيدخل النخل والأشجار والزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقّع عليه السلام : «(إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أُغلق عليه بابها فله جميع ما فيها) إن شاء الله تعالى».
وهي مع أنّها مكاتبة غير صالحة للخروج عمّا اقتضته الحجّة المتقدّمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخّرة غير واضحة الدلالة، بل هي على خلافه واضحة المقالة، من حيث تعليق الدخول فيها على ذكر ما أُغلق عليه بابها، الدالّ بمفهومه على عدمه مع عدم ذكره، والمنطوق لا خلاف فيه، كما في التنقيح؛
وهو الحجة، مضافاً إلى شهادة العرف بالدخول مع ذكره.ومنها بمعونة ما ذكرنا يظهر الوجه في عدم دخول الزرع في بيع الأرض مطلقاً، كان مجزوراً أم لا، وهو أشهر وأقوى. خلافاً للمبسوط في الثاني إذا كان ظاهراً، فالجزّة الأُولى للبائع والباقي للمشتري.
(ولو ابتاع داراً دخل) في مفهومها العرصة، والحيطان، والأبواب، والأغلاق المنصوبة، والأخشاب المستدخلة، والسلّم المثبت والمفتاح على قول، والبيت (الأعلى والأسفل)
لاقتضاء العرف ذلك كلّه، (إلاّ أنّ) يتغير أو (تشهد العادة للأعلى بالانفراد) كما في بعض البلاد، فتخرج حينئذٍ، وعليه يحمل ظاهر
إطلاق المكاتبة الصحيحة : في رجل اشترى من رجل بيتاً في دار له بجميع حقوقه وفوقه بيت آخر، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقّع عليه السلام : «ليس له إلاّ ما اشتراه باسمه وموضعه إن شاء الله»
الحديث. وذيله قريب من صدره، مع أنّها في البيت لا في الدار.
(ولو باع نخلاً مؤبّراً) بتشقيق طلع الإناث وذرّ طلع الذكور فيه ليجيء ثمره أصلح (فالثمرة للبائع) على الأظهر الأشهر بين الطائفة؛ للنصوص المعتبرة، في اثنين منها : «من باع نخلاً قد لقّح» كما في أحدهما، أو «أُبِرّ» كما في الثاني «فالثمرة للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع».
وفي الثالث : «إنّ ثمرة النخل للذي أبرّها، إلاّ أن يشترط المبتاع».
خلافاً لابن حمزة، فجعلها للمبتاع مع عدم بدوّ الصلاح.
وهو شاذّ، ومستنده مع ذلك غير واضح، والإجماعات المستفيضة على خلافه محكيّة، فهو ضعيف غايته.(إلاّ أن يشترط) كونها للمتاع، فيدخل كما قاله، بل مطلقاً ولو بدا الصلاح، بلا خلاف، عملاً بصريح تلك المعتبرة، والتفاتاً إلى مقتضى الشرطيّة.
ومقتضى الأصل،
واختصاص الانتقال إلى المبتاع مع عدم التأبير في الحجج السابقة بصورة البيع خاصّة صريحاً في بعض وظهوراً في آخر : عدمه فيما عداها من صور وجوه الانتقالات،
كالإرث والوقف والهبة وغيرها من الأُمور الناقلة، إلاّ أن يقتضي عرف الناقل الدخول، فيدخل البتة، وبما ذكرناه صرّح جماعة مدّعياً بعضهم الإجماع عليه.
خلافاً للمبسوط والقاضي فعمّماه إلى الصور المزبورة.
ولا دليل لهما سوى القياس
بالبيع ، كما صرّح به في السرائر،
وهو كما ترى.
(وكذا لو باع شجرة مثمرة) فيها ثمرتها لم تدخل في مفهومها مطلقاً، بلا خلاف هنا كما يفهم عن بعض أصحابنا،
إلاّ أنّ المحكي عن الشيخين المتقدّمين المخالفة في نحو القطن بعد خروج جوزقه-جَوْزَقٌ : فَوْعَل استعمله الفقهاء في كِمام القطن.
وقبل التشقّق، وفي الورد قبل تفتّحه، فحكما بالدخول حينئذٍ.
ويمنعهما الأصل الذي قدّمناه؛ لعدم دخول الثمرتين في مفهوم الأصل مطلقاً.
ومنه يظهر الوجه في قوله : (أو) باع (دابّة حاملاً) لم يدخل فيها حملها (على الأظهر) الأقوى، وعليه أكثر أصحابنا، وفاقاً للنهاية والمقنعة والقاضي والحلبي والديلمي وابن زهرة والحلّي
لم نعثر عليه في الغنية حكاه عنه في التنقيح،،
مدّعياً الإجماع عليه.خلافاً للمبسوط والقاضي في المهذب، والجواهر
لم نعثر عليه في المهذب حكاه عنه في المختلف،
فيدخل.
ومستندهما غير واضح عدا دعواهما كونه كالجزء. وفيه منع، ولذا يصحّ الوصية له وبه وكذلك
الإقرار ، دون الجزء؛ إذا لا يصحّ شيء من ذلك فيه. فالخروج عن مقتضى الأصل القطعي المعتضد بالشهرة العظيمة به مجازفة.نعم ربما يستأنس له ببعض المعتبرة في عتق
الأمة : عن رجل أعتق أمة وهي حبلى، فاستثنى ما في بطنها، قال : «الأمة حرّة، وما في بطنها
[۴۳] أثبتناه من المصادر. لأنّ ما في بطنها منها».
لكنه قاصر السند، غير معمول عليه عند الأكثر، معارض بأجود منه من المعتبرة المعتضدة بالشهرة في محلّها وفي المسألة، كالموثق : عن امرأة دبّرت جارية لها، فولدت الجارية جارية نفيسة، فلم تدر المرأة حال المولود هي مدبّرة أو غير مدبّرة، فقال : «متى كان الحمل بالمدبّرة؟ أقبل ما دبّرت أم بعد؟» فقلت : لست أدري، ولكن
أجبني فيهما جميعاً، فقال : «إن كانت المرأة دبّرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبّرة، والولد رقّ، وإن كان إنّما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبّر في تدبير امّه، لأنّ الحمل إنّما حدث بعد التدبير»
.
وفي الحسن : عن رجل دبّر جارية وهي حبلى، فقال : «إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، وإن كان لا يعلم فما في بطنها رقّ».
وعلى الدخول فهل يجوز
الاستثناء للبائع؟ قولان؛ للعدم كما عمّن تقدم أنّه كالجزء، فكما لا يجوز استثناؤه فكذلك شبهه. وللجواز كما عن
الإسكافي وابن حمزة
الأصل، ومنع المشابهة. ولا يخلو عن قوّة. وعلى المختار جاز اشتراط الدخول بلا خلاف، كما قيل وقال الأردبيلي في مجمع الفائدة: ومع التقييد بكونه للمشتري يصحّ البيع ويكون
الولد للمشتري بلا نزاع.
للأصل،
واندفاع الجهالة بالضميمة.
ولا فرق في الاشتراط بين أن يقول : بعتك الجارية وحملها أو شرطت لك حملها، أو بعتك هذه الأمة بكذا وحملها، بلا خلاف، فيما عدا الصورة الأُولى، وعلى قول جماعة
فيها أيضاً؛ لقاعدة الضميمة. خلافاً للتذكرة
فيبطل؛ للجهالة.
(ولو لم تؤبّر النخلة فالطلع للمشتري) بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة، كشيخنا في الخلاف، والعلاّمة في المختلف والتذكرة، وظاهر الماتن في الشرائع، والفاضلين المقداد
والصيمري في شرحيهما على الكتاب والكتاب المتقدّم؛ وهو الحجة، مضافاً إلى مفهوم القيد الذي هو حجّة في أكثر المعتبرة المتقدّمة .وبهما يخصّ الأصل الدالّ على
استصحاب كونه للبائع، بناءً على عدم دخوله في مفهوم النخل لغة، بل وعرفاً، لكن مع تأمّل فيه على إطلاقه.
رياض المسائل، ج۸، ص۳۴۶-۳۵۴.