اجتماع الحيض والحمل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجتمع
الحيض مع
الحمل وفيه أقوال، وفيه
روايات أكثرها وأشهرها مع صحتها واستفاضتها وتأيدها بغيرها من المعتبرة مع اجتماعهما مطلقاً.
وهل يجتمع
الحيض مع الحمل مطلقاً؟ كما هو الأشهر الأظهر، وعن
الفقيه والمقنع والناصريات والقواعد والمبسوط.
أو بشرط عدم
استبانة الحمل؟ كما عن
الخلاف والسرائر والإصباح، وفي الأوّل
الإجماع عليه.
أو لا مطلقاً؟ كما عن
الإسكافي والتلخيص وفي
الشرائع وظاهر المتن.
أو بشرط تأخره عن العادة عشريني يوماً؟ كما عن
النهاية وفي كتابي الحديث
.
أقوال وفيه روايات أكثرها وأشهرها مع صحتها واستفاضتها وتأيدها بغيرها من المعتبرة مع الأوّل، منها:
الصحيح: عن الحبلى ترى الدم أتترك
الصلاة؟ قال: «نعم إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم»
.
وأشهرها بين
العامة كما حكاه جماعة
أنه لا يجتمع مطلقاً، رواه
السكوني وفيه: «ما كان اللّه تعالى ليجعل حيضا مع حبل»
وهو لضعفه من وجوه لا يبلغ درجة المعارضة لتلك فيحمل على
التقية، أو إرادة بيان الغلبة فلا تترك لأجله الصحاح المستفيضة. فظهر ضعف القول الثالث وحجّته.
وليس في أخبار
الاستبراء بالحيض في العدد
دلالة عليه لو لم نقل بدلالته على خلافه، كيف لا؟! ولو صحّ عدم الجمع مطلقاً لاكتفى بالحيضة الواحدة في مطلق الاستبراء البتة، فاعتبار التعدد دليل على مجامعته له.
ومن هنا يتضح الجواب بالمعارضة عن الاستدلال بالأخبار الدالة على وجوب استبراء
الأمة بالحيضة الواحدة
من حيث إنّ الاجتماع لا يجامع الاستبراء بها؛ وذلك بأن يقال: عدم اجتماعهما يوجب الاكتفاء بالحيضة الواحدة في عدّة الحرّة المطلّقة، فقد تعارضا فليتساقطا، فلا دلالة في كلّ منهما على شيء من القولين. هذا، ويمكن أن يقال بصحة الاستدلال للمختار بأخبار عدّة المطلّقة، ويذبّ عن المعارضة باستبراء الأمة بإمكان كون اكتفاء
الشارع فيه بالحيضة الواحدة ليس من حيث استحالة الاجتماع بل من حيث غلبته عادة، كما مرّت إليه الإشارة ولا ريب في حصول المظنة بها بعدم الاجتماع، والشارع قد اعتبر هذه المظنة في هذه المسألة وإن كانت من الموضوعات، كما اعتبرها في مواضع كثيرة منها بلا شبهة، فلا يكون فيه دلالة على استحالة الاجتماع، كما هو مفروض المسألة.
وكذا ليس في عدم صحة طلاقها حين رؤيته مع صحة
طلاق الحامل مطلقاً ولو رأته دلالة عليه، إلّا مع قيام الدليل على عدم صحته في مطلق الحائض، وهو في حيّز المنع، كيف لا؟! وقد صحّ
طلاق الحائض مع غيبة زوجها عنها. ويدل على الرابع الصحيح: «إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرسف وتصلّي، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل ولتصلّ»
.
وهو صريح فيه، لكنه لوحدته وعدم اشتهاره لا يبلغ لمقاومة الصحاح مع ما هي عليه من
الشهرة والاستفاضة والمخالفة للعامة ـ فتأمّل ـ والتعليلات الواردة فيها المخرجة لها عن حيّز العموم المقرّبة لها من حيّز الخصوص الذي لا يصلح معه التخصيص. ولم نعثر للقول الثاني على دليل إلّا الصحيح المتقدم لو أريد بالاستبانة مضيّ عشرين يوماً من العادة، فتأمل، وإلّا فدليله غير واضح. نعم في الرضوي بعد الحكم بما تضمنته الصحاح: «وقد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صحّ لها الحمل فلا تدع
الصلاة، والعمل من خواص
الفقهاء على ذلك»
.
وهو مع ضعفه بالإرسال مقدوح
بالفتوى في الصدر على خلافه، معارض بما تقدّم، وخصوص الصحيح: عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم، قال: «تلك الهراقة إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين»
.
والمرسل: عن الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى
الحائض من الدم، قال: «تلك الهراقة من الدم إن كان دماً أحمر كثيرا فلا تصلّي، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا
الوضوء»
. فلم يبق إلّا
الإجماع المحكي، ولا يعترض به ما تقدّم من الأدلة سيّما مع الوهن فيه بمصير معظم
الأصحاب على خلافه. هذا، وربما يجمع بين الأخبار بحمل ما دلّ على الاجتماع على صورة اتصاف الدم بلون الحيض وكثرته وعدم تقدمه وتأخره عن أيام
العادة كثيرا، وما دلّ على المنع منه على غيرها.
وهو حسن إن لم يكن إحداث قول خامس في المسألة، وفي الخبرين الأخيرين ربما كان دلالة عليه، كالرضوي المصرّح بأنه: «إذا رأت الدم كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة»
والموثق: «عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين، قال: «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلي ذينك اليومين، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين»
.
والاحتياط لا يترك.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۴۷-۲۵۱.