ميراث الخنثى المشكل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الذي يتعذّر معرفة أنّه ذكر أو انثى، إمّا لأجل أن يتساوى خروج البول من الموضعين في البدء والختام، أو لتعارض العلامات المرجّحة لأحد الاحتمالين، كاجتماع
الاحتلام والحيض، أو اللحية والثدي فيها.
وإنّما سمّي مشكلًا لصعوبة تعيين تكاليفها من الناحية الفقهيّة- بعد فرض عدم وجود صنف ثالث غير الذكر والانثى- ولكثرة ما يحمّلها الفقهاء من
الاحتياط بحيث تكون ذات مشكلة حتى على نفسها.
وهل يتصوّر أن يكون أباً أو امّاً أو جدّاً أو جدّة، أو زوجاً أو زوجة؟ استبعد الفقهاء تصور ذلك؛ لأنّه بذلك يعرف حاله فلا يكون مشكلًا.
نعم، في رواية عن شريح في
امرأة أنّها ولدت وأولدت،
وعليه يتصوّر فيها كونها أباً خنثى وجدّاً كذلك مع فرض عدم العلامة المشخّصة.
بل قال الشيخ في
المبسوط : «ويتقدّر (في الخنثى) أن يكون زوجاً أو زوجة على ما روي في بعض الأخبار، فإن كان زوجاً كان له نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة».
ومراده رواية
شريح ، ومرجعه إلى جواز كونها أباً وامّاً.
لكن نوقش فيه بعدم جواز نكاح
الخنثى المشكل .
وكيف كان فبناءً على عدم تصوّر ذلك وحصوله يكون ميراثه منحصراً في البنوّة والاخوّة والعمومة والخؤولة والولاء.
وأمّا طريق توريثه فذكر الفقهاء له عدّة طرق، وهي:
بأن يقترع عن كونها ذكراً أو انثى، فإن خرج على أنّها ذكر اعطي سهم الذكر، وإن خرج على أنّها انثى اعطي سهم الانثى، وهذا ما عمل عليه
الشيخ الطوسي في الخلاف، وادّعى عليه
الإجماع ودلالة الأخبار
- وهي عمومات القرعة
المتضمّنة للقرعة في كلّ ما يشتبه أمره حتى يتبيّن، والخنثى المشكل ممّا اشتبه أمره فيكون داخلًا في العموم-:
منها: رواية
محمّد بن حكيم ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء؟ فقال لي: «كلّ مجهول ففيه القرعة».
ومنها: قول
الإمام الصادق عليه السلام : «ما تنازع قوم ففوّضوا أمرهم إلى اللَّه عزّ وجلّ، إلّا خرج سهم المحقّ»، وقال: «أيّ قضيّة أعدل من القرعة... ؟».
ومضافاً إلى ذلك، يدلّ عليه ما ورد في خصوص فاقد الفرجين: أنّه يتعيّن ميراثه بالقرعة، فإنّ أمره مشكل أيضاً مثل الخنثى،
فقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن مولود ولد وليس بذكر ولا انثى وليس له إلّا دبر كيف يورّث؟ قال: «... يجيل السهام على أيّ ميراث يورّثه ميراث الذّكر أو ميراث الانثى، فأيّ ذلك خرج ورّثه عليه».
بأن يعدّ أضلاعها من الجانبين، فإن اختلف عدد الأضلاع في أحد الجانبين عن الآخر فهو ذكر ويرث ميراث الذكر، وإن تساوت الأضلاع فهي انثى وترث ميراث الانثى.
هذا ما ذهب إليه
الإسكافي و
الشيخ المفيد و
السيد المرتضى و
ابن إدريس .
والدليل عليه ما ورد من الأخبار في ذلك، كصحيحة
محمّد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام في قضيّة حكم
أمير المؤمنين عليه السلام في الخنثى من أنّه أمَرَ
بإحضار دينار الخصيّ، وأمره أن يُدخل الخنثى بيتاً ليعدّ أضلاعها، فعدّ دينار أضلاعها «فكان أضلاعها سبعة عشر، تسعة في اليمين وثمانية في اليسار، فألبسها علي عليه السلام ثياب الرجال».
أن يعطى الخنثى نصف حصّة الذكر ونصف حصّة الانثى، فيعطى الخنثى نصيب امرأة ونصف،
وإليه ذهب مشهور الفقهاء كما قال
المحقّق النجفي - معلّقاً على قول المحقّق: (وقال الشيخ في
النهاية و
الإيجاز و
المبسوط : يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة) -: «كما هو المحكي عن المفيد رحمه الله والصدوقين وسلّار وابني حمزة وزهرة والمحقّق الطوسي والآبي والعلّامة وولده وابن اخته والشهيدين وأبي العبّاس و
الصيمري والمقداد وغيرهم، بل هو المشهور نقلًا وتحصيلًا، بل عن الغنية الإجماع عليه».
ويدلّ عليه عدّة روايات:
منها: رواية
هشام بن سالم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال وميراث النساء»،
بحملها على ذلك؛ إذ لو لم تحمل عليه فلا محمل لها غير ذلك، إلّا أن يراد
إعطاء مجموع الميراثين وهو ممتنع
باتّفاق الامّة أن لا تعطى نفس واحدة ميراث نفسين، فيتعيّن الحمل على ما ذهب إليه المشهور.
ومنها: رواية
إسحاق بن عمّار عن
جعفر ابن محمّد عن أبيه عليهما السلام: «أنّ
عليّاً عليه السلام كان يقول: الخنثى يورّث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه، فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل».
ومنها: رواية
أبي البختري عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ
علي بن أبي طالب عليه السلام قضى في الخنثى الذي يخلق له ذكر وفرج... فإن لم يبل من واحد منهما حتى يموت، فنصف ميراث المرأة ونصف ميراث الرجل».
وهل يتعيّن إحدى هذه الطرق؟ يظهر من المحقّق النجفي تعيين الطريق الثاني لو فرض تحقّقه وإلّا فيتخيّر بين القرعة وإعطاء نصف سهم الرجل ونصف سهم المرأة، قال: «لا ينبغي التأمّل في اعتبارها مع فرض تحقّقها، وإلّا فنصف النصيبين أو القرعة على
اختلاف القولين اللذين يمكن الجمع بين دليليهما بالتخيير إن لم يقم
إجماع على خلافه، ولم أتحقّقه».
ولكن هذا خلاف صريح الطائفة الثالثة من الروايات المتقدّمة وليس في قبالها إلّا إطلاقات ما دلّ على أنّ القرعة لكلّ
أمر مشكل، ومن الواضح أنّ مقتضى القاعدة عند التعارض بين
الإطلاق وما ورد في خصوص المقام إنّما هو التخصيص لا الحمل على التخيير.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۳۶۱- ۳۶۵.