اهل الكتاب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الثاني : أهل الكتاب) بالكتاب والسنة والإجماع.
وهم
اليهود والنصارى، لهم
التوراة والإنجيل. فهو لا يطلب منهم إلاّ أحد الأمرين : إمّا
الإسلام ، أو الجزية. فإن أسلموا فلا بحث، وإن امتنعوا وبذلوا الجزية أُخذت منهم وأقرّوا على دينهم، بلا خلاف ظاهراً. وصرّح به في المختلف والمنتهى مؤذناً بكونه مجمعاً عليه بين العلماء؛
وهو الحجة، مضافاً إلى
الكتاب والسنة.قال الله تعالى سبحانه (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ).
وفي الخبر المتقدّم المتضمن لأنّ الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بخمسة سيوف، وعدّ من الثلاثة الشاهرة منها هذا، فقال : والثاني يعني من السيوف الثلاثة على
أهل الذمة ، قال الله سبحانه (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ساق
الآية إلى أن قال : فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ
الجزية أو القتل .وفي آخر : «القتال قتالان؛ قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتّى يسلموا ويؤدوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون».
ويلحق بهم المجوس الذين لهم شبهة الكتاب في ذلك بلا خلاف ظاهر من عد العماني.
وصرّح به في المنتهى أيضاً مؤذناً بكونه إجماعياً بين العلماء أيضاً؛ مستدلاً بالنبوي صلى الله عليه وآله وسلم : «سنّوا بهم سنة أهل الكتاب»
وهو مرويّ في الفقيه ومجالس الشيخ كما حكي مرسلاً في الأوّل
وبسند غير نقيّ في الثاني،
لكنّه مشهور بين الخاصّة والعامة، بل قيل : متّفق عليه بينهم.ويدلّ عليه مضافاً إليه صريح النصوص.
منها : عن المجوس كان لهم نبيّ؟ فقال : «نعم، أما بلغك كتاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل مكة : أسلموا وإلاّ نابذتكم بحرب، فكتبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : أن خُذْ منّا الجزية، ودعنا على عبادة الأوثان. فكتب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : إني لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب. فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه ـ : زعمتَ أنك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب، ثم أخذت من مجوس هجر هَجَر : مدينة وهي قاعدة البحرين.
وقيل ناحية
البحرين كلها هجرُ وهو الصواب. وقيل : هجر قرية قرب
المدينة.
فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم : إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه، وكتاب فأحرقوه. أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور».
ومنها : كيف يؤخذ الجزية عن المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال : «بلى قد أنزل الله تعالى عليهم كتاباً وبعث إليهم نبيّاً».
ومنها : «إنّما ألحقوا باليهود
والنصارى في الجزية والدّيات لأنّهم كان لهم فيما مضى كتاب».
وقريب منها رواية أُخرى : عن المجوس، فقال : «كان لهم نبيّ قتلوه، وكتاب أحرقوه، أتاهم نبيّهم في اثني عشر ألف جلد ثور. وكان يقال له : جاماست».
وظاهر هذه الأخبار أنّهم من أهل الكتاب، كما صرّح جملة من الأصحاب،
لا أنهم ملحقون بهم.
•
أخذ الجزية،(والبحث) هنا يقع في أُمور ثلاثة.(فيمن تؤخذ الجزية منه، وكمّيتها، وشرائط الذّمة) .
فنقول : (لا يجوز) لأهل الكتاب (استئناف البِيَع) بكسر الموحدة وتحريك المثناة : جمع بيعة النصارى ومعبدهم، كسدرة وسدر.(والكنائس) جمع كنيسة، وهي معبد اليهود كما هو ظاهر الأصحاب. وقيل : النصارى أيضاً كما عن الصحاح،
لكن من غير ذكر اليهود، ونحوه فيه غيره.
وعلى هذا فيكون معبد اليهود مخلاًّ بذكره، وكان عليه التنبيه عليه بذكر باقي المعابد كصومعة
الراهب وغيرها من أنواع البيوت المتخذة لصلاتهم وعباداتهم،
لاشتراك الجميع في الحكم في المنع عن إحداثها (في بلاد الإسلام) سواء أنشأها المسلمون وأحدثوه ككوفة وبغداد وبصرة، وسرّمن رأى فيما ذكره جماعة،
وفتحوها عنوةً أو صلحاً على أن يكون لنا ولم يشترط لهم
السكنى فيها، بلا خلاف في الأُولى بين العلماء، كما في صريح المنتهى
وظاهر السرائر، وفيه التصريح بأنّه لا يجوز أن يقرّهم على ذلك وأنّه إن صالحهم على ذلك بطل الصلح بلا خلاف.
وكذا في الثانية، كما في التحرير.
وفي المسالك والدروس
الإجماع في الأُولى؛
وهو الحجة، مضافاً إلى عدم خلاف فيها ولا في غيرها لا ظاهراً ولا محكياً؛ وما في المنتهى وغيره : من أنّ هذا البلد للمسلمين وهو ملك لهم، فلا يجوز لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر.
لكنه لا يفي بما هو ظاهر الأصحاب من
إطلاق المنع وعمومه لما إذا أقرّهم على ذلك
الإمام ، وبه وقع التصريح في السرائر.
ونحوه فيه الخبر المرويّ في المنتهى عن
ابن عباس أنّه قال : أيّما مصر مصره العرب فليس من أهل الذمّة أن يبني فيه بيعة، وما كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يقرّ لهم وفي المنتهى : مصَّرَه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي حديث آخر : «أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، ولا يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يتخذوا فيه خنزيراً». مضافاً إلى عدم حجية الخبر ووهنه.
(و) كلّ موضع لا يجوز لهم
إحداث شيء من ذلك (يزال لو استحدث) كما هنا وفي كتب الفاضل،
من غير ظهور خلاف فيه ولا نقله.
واحترز
بالاستئناف عمّا لو كان موجوداً في الأرض قبل أن يمصّره المسلمون، فإنه يقرّ على حاله، مثل
كنيسة الروم في
بغداد ، فإنّها كانت في قرى لأهل الذمّة وأقرّت على حالها، كما صرّح به جماعة ومنهم شيخنا في المسالك والعلاّمة في المنتهى من غير نقل خلاف فيه أصلاً.
ويعضده مضافاً إلى الخبر السابق
الأصل واختصاص المانع من النص والفتوى بالإحداث. ومنه يظهر الوجه فيما أشار إليه بقوله : (ولا بأس بما إذا كان) من ذلك (عاديا) أي قديماً (قبل الفتح) ولم يهدمه المسلمون.
وعزاه في المسالك إلى المشهور قال : ولم ينقل المصنف والأكثر في ذلك خلافاً، ونقل في التذكرة أقول : وفي التحرير والمنتهى
أيضاً عن الشيخ أنّه لا يجوز
إبقاؤه ؛ لما تقدّم من الدليل على المنع عن الإحداث، والعمل على المشهور، وقد فتح الصحابة كثيراً من البلاد عنوةً ولم يهدموا شيئاً من الكنائس، وحصل الإجماع على ذلك، فإنّها موجودة في بلاد
الإسلام من غير نكير. وتردّد في التذكرة حيث نقل المنع عن الشيخ ساكتاً عليه.
أقول : وكذا في كتابيه المتقدمين.ولكن لا وجه له سيّما مع عدم وضوح دليل على المنع سوى، ما قدّمنا، وليس بجارٍ هنا كما مضى.
(و) كذا لا بأس (بما أحدثوه في
أرض الصلح ) على أن تكون الأرض لهم أو لنا وشرط لهم السكنى فيها وأن يحدثوا فيها كنائس وبيعاً ونحوهما.وبه صرّح جماعة، ومنهم السرائر والمنتهى من غير نقل خلاف فيه أيضاً، ولا في أنه إن شرط عليهم أن لا يحدثوا شيئاً أو يخربوها جاز ذلك أيضاً، وإن لم يشترط لم يجز لهم تجديد شيء.
وفي المنتهى : إذا شرط لهم التجديد والإحداث فينبغي أن يعيّن مواضع
البيع والكنائس. وكل موضع لا يجوز لهم إحداث شيء فيه إذا أحدثوا فيه جاز نقضه وتخريبه. وكل موضع لهم
إقراره لا يجوز هدمه، فلو انهدم هل يجوز إعادته؟ تردّد الشيخ في المبسوط في ذلك. ثم نقل الخلاف في ذلك والتردّد أيضاً عن العامة، ولم يرجّح شيئاً.وقال بعد ذلك ـ : قد وقع
الاتفاق على جواز رمّ ما يشعب منها
وإصلاحه .
ولعلّه المستند في قوله : (ويجوز رَمّها) مضافاً إلى الأصل وكونه من مقتضيات عقد الصلح.
(ولا) يجوز أن (يُعلي الذمّي بنيانه فوق) بنيان (المسلم) بلا خلاف فيه ظاهراً، بل عليه الإجماع في المسالك والمنتهى،
وفيه للنبوي : «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه».
وظاهر المتن وصريح الشرائع عدم المنع من المساواة.
وهو خلاف ظاهر النصّ والأكثر، كالشيخ وجمع ممّن تأخر، ومنهم الحلّي والفاضل والشهيدان وغيرهم
ولعلّه الأظهر.ومقتضى إطلاق النصّ والفتوى عدم الفرق في المنع بين كون بناء الجار معتدلاً، أو في غاية
الانخفاض حتى لو كان نحو السرداب، لكن استثناه الشهيدان. قال في المسالك : لعدم صدق البناء.
وهو حسن لو علّق المنع في النصّ على صدق البناء، وليس كذلك كما ترى وإنما ذلك في
الفتوى وهو على تقدير حجّيّته لا يفيد الجواز في غيره ممّا يدخل في عموم المنع المستفاد من النصّ.ومنه يظهر أنّ المعتبر فيه ما يصدق عليه العلوّ عرفاً من بناء أو هواء، لا خصوص البناء كما قطع به الشهيد الأول واحتمله الثاني.
ويظهر الفائدة فيما لو كان بيت الذمّي على أرض مرتفعة ودار المسلم في منخفضة، فعلى ما ذكره الشهيدان يجوز للذمّي أن يرتفع بحيث لا يبلغ طول حائط المسلم، وعلى غيره يعتبر ارتفاع الأرض عن المسلم من جملة البناء، وجوّزا مع
الانعكاس أن يرتفع الذمّي إلى أن يقارب دار المسلم وإن أدّى إلى
الإفراط في
الارتفاع .ثم إنّ الظاهر أنّ المنع من ذلك إنّما هو لحقّ الدين، لا لمحض الجار بحيث يسقط مع رضاه. وأنّه لا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد، وإنما يلزمه أن يقصر عن بناء محلّه، كما صرّح به في السرائر والمنتهى وغيرهما من غير نقل خلاف فيه أيضاً.
(ويقرّ ما ابتاعه من مسلم على حاله) وإن كان عالياً.
وكذا لو كان للذمّي دار عالية فاشترى المسلم داراً إلى جنبها أقصر منها، أو بنى المسلم داراً إلى جنبها أقصر منه فإنه لا يجب على الذمّي هدم علوّه، بلا خلاف في شيء من ذلك يظهر ولا ينقل.
(ولو انهدم) دار الذمّي العالية فأراد تجديدها فكالمستحدثة (لم يعل به) على المسلم إجماعاً، ولم يساو على الخلاف. وكذا لو انهدم ما علا منها وارتفع، فإنه لا يكون له إعادته.ولو تشعّب منه شيء ولم ينهدم جاز رمّه وإصلاحه.صرّح بجميع ذلك في المنتهى وغيره، من غير نقل خلاف.
(ولا يجوز لأحدهم) ولا لغيرهم من المشركين (دخول
المسجد الحرام ) مطلقاً بإجماع العلماء، كما في السرائر والمنتهى؛
لنصّ الكتاب (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ).
(و) كذا (لا) يجوز لكل منهم دخول (غيره) من المساجد مطلقاً (ولو أذن له المسلم) في الدخول، عندنا كما في الشرائع والتحرير وكنز العرفان،
وفي المنتهى : إنه مذهب
أهل البيت .
وظاهرهم الإجماع كما في صريح المسالك؛
وهو الحجة، دون ما في المنتهى والتذكرة
من وجوه عديدة لم أعرف في شيء منها دلالة وإن صلحت لجعلها مؤيّدة، كما في الكنز من
الاستدلال عليه بنصوص أهل البيت ومن النصوص ما ورد في الدعائم، عن
علي عليه السلام : «لتمنعنّ مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخنّكم الله قردة وخنازير ركّعاً وسجّداً». وقريب منه ما ورد في البحارعن نوادر الراوندي.؛
إذ لم نقف عليها ولا على من أشار إليها أصلاً وهو أعرف بها.وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.
وهنا (مسألتان)
(الأولى : يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات كالخمر)
والخنزير والأُمور التي يحرم على المسلمين بيعها وشراؤها، بغير خلاف ظاهر، مصرّح به في السرائر،
مؤذناً بالإجماع عليه، كما في ظاهر المختلف حيث قال فيه : وعليه علماؤنا.
إلاّ أن فيه وفي الدروس نقل الخلاف فيه على إطلاقه عن الإسكافي، حيث خصّ الجواز بغير صورة
الإحالة على المشتري، واختار المنع فيها.
وردّه في المختلف بالعموم. ولعل المراد به عموم الصحيح : عن صدقات أهل الذمة، وما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم وخنازيرهم وميتتهم قال : «عليهم الجزية في أموالهم، تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو الخمر، فكلّ ما أخذوا منهم فوِزر ذلك عليهم، وثمنه للمسلمين حلال، يأخذونه في جزيتهم».
وهو حسن، مع أنّ قوله نادر.واحترز بالأثمان عن نفس المحرمات، فإنه لا يجوز أخذها إجماعاً كما في المنتهى.
ولم نر في ذلك خلافاً أيضاً.
(الثانية) كان (يستحق الجزية) في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يستحقّ
الغنيمة سواء، فهي للمجاهدين كما في التحرير والمنتهى
وغيرهما، وفيهما : وكذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد
الإسلام . وفي الدروس : إنّ مصرفها عسكر المجاهدين.
ولا إشكال فيه؛ للصحيح : «إنّما الجزية عطاء المهاجرين، والصدقة لأهلها الذين سمّى الله تعالى في كتابه، فليس لهم من الجزية شيء».
وإنما
الإشكال في مصرفها اليوم، ففي النهاية والسرائر بعد ذكر نحو ما سبق : إنها اليوم لـ (من قام مقام المهاجرين في الذّب) أي الدفع (عن الإسلام) ونصرته.
وزاد في السرائر : ولمن يراه
الإمام من الفقراء والمساكين (من) سائر (المسلمين).
والنصّ كما ترى خالٍ عن ذلك كله، بل صريح في أن الفقراء والمساكين ليس لهم منها شيء، ولعلّه لذا لم يذكره الشيخ ولا الماتن، مع موافقتهما له فيما عداه. ولعلّ مستندهم فيما ذكروه الإجماع أو نصّ لم نقف عليه. ويمكن الاستدلال لهم بنوع من
الاعتبار .
رياض المسائل، ج۸، ص۳۵-۵۷.