ما يعتبر في المؤذن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(والنظر) هنا يقع (في) أمور أربعة (المؤذّن، وما يؤذّن له، وكيفية الأذان، ولواحقه).
(أما المؤذّن فيعتبر فيه) لصحة أذانه و
الاعتداد به (العقل) حال الأذان، (و) كذا (
الإسلام ) إجماعا، على الظاهر، المصرّح به في المعتبر والتذكرة والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني و
الذكرى وروض الجنان،
لكن في الأخير خاصّة. -أي : ادّعى
الإجماع في روض الجنان على اعتبار الإسلام خاصة.-وهو الحجة، مضافا إلى الموثقة الآتية.
وأنه عبادة توقيفية يجب
الاقتصار فيها على المتيقن ثبوته من الشريعة، وليس إلاّ إذا كان المؤذّن متّصفا بهذين الوصفين.
ولأنه أمين وضامن، كما في النصوص من طرق الخاصة والعامة، منها : «المؤذّن مؤتمن، و
الإمام ضامن»
ومنها في المؤذّنين : «إنهم الامناء».
والكافر و
المجنون لا أمانة لهما، مع كون عبارة الأخير مسلوبة العبرة، فكأنه ما صدر منه أذان أصلا. وفي حكمه الصبي الغير المميز.
وفي اشتراط
الإيمان قولان، ظاهر الأكثر لا، للنصوص الظاهرة في جواز
الاعتماد على أذان هؤلاء، منها الصحيح : «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت».
وفي الخبر : «إذا نقص المؤذّن الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه».
والأصح اشتراطه، وفاقا لجماعة،
لما مر من القاعدة، و
لبطلان عبادة المخالف، كما في النصوص الكثيرة،
وخصوص النبوي : «يؤذّن لكم خياركم»
خرج منه المجمع على جوازه، فبقي الباقي.
وللموثق : عن الأذان، هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال : «لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته، ولا يقتدى به».
والمراد بالعارف الإمامي، كما يستفاد من تتبّع النصوص. وفي الصحيح : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه، وقد بقي على الإمام آية أو آيتان، فخشي إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله، وليدخل في الصلاة».
وفي الخبر : «أذّن خلف من قرأت خلفه».
ولا يعارضها الخبران السابقان،
وإن صحّ أوّلهما، وانجبر بالشهرة ثانيهما، لقصور دلالتهما، فالأوّل باحتمال أن يكون المراد جواز
الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت، حيث لا يمكن العلم بدخوله، بناء على حصول الظن منه به، لا ترك الأذان بسماع أذانه، فتأمّل. والثاني باحتمال
اختصاص المؤذّن فيه بالمؤمن المنقص لبعض الفصول سهوا لا مطلقا.
(ولا يعتبر فيه
البلوغ ) ولا الحرية (فالصبي) المميز يجوز أن (يؤذّن و) كذا (العبد) إجماعا، على الظاهر، المصرّح به في المنتهى و
التذكرة فيهما معا،
وفي الخلاف والمعتبر والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني في الأوّل خاصّة.
وهو الحجة، مضافا إلى العموم في الأخير، مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز إمامته،
كما يأتي إن شاء الله تعالى، وخصوص المعتبرة المستفيضة في الأول، وفيها الصحيح وغيره : «لا بأس أن يؤذن الذي لم يحتلم».
وبها ـ مضافا إلى الإجماع ـ يخصّ ما دلّ على اعتبار
أمانة المؤذّن، وحديث : «يؤذّن لكم خياركم».
(و) يشترط المذكورة أيضا في الاعتداد عند الأكثر، إلا أن (تؤذّن
المرأة للنساء) أو المحارم (خاصة) لظاهر الموثق السابق : «لا يؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف»
وإن لم يبق على عمومه، لجواز أذان الصبي، وأذانها لهنّ وللمحارم إذا لم يسمعها الأجانب، فإن العام المخصّص حجّة في الباقي. قيل : ولأنها إن أسرّت لم يسمعوا، ولا اعتداد بما لا يسمع، وإن جهرت كان أذانا منهيا عنه، فيفسد للنهي، فكيف يعتدّ به.
ويضعف ـ بعد
تسليم النهي ـ بأنه عن كيفيته، وهو لا يقتضي فساده. وأيضا : فلا يتمّ فيما إذا جهرت وهي لا تعلم بسماع الأجانب، فاتفق أن سمعوه. وأيضا : فاشتراط السماع في الاعتداد ممنوع، وإلاّ لم يكره للجماعة الثانية ما لم تتفرق الاولى، كذا قيل.
وفي جميعه نظر، ما عدا الوجه الثاني، فإنه حسن، إلاّ أنه يحتمل خروج ما فرض فيه عن محلّ النزاع. خلافا للمبسوط، فأطلق اعتداد الرجال بأذانها.
قيل : إن أراد الاعتداد مع
الإسرار فهو بعيد، لأن المقصود بالأذان
الإبلاغ ، وعليه دلّ قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «القه على بلال، فإنه أندى-أي أرفع وأعلى، وقيل : أحسن وأعذب، وقيل : أبعد.-
منك صوتا».
وإن أراد مع الجهر فأبعد، للنهي عن سماع صوت الأجنبية، إلاّ أن يقال : إنه ـ من قبيل الأذكار وتلاوة
القرآن ـ مستثنى، كما استثني
الاستفتاء من الرجال، وتعلّمهن منهم والمحاورات الضرورية.
والأجود في الجواب : عدم دليل على جواز الاعتداد بأذانها، لاختصاص ما دلّ على جواز الاعتداد بأذان الغير بحكم التبادر وغيره بغير أذانها، فيكون بالأصل مدفوعا، مضافا إلى ما قدّمناه للمشهور دليلا من الموثقة وغيرها.
(ويستحب أن يكون عدلا) بلا خلاف إلاّ من
الإسكافي ،
فأوجبه. وهو شاذّ، بل على خلافه الإجماع في صريح المنتهى وظاهر
المحقق الثاني والشهيد في الذكرى.
وهو الحجة عليه، مضافا إلى النصوص المتقدمة في الصبي،
لعدم تعقل اتصافه بالعدالة بناء على أنها من أوصاف المكلفين. قيل : ويحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت.
وعليه فلا خلاف.
(صيّتا) شديد الصوت كما عن جماعة من اللغويين،
لما مرّ من قوله صلي الله عليه و آله وسلم: «القه على بلال، فإنه أندى منك صوتا».
ولغيره من النصوص، وفيها الصحيح وغيره.
ولأن إبلاغه أبلغ، والمنتفعين بصوته أكثر. مبصرا، ليتمكن من معرفة الوقت.
(بصيرا بالأوقات) التي يؤذّن لها. ولا خلاف في جواز أذان غيرهما، فإن
ابن أمّ مكتوم كان يؤذّن لرسول الله صلي الله عليه و آله وسلم،
والجاهل بالأوقات ليس أسوأ حالا من
الأعمى ، لكنهما إنما يجوز لهما أن يؤذّنا إذا سدّدا، ولا يعتمد على أذانهما في دخول الوقت. نعم، إذا علم الوقت وأذنّا اكتفي بأذانهما، للأصل، والعمومات.
(متطهرا) من الحدثين، إجماعا، على الظاهر، المصرّح به في
المعتبر والمنتهى والتذكرة،
وغيرها.
وهو الحجّة، مضافا إلى النبوي المشهور : «حقّ وسنّة أن لا يؤذّن أحد إلاّ وهو طاهر».
وظاهره عدم الوجوب، كما في المعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها.
وفيها الدلالة على لزومه في
الإقامة ، كما عليه جماعة،
لسلامتها عن المعارض بالكلية، عدا
الأصل ، ويجب تخصيصه بها، فما عليه الأكثر من
الاستحباب فيها أيضا غير ظاهر الوجه.
(قائما) إجماعا، كما في الكتب المتقدمة، و
نهاية الإحكام للعلاّمة،
وللنص المحمول على الاستحباب،
للمعتبرة المستفيضة بجواز الترك، وفيها أيضا الصحاح وغيرها.
وظاهرها اللزوم في الإقامة أيضا، كما هو ظاهر
المفيد والنهاية،
وتبعهما جماعة.
خلافا للأكثر، فكما مر. نعم في بعض الأخبار الرخصة في الإقامة وهو ماش إلى الصلاة،
وعن
المقنع : وإن كنت إماما فلا تؤذّن إلاّ من قيام.
ويستحب قيامه (على) موضع (مرتفع) بلا خلاف إلاّ من
المبسوط ، فقال : لا فرق بين أن يكون الأذان في
المنارة أو على
الأرض .
والظاهر أن مراده المساواة في
الإجزاء أو الاستحباب، وإلاّ فإنه قال : ويستحب أن يكون المؤذّن على موضع مرتفع.
وكيف كان فهو على تقدير المخالفة شاذ بل على خلافه في التذكرة ونهاية الإحكام الإجماع.
وهو الحجة، مضافا إلى الخبر ـ بل هو في
المحاسن صحيح، كما قيل
ـ عن
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم : «أنه كان يقول إذا دخل الوقت : يا بلال، اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان».
مع أنه أبلغ في الإبلاغ المقصود من شرعيته.
(مستقبل
القبلة ) إجماعا، محققا ومحكيا.
والكلام في وجوبه في الإقامة وعدمه كما تقدم في سابقة فتوى ودليلا. ويتأكّد في الشهادتين، للصحيح : عن الرجل يؤذّن وهو يمشي، قال : «نعم، إذا كان في التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس».
(رافعا) به (صوته) للصحاح المستفيضة، منها ـ زيادة على ما مر ـ : عن الأذان، فقال : «اجهر بصوتك، وإذا أقمت فدون ذلك».
ومنها : «كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، وكان أجرك في ذلك أعظم».
ومنها : «إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك، فإن الله تعالى يأجرك مدّ صوتك فيه».
(وتسرّ به المرأة) عن الأجانب، لأن صوتها عورة، يجب سترة أو يستحب.
وظاهر العبارة استحباب السرّ أو وجوبه مطلقا، -أي : ولو عن المحارم.-ولا وجه له على التقدير الأخير. ولا بأس به على الأول، لأنه أنسب بالحياء المطلوب منها، كما يرشد إليه من النصوص ما مرّ في استحباب أن لا تحضر المساجد، وأن صلاتها في بيتها أفضل منها فيه.
(ويكره
الالتفات به يمينا وشمالا) لمنافاته
الاستقبال المأمور به، كما مضى، خلافا لبعض العامة العمياء.
رياض المسائل، ج۳، ص۵۲- ۶۰.