أركان الإجازة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
كل
إجازة لا بدّ فيها من توفر أركان أربعة:
أ- التصرف المجاز (محل الإجازة).
ب- المجيز (من يملك التصرف لكونه أصيلًا أو وكيلًا أو ولياً.
ج- المجاز له (وهو من تولّى التصرف بلا ولاية).
د- إنشاء الإجازة (صيغتها).
وقد وقع البحث عند الفقهاء في الشروط المعتبرة في كل ركن من هذه الأركان:
قد اختلفت كلماتهم في نفوذ الإجازة في مطلق التصرفات أو خصوص العقود والايقاعات أو بعضها. وفيما يلي تفصيل ذلك:
يمكن تصنيف أقوال الفقهاء في تصحيح العقود والايقاعات الفضولية بالإجازة إلى أربعة أقوال:
صحّة الفضولي بالإجازة في مطلق العقود والايقاعات.
عدم صحته مطلقاً.
صحته في العقود وعدم صحته في الايقاعات مطلقاً.
صحته في بعض العقود وبعض الايقاعات.
فهو المشهور عند فقهائنا المتأخرين، قال
المحقق النائيني : «إنّ الفضولي في
البيع على مقتضى القاعدة، فيلحق به سائر العقود وجميع الايقاعات».
كما صرّح
المحقق الاصفهاني بصحته في الايقاعات حيث قال: «... والتحقيق أنّ بطلان الفضولية في الايقاعات عموماً أو خصوصاً- حتى بعد لحوق الإجازة- لا دليل عليه».
والظاهر من كلامه أنّ العقود أيضاً كذلك.
وقال
السيد الحكيم : «صحة
الفضولي مقتضى عموم الصحة، وقاعدة عدم صحة الفضولي في الايقاع غير ثابتة إلّا في بعض المواضع».
وقال أيضاً: «فالتحقيق أنّه لا أصل لهذه الكلية- أعني عدم صحة الفضولي في الايقاعات- نعم قد يكون البطلان في بعض الموارد معقد الاجماع
كالطلاق ، فعن قواعد الشهيد أنّه لم نجد قائلًا من الأصحاب بالصحة فيه، إلّا أنّ في كفاية هذا المقدار في ثبوت
الإجماع تأمّلًا»
فالظاهر منه الصحة في الايقاعات مطلقاً حتى في الطلاق.
وقال
السيد الخوئي : «إنّ عقد الفضولي صحيح على القاعدة»
وقال في موضع آخر: «وعلى الجملة انّه لا دليل على بطلان الايقاعات الفضولية»
وكذلك صرّح السيد الخميني قائلًا: «إنّ عقد الفضولي موافق للقاعدة وكذا ايقاعه».
فهو ظاهر من حكم ببطلان الفضولية مطلقاً كفخر المحققين فإنّه في البيع
والنكاح والوقف
حكم بعدم الصحة بالإجازة، ولا فرق بين عقد وعقد، والايقاع عندهم بحكم العقد، بل أشدّ اشكالًا منه لما اشتهر في ألسنتهم من الإجماع على عدم صحة الفضولي في الايقاعات.
كما صرّح به
المحقق الداماد في خصوص العقود، قائلًا: «إنّ مطلق العقد الصادر من الفضولي- وهو الذي ليس له ولاية ولا وكالة- باطل في أصله، والإجازة اللاحقة غير مؤثرة في تصحيحه».
والظاهر أنّ الايقاعات أيضاً عنده كذلك لما ذكرناه آنفاً.
وكذلك يمكن اسناده إلى
المحقق الأردبيلي حيث حكم بالبطلان في البيع،
ووقّفه في
الرهن والمضاربة وتصرّف السفيه
والوكالة على تصحيح بيع الفضولي.
فيظهر أنّه
للشيخ الأنصاري في
المكاسب حيث قال:«اختلف الأصحاب وغيرهم في بيع الفضولي بل مطلق عقده بعد اتفاقهم على بطلان ايقاعه، كما في غاية المراد»،
وقال
الشهيد الأوّل : «اختلف علماؤنا في كلّ عقد صدر من الفضولي... بعد اتفاقهم على بطلان الايقاع».
وهو ظاهر كلام
السيد الگلبايگاني ، قال «نعم على تقدير كونها ايقاعاً فجريان الفضولي فيها محلّ تأمّل، بل منع».
والظاهر أنّ وجه هذا القول هو اعتماد الاجماع على عدم صحة الفضولية في الايقاعات، وإلّا فمقتضى القاعدة الصحة فيها أيضاً، كما تقدم.
فهو ما اختاره بعض الفقهاء
نتيجة أنّ صحة الفضولي عنده ليس على القاعدة، بل من جهة بعض الأدلّة الخاصة، وهي ليست إلّا في بعض العقود
كالبيع ونحوه، ففي ما لا دليل على صحة الفضولي فيه يحكم بالبطلان بحكم الأصل ما لم يثبت الصحة عقداً أو ايقاعاً.
وفيما يلي نتطرق إلى جملة من كلمات الفقهاء في حكم الفضولي في بعض العقود والايقاعات:
وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى صحة الإجارة بعد إجازة المالك.
وذهب بعض إلى عدم الصحة حتى مع الإجازة،
إلّا أنّهم حكموا بالبطلان من جهة بطلان الفضولية مطلقاً لا لخصوصية في الإجارة الفضولية.
ومنهم من ذكر كلا القولين وتوقف في المسألة.
ذهب كثير من الفقهاء إلى جريان الفضولي في عقد البيع وتصحيحه بالإجازة.
وقد عبّر العلّامة بما يشعر بالاجماع على ذلك، قال: «بيع الفضولي جائز عندنا، لكن يكون موقوفاً على إجازة المالك...».
وخالف في ذلك جمع منهم الشيخ،
وابن زهرة وابن إدريس وفخر المحققين والمحقق الداماد والمحقق الأردبيلي
والمحقق البحراني .
وهو ظاهر من
أبي الصلاح حيث قال:«... اعتبرنا صحة الولاية لتأثير حصولها بثبوت الملك أو الإذن».
ومنهم من أضاف إليه شراء الفضولي أيضاً.
لم نجد في كلمات فقهائنا من تعرّض لهذه المسألة صريحاً عدا بعض المتأخرين منهم السيد
الشهيد الصدر حيث قال: «لو تصدّى غير المالك فزارع على أرض غيره بدون إذنه فالمزارعة باطلة...
وأمكن للمالك إجازة عقد المزارعة فيصح حينئذٍ».
والسيد اليزدي حيث قال: «إذا تبيّن بعد عقد المزارعة أنّ الأرض مغصوبة فمالكها مخيّر بين
الإجازة - فتكون الحصة له، سواء كان بعد المدّة أو قبلها، في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع، بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محل للإجازة- أو الردّ».
وقد اختار كلاهما جريان الفضولي في المزارعة من دون التفصيل بين ما إذا زارع الفضولي على أرض الغير عن نفسه أو عن المالك.
إلّا أنّ كلّ من صرّح من الفقهاء بصحة العقود الفضولية بالإجازة اللاحقة على القاعدة شمل كلامه عقد المزارعة أيضاً.
نعم ذهب السيد الگلبايگاني إلى عدم جريان الفضولي في المزارعة إذا قصد الغاصب التعهد من قبل نفسه تسليم الأرض، قائلًا: «فلا مورد للإجازة ولا معنى لإجازة تعهد الغير ولا يجري فيه الفضولي».
ظاهر كل من ذهب إلى جريان الفضولي في العقود الجريان في المضاربة أيضاً.
وقد تعرض السيد اليزدي لها في العروة قائلًا: «إذا تبيّن كون رأس المال لغير المضارب سواء كان غاصباً أو جاهلًا كونه ليس له... وإن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله...».
قوّى بعض الفقهاء جريان الفضولية في العارية بالخصوص وتصحيحها بإجازة المالك.
مضافاً إلى قول كل من ذهب إلى جريان الفضولي في مطلق العقود.
وهناك من أشكل في جريان الفضولية فيها ولكن ذكر للإجازة فائدة
الاعارة بعدها.
ظاهر كل من ذهب إلى جريان الفضولي في مطلق العقود جريانه فيه أيضاً، وقد صرّح جمع من الفقهاء بجريان الفضولية في الرهن، وتوقف رهن ما لا يملك على الإجازة.
لم يتعرض فقهاؤنا لجريان الفضولية فيه نفياً ولا إثباتاً، عدا بعض المتأخرين، منهم السيد الخوئي
والسيد الخميني
حيث صرّحا بجريانها فيه، يضاف اليهما ظاهر كل من ذهب إلى جريان الفضولية في مطلق العقود.
لم يتعرّض أكثر الفقهاء لجريان الفضولي في
الهبة بالخصوص لا نفياً ولا إثباتاً عدا
السيد الخميني حيث ذهب إلى جريانه وتصحيحه بإجازة المالك.
إلّا أنّ من حكم بجريانه في مطلق العقود يعم حكمه للهبة أيضاً.
تعرّض فقهاؤنا لجريان الفضولي في
الصدقة ضمن كتاب اللقطة حيث ذكروا أنّ تصدّق الملتقط باللقطة لا يكون نافذاً عن صاحب المال إلّا بإجازته عند الرجوع ورضاه بها.
يضاف إلى ذلك ظاهر عبارة من حكم بجريان الفضولي في كافة العقود.
أطلق العلّامة وغيره
عدم صحة الوصية بمال الغير ولم يوقفها على الإجازة، وكذلك
المحقق الكركي إلّا أنّه ذكر تأثير الإجازة في خصوص العتق.
وظاهر
المحقق النجفي في
الجواهر عدم الصحة أيضاً.
وذهب
السيد اليزدي إلى عدم صحة الوصية بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه، واحتمل الصحة إذا أوصى فضولًا عن الغير وأجاز الغير ذلك،
وحكم السيد الخميني والسيد الخوئي بالصحة،
في حين ذهب السيد الگلبايگاني إلى صحة الوصية فضولًا بمال الغير عن الغير على تقدير كونها عقداً، ومنع من جريان الفضولي فيها على تقدير كونها ايقاعاً.
ولعلّ ترديد السيد اليزدي في الصحة مع الاجازة راجع إلى الترديد في كون الوصية عقداً أو ايقاعاً.
للأصحاب في عقد
النكاح الصادر من الفضولي قولان، والأكثر على أنّه يقع موقوفاً على
الإجازة ،
وادعى
السيد المرتضى الاجماع عليه.
ونفى ابن إدريس الخلاف فيه،
وحكى فخر المحققين
ذلك عن عدّة منهم
المفيد وابن أبي عقيل وسلّار وابن البراج وأبو الصلاح .
وخالفهم في ذلك وأفتى بالبطلان الشيخ في
المبسوط والخلاف
وفخر المحققين في الايضاح.
ذهب بعض فقهائنا إلى جريان الفضولية في الوقف، وأنّه لو وقف ما لا يملكه صحّ مع الإجازة.
وخالفهم جمع آخر حيث ذهبوا إلى عدم جريانها فيه، منهم العلّامة في
التحرير وفخر المحققين في الايضاح
والمحقق الكركي حيث قوّى عدم الصحة في
جامع المقاصد والشهيد الأوّل في الدروس
وظاهر
ابن حمزة في الوسيلة.
المشهور بين الأصحاب بطلان
الطلاق الفضولي، وقد ادعى الشهيد
الإجماع عليه وأنّه لم نجد قائلًا بالصحة بين الأصحاب،
وادعى في غاية المراد الاتفاق على بطلان مطلق ايقاع الفضولي ولو مع الإجازة،
وصرح
المحقق القمي بالبطلان في
جامع الشتات ،
ونقل الشيخ الأنصاري في المكاسب
دعوى الاتفاق على البطلان عن غاية المراد.
إلّا أنّ المتأخرين من فقهائنا شككوا في ثبوت هذا الاجماع، واحتملوا كونه مدركياً. قال السيد اليزدي: «الأمر في
العتق والطلاق أيضاً مشكل، من حيث أنّهم يستدلون على عدم الجريان في الأوّل بما ورد من الأخبار الذي ورد نظيره في البيع أيضاً مثل قوله: «لا عتق إلّا بعد ملك..» وقوله عليه السلام: «من أعتق ما لا يملك فلا يجوز...».
ويمكن الجواب عنهما بمثل ما اجيب عن مثل قوله: «لا بيع إلّا في ملك...» - إلى أن قال-: وكذا يستدلون في الثاني بمثل قوله عليه السلام: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» ويمكن الجواب عنه».
وقال المحقق النائيني: «.. الظاهر تحققه في العتق والطلاق، ومع ذلك يمكن أن يكون مدرك المجمعين هو قوله عليه السلام: «لا عتق إلّا في ملك» وقوله عليه السلام: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»».
وقال
المحقق الاصفهاني : «مع أنّه يمكن استنادهم في البطلان إلى مثل قوله: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» وقوله: «لا طلاق إلّا فيما يملك»، أو إلى عدم قابلية الايقاع للتعليق واقعاً، أو إلى بطلان طلاق المكره، فالفضولي بالأولوية، والكل كما ترى».
وقال السيد الخوئي: «لا نسلّم كونه إجماعاً تعبدياً، إذ من المحتمل أنّ القائلين ببطلان الطلاق الفضولي قد استندوا...
الخ».
والكلام في العتق عين ما تقدّم في الطلاق، من ادعاء الاجماع على بطلان الفضولية فيه، واحتمال كونه مدركياً كما عن المتأخرين. وكيفما كان فقد صرّح جمع من الفقهاء ببطلان العتق فيما لا يملك ولو أعقبته الإجازة، ونسبه الشهيد الأوّل في الدروس
والشهيد الثاني في المسالك
إلى المشهور، وفي كشف اللثام: أنّه لا خلاف فيه.
والمستخلص من استعراض ما تقدم أنّ مشهور المتأخرين يرون نفوذ الإجازة في مطلق العقود والايقاعات الصادرة فضولة وممن لا ولاية له عليها بمقتضى القاعدة مشفوعاً ببعض الروايات الخاصة المتقدمة.
نعم، هناك استثناءات في كلمات بعض المحققين المتأخرين:
ما تقدمت الاشارة إليه عن
المحقق النائيني من أنّ العقود الإذنية وجملة من الايقاعات يكفي في تحققها حقيقة نفس الإجازة، فحتى إذا لم يمكن تصحيح سببية ما وقع منها فضولة بالإجازة كانت الإجازة كافية في انشاء تلك العقود والايقاعات حقيقة وبالحمل الشائع، فتشمله أدلّة صحتها ونفوذها. وهذا ليس استثناءً بحسب الحقيقة بل تأكيد على صحتها وترتب آثارها- ولو من حين الإجازة- بالإجازة على كل حال، أي حتى إذا قلنا ببطلان عقد الفضولي أو ايقاعه بالإجازة.
إذا اريد بالإجازة اللاحقة تصحيح المعاملة لغير المالك المجيز، كما إذا باع الغاصب مال الغير لنفسه وأراد المالك بالإجازة اللاحقة تنفيذ ذلك بأن تقع للغاصب لا للمالك، أو أوصى الفضولي بمال الغير لنفسه فأجاز المالك بأن تقع للغير؛ فإنّ العقد لا يمكن أن يقع لغير مالك العوضين لكي يصح بالإجازة.
وهكذا إذا اريد بالإجازة تغيير طرف العقد كما إذا تغير المالك فأراد المالك الثاني إمضاء العقد الواقع لنفسه، كما إذا مات مالك رأس المال أو الأرض في عقد المضاربة والمزارعة فأراد الوارث امضاء العقد الواقع عن نفسه، فإنّ العقد مع المالك الجديد لم يكن منشأً فضولة لكي ينفذ بالإجازة. وتفصيل هذه الأبحاث في محلّها.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۲۴-۳۲