نكاح الكتابية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعا؛ وفي
الكتابية قولان: أظهرهما: أنه لا يجوز غبطة؛ ويجوز
متعة، وبالملك في اليهودية والنصرانية؛ وفي المجوسية قولان، أشبههما:
الجواز، والاقوي المنع عن
العقد مطلقاً.
وفي جواز نكاح الكتابية ابتداءً اقوالٌ منتشرة:
ما بين محرِّم مطلقاً، كما عن
المرتضي والحلّي واحد قولي
الشيخين.
ومجوّز له كذلك، كما عن
الصدوقين والعماني.
ومفصّل تارةً بالدوام فالاول،
ومتعة وملك يمين فالثاني، كما عن
ابي الصلاح وسلاّر واكثر المتاخّرين.
واُخري بالاختيار فالتحريم، والاضطرار فالجواز امّا في العقدين، وامّا ملك اليمين فالجواز مطلقاً، كما عن
الاسكافي.
وامّا في الدوام خاصّة، وامّا المتعة فالجواز مطلقاً، كما عن
النهاية وابن حمزة والقاضي.
ولكن المشهور منها قولان: الاول، والثالث وهو اشهرهما ومختار المصنّف؛ لقوله اظهرهما: انّه لا يجوز غبطةً اي دواماً مطلقاً، حتي في المجوسية ويجوز متعةً وبالملك في اليهودية والنصرانية خاصّة مطلقاً في الجانبين.
امّا الاول: فللاجماع عليه عن المرتضي
والغنية صريحاً، وسلاّر
والتبيان ومجمع البيان والسرائر ظاهراً.
واستلزام الزوجية المودّة بنصّ
الآية.
وشهادة العادة، وهي منهي عنها في
الشريعة.
وخصوص الآيات المانعة عن التمسّك بعِصَم الكوافر.
ونكاح المشركات
، الشاملتين للمقام بالعموم، وتفسير اهل الخصوص صلوات الله عليهم.
ففي
الصحيح: عن قول
الله عزّ وجلّ (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ اُوتُوا الْكتابَ مِنْ قَبْلِكمْ).
فقال: «هذه منسوخة بقوله (وَلا تُمْسِكوا بِعِصَمِ الْكوافِرِ).
ونحوه في تحقّق النَّسخ الخبر المروي في
تفسير العياشي.
وفي الخبر المعتبر بوجود من اجتمعت العصابة في سنده: «لا ينبغي نكاح
اهل الكتاب» قلت: جعلت فداك، واين تحريمه؟ قال: «قوله (وَلا تُمْسِكوا بِعِصَمِ الْكوافِرِ).
ونحوه المروي في
نوادر الراوندي في تفسير هذه الآية: «انّ من كانت عنده كافرة علي غير ملّة الاسلام، وهو علي ملّة الاسلام، فيعرض عليها
الاسلام، فان قبلت فهي امراته، والاّ فهي بريئة منه، فنهي الله تعالي ان يمسك بعصمهم».
وفي
الموثّق: «ما تقول يا ابا محمّد في رجل تزوّج نصرانية على مسلمة؟ » قلت: جعلت فداك، وما قولي بين يديك؟! قال: «لتقولنّ، فان ذلك تعلم به قولي» قلت: لا يجوز تزويج النصرانية علي المسلمة ولا غير المسلمة، قال: «لِمَ»؟ قلت: لقول الله تعالي (وَلا تَنْكحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّي يؤْمِنَّ) قال: «فما تقول في هذه الآية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ اُوتُوا الْكتابَ مِنْ قَبْلِكمْ؟ ) » فقلت: قوله (وَلا تَنْكحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّي يؤْمِنَّ) نسخت هذه الآية، فتبسّم ثم سكت.
مضافاً الي السنّة المستفيضة عن
اهل العصمة (صلواتاللهعليهم)،
المخالفة لجميع
العامّة، المشتهرة بين قدماء
الشيعة كما يستفاد من
الخلاف والمبسوط وكذا متاخّريهم، كما استفاض نقله في كلام جماعة.
المؤيدة بالاخبار الناهية عن نكاح
الامة علي
الحرّة او مطلقاً؛ امّا بناءً علي انّهنّ بمنزلتها كما يستفاد من المعتبرة
او بناءً علي شمول تلك الاخبار للمسلمة، فيتعدّي المنع اليهنّ بالاولوية.
المعتضدة بظاهر (مِنْ فَتَياتِكمُ الْمُؤْمِناتِ) .
المفسّرة في المروي في نوادر الراوندي: قال: «قال
علي (علیهالسّلام): لا يجوز للمسلم التزويج بالامة اليهودية ولا النصرانية؛ لانّ الله تعالي قال (مِنْ فَتَياتِكمُ الْمُؤْمِناتِ) »
الحديث.
المؤكدة بظاهر الآية (لا يسْتَوِي اَصْحابُ النّارِ وَاَصْحابُ الْجَنَّةِ) .
لاعمية الاستواء منه من بعض الوجوه ومن جميع الوجوه، ولا يصحّ نفي العامّ الاّ بنفي جميع جزئياته، فاذا انتفي التساوي في جميع الاحكام التي من جملتها المناكحة لزماندراجها تحت
التحريم.
فلا مخلص عن حمل ما ظاهره الجواز مطلقاً، او في الجملة علي الاتّقاء، او
التقية.
مضافاً الي قصور اسانيد اكثرها عن الصحّة، ومتونها عن وضوح الدلالة، زيادة علي ما ياتي من احتمال الحمل علي
المتعة.
والصحيح منها غير صالح للمكافاة لما تقدّم من الادلة، مع تصريحه (علیهالسّلام) فيه بـ: انّ عليه في نكاحهنّ غضاضة،
اي: ذلّة ومنقصة.
مع احتماله كالباقي الحمل علي المتعة؛ لعدم صراحتها في
الغبطة. وهو اوضح طريق في الجمع بين الادلّة، دون الحمل علي
الكراهة، او الجواز مع الضرورة، معاندفاعها بالعقد عليهنّ متعةً غالباً.
امّا الثاني: فالمستند فيه بعد
الاجماع المصرّح به في الخلاف والتبيان ومجمع البيان والغنية،
وخصوص (اِذا آتَيتُمُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ)
السنّة المستفيضة.
ففي الموثّق: عن الرجل يتمتّع من اليهودية والنصرانية، قال: «لا اري بذلك باساً» الخبر.
ونحوه
المرسل كالموثّق،
والخبر الصحيح
في قول، وان ضعف في المشهور؛ لانّه بالشهرة العظيمة المدّعي عليه الاجماع مجبور.
ولا يعارضها ما وقع فيه التصريح بالمنع فيها
ايضاً؛ لعدم
المكافاة، فليطرح، او يحمل علي الكراهة، ويفصح عنها الخبر: ايتمتّع من اليهودية والنصرانية؟ فقال: «يتمتّع من الحرّة المؤمنة احبّ الي».
وله ظهور في الجواز ايضاً، وبه كالباقي يخصّ ادلّة المنع، مع انّ المتبادر من
النكاح والتزويج في اكثرها الدوام، دون
التمتّع وملك اليمين.
وامّا الثالث: فبعد الاجماع عليه في التبيان ومجمع البيان،
فعموم (فَمِنْ ما مَلَكتْ اَيمانُكمْ)
من دون معارض، وفحوي اخبار جواز التمتّع ووطء المجوسية بملك اليمين، كما ياتي. وممّا ذكر ظهر الجواب عن دليل الجواز مطلقاً، آيةً وروايةً.
وما يقال من عدم ثبوت
النسخ بالخبر الواحد، فلم يقم عليه دليل صالح، والاجماع عليه غير معلوم، ومعه يحمل آية الحلّ
علي التمتّع؛ جمعاً بين الادلّة، وهو من باب حمل العموم علي الخصوص، فيكون تخصيصاً في تخصيص، وهو شائع يجب المصير اليه بعد قيام الدليل عليه، وهو ما قدّمناه.
وفي جواز الامرين بـالمجوسية قولان، اشبههما: عند المصنّف تبعاً للنهاية
الجواز علي كراهة شديدة؛ لخبرين قاصري
السند: في احدهما: «لا باس بالرجل ان يتمتّع بالمجوسية».
وفي الثاني: عن نكاح اليهودية والنصرانية، فقال: «لا باس» فقلت: المجوسية؟ فقال: «لا باس» يعني متعة.
والاقوي المنع عن العقد مطلقاً؛ لما تقدّم من الادلّة المطلقة من
الكتاب والسنّة، الخالية عمّا يخصّصها هنا من الادلّة؛ لضعف الخبرين، مع انتفاء جابر لهما في البين.
مضافاً الي معارضتهما المعتبرة، احدها الصحيح كالصريح في المنع عن مطلق
العقد: عن الرجل المسلم يتزوّج المجوسية، قال: «لا، ولكن اذا كان له
امة مجوسية فلا باس ان يطاها، ويعزل عنها، ولا يطلب ولدها».
واصرح منه الآخر: عن الرجل يتمتّع باليهودية والنصرانية، قال: «لا اري بذلك باساً» قلت: فالمجوسية؟ قال: «امّا المجوسية فلا».
وقريب منهما اطلاق
الرضوي: «ولا يجوز تزويج المجوسية».
هذا مضافاً الي دعوي التبيان كالسرائر فيه الاجماع.
وفي هذه الاخبار دلالة علي مغايرة
المجوس لاهل الكتاب، وعدم ارادتهم منهم عند الاطلاق، كما هو المشهور بين الاصحاب، فلا يشملهم ادلّة
اباحة التمتّع بهم.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۲۶۳-۲۷۰.