استقرار المهر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يستقرّ جميع
المهر بأحد أُمور أربعة: بالدخول، وهو
الوطء قبلاً أو دبراً؛ وبردّة الزوج عن
فطرة؛ وبموت الزوج؛ وبموت الزوجة. ولا يسقط معه لو لم يقبض، ولا يستقر بمجرد الخلوة على الاشهر.
ويستقرّ بالدخول، وهو
الوطء قبلاً أو دبراً إجماعاً، كما في
الروضةوكلام جماعة
، والنصوص به مستفيضة، مرّ بعضها.
وفي الصحيح: «إذا أدخله وجب
الغسل والمهر»
ونحوه في عدّة من المعتبرة
.
ويستقرّ بردّة الزوج عن
فطرة، على الأشهر الأقوى؛ لثبوته بالعقد، فوجب الحكم باستمراره إلى ظهور المسقط، وليس. وإلحاقه بالطلاق
قياس باطل بالاتّفاق.
ويستقرّ بموت الزوج على الأشهر، بل عليه
الإجماع عن
الناصريّات؛ للأصل، ومفهوم
الكتاب، وعموم: «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ»
. والمستفيضة، منها الصحيح: في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها: «إن كان فرض لها مهراً فلها مهرها الذي فرض لها، ولها
الميراث» الخبر
، ونحوه الصحيح الآخر
، والموثّقان
، وغيرهما
.
خلافاً للمحكيّ عن صريح
المقنع، فكالطلاق
، وهو ظاهر الكافي والفقيه
، بل حكى عليه بعض المتأخّرين الشهرة بين قدماء الطائفة
، واختاره من المتأخّرين جماعة
؛ وعليه تدلّ المستفيضة الأُخر التي كادت تبلغ
التواتر، بل لا يبعد أن تكون متواترة، وأكثرها معتبرة الأسانيد.
ففي الصحيح: في الرجل يموت وتحته امرأته لم يدخل بها، قال: «لها نصف
المهر» الخبر
.
والصحيح: «إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهراً، فلها نصف ما فرض لها، ولها الميراث»
.
والصحيح: عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها، أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها، قال: «أيّهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها»
. وذكرها كملاً لا يناسب هذا المختصر.
فالقول بها لا يخلو عن قوّة؛ لأنّ المظنّة الحاصلة من هذه الكثرة أقوى من الحاصلة من الشهرة، سيّما مع اعتضادها بالشهرة بين القدماء ولو كانت محكيّة، ومخالفتها
التقيّة كما صرّح به جماعة
، فيُخَصّ بها
الأصل، ويُصَرف النصوص السابقة عن ظواهرها بالحمل على النصف؛ لأنّه مهرها ولو بَعُدَ في بعضها، ومنه يظهر وجه رجحان لهذه النصوص ومرجوحيّة لتلك؛ لصراحة هذه دون الأوّلة.
وأمّا العموم، فبعد تسليمه فشموله لمثل المقام محلّ نظر، مع أنّه كالمفهوم نقول بهما، إلاّ أنّ الخطاب فيهما للأحياء لا مطلقاً.
لكن المسألة بَعدُ محلّ إشكال،
والاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال.
ويستقرّ بموت الزوجة على الأشهر أيضاً؛ لما عدا المستفيضة من الأدلّة المتقدّمة. وفيها مضافاً إلى ما مرّ استفاضة المعتبرة بالتنصيف هنا من دون معارض أصلاً:
منها:
الصحيح المتقدّم، والموثّق: عن رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها، فقال: «إن هلكت أو هلك أو طلّقها فلها نصف المهر، وعليها
العدّة كاملة، ولها الميراث»
.
ونحوه آخر: في امرأة توفّيت قبل أن يدخل بها زوجها، ما لها من المهر؟ وكيف ميراثها؟ فقال: «إذا كان قد مهرها صداقها فلها نصف المهر وهو يرثها، وإن لم يكن فرض لها صداقها فهي ترثه ولا صداق لها»
إلى غير ذلك من الأخبار
.
والعمل بها متعيّن؛ لخلوّها عن المعارض، مع اعتضادها بما مرّ، وعمل جماعة من الأصحاب بها،
كالطوسي والقاضي والكيدري
وجماعة من المتأخّرين
.
ولا يسقط شيء من المهر عاجلاً كان أم آجلاً معه أي الدخول لو لم تقبض على الأظهر الأشهر، بل عليه الإجماع عن ظاهر
الانتصار؛ للأصل، والعمومات، وخصوص المعتبرة المستفيضة:
منها
الصحيح: الرجل يتزوّج المرأة على
الصداق المعلوم، فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً، فقال: «يقدّم إليها ما قلّ أو كثر، إلاّ أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث ادّي عنه، فلا بأس»
. والموثّق: عن الرجل يتزوّج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها، قال: «لا بأس، إنّما هو
دين عليه لها»
ونحوه
الموثّق الآخر
، والمرسل كالصحيح
، وغيرهما
.
خلافاً
للحلبي كما حكي، فأسقط بالدخول، سواء قبضت منه شيئاً أم لا، طالت مدّتها أم قصرت، طالبت به أم لم تطالب
؛ للصحاح المستفيضة
، وأُوّلت بتأويلات
غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة:
منها: حملها على ما إذا لم يكن قد سمّى مهراً معيّناً، وساق إليها شيئاً، ودخل ولم تعترض، فيكون ذلك مهرها، كما يأتي.
ومنها: حملها على قبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا.
وفي
المختلف جعل منشأ الحكم العادة بتقديم المهر كما كانت في السالف، قال: والعادة الآن بخلاف ذلك، فإن فرض أن كانت العادة في بعض الأزمان والأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدّم، وإلاّ كان القول قولها
.
قيل: ويخطر بالبال أن يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منه، حملاً للمطلق على المقيّد؛ يدلّ عليه ما في بعضها: «إذا دخل بها فقد هدم العاجل»
، فإنّهم كانوا يومئذٍ يجعلون بعضه عاجلاً وبعضه آجلاً، كما يستفاد من بعض الاخبار
، وكان معنى العاجل: ما كان دخوله مشروطاً على إعطائه إيّاها، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأنّ المرأة أسقطت حقّها العاجل ورضيت بتركه، ولا سيّما إذا كان قد أخذت بعضه، وأمّا الآجل فلا يسقط إلاّ بالأداء
.
وفيه نظر؛ لاشتراط التكافؤ في الحمل، وليس؛ لصحّة المطلق، وقصور المقيّد بحسب
السند؛ مع احتماله التقيّة كما صرّح به جماعة
.
ومع ذلك، الخروج بمثل ذلك عن المستفيضة الأوّلة المعتضدة بالأصل، والعمومات، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة جرأة عظيمة، مع كونه إحداث قول ثالث في المسألة البتّة. ومع ذلك، فلا يقبله بعض المستفيضة المسقطة، كما يظهر من التدبّر فيه والملاحظة.
وبالجملة: الأخبار المذكورة وإن صحّ أسانيدها شاذّة لا يتأتّى المصير إليها.
ولا يستقر المهر بجميعه بمجرّد الخلوة بالمرأة وإرخاء الستر على وجه ينتفي معه المانع مطلقاً على الأظهر الأشهر للأصل، وقوله تعالى «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ»
، فإنّ المراد بالمسّ هنا:
الجماع؛ للإجماع على أنّ مطلق
المسّ غير موجب للجميع، فينتفي إرادته، وهو منحصر في الأمرين إجماعاً؛ والنصوص المعتبرة به مستفيضة:
منها: الموثّقات المستفيضة المصرّحة ب: أنّه لا يوجب
المهر إلاّ الوقاع في الفرج، أصرحها الموثّق: عن رجل تزوّج امرأة، فأغلق باباً وأرخى ستراً ولمس وقبّل، ثم طلّقها، أيوجب عليه الصداق؟ قال: «لا يوجب الصداق إلاّ الوقاع في الفرج»
.
ومنها الصحيح: عن رجل تزوّج
جارية لم تدرك لا يجامع مثلها، أو تزوّج رتقاء، فأُدخلت عليه، فطلّقها ساعة أُدخلت عليه، فقال: «هاتان ينظر إليهنّ من يوثق به من النساء، فإن كنّ كما دخلن عليه فإنّ لها نصف الصداق الذي فرض لها»
الخبر.
ويؤيّدها المعتبرة في
العنن، الدالّة على أنّه ينظر سنة، فإن وقع بها، وإلاّ فسخت نكاحه ولها نصف المهر
، مع تحقق الخلوة في السنة وغيرها من المقدّمات.
خلافاً
للصدوق، فأوجب بها مطلقاً
؛ للنصوص المستفيضة وكلّها قاصرة الأسانيد أجودها الموثّق: عن المهر متى يجب؟ قال: «إذا أُرخيت الستور وأُجيف الباب» وقال: «إنّي تزوّجت امرأة في
حياة أبي
عليّ بن الحسين (علیهالسّلام)، وإنّ نفسي تاقت إليها، فنهاني أبي فقال: لا تفعل يا بنيّ، لا تأتها في هذه الساعة، وإنّي أبيت إلاّ أن أفعل، فلمّا دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان عليّ وكرهتها، وذهبت لأخرج، فقامت مولاة لها فأرخت الستر وأجافت الباب، فقلت: مه، قد وجب الذي تريدين»
.
وهو مع قصور سنده، ومخالفته لأُصول
المذهب معارض بمثله، الصريح في إيجاب أبيه عليه (علیهالسّلام) في تلك القضيّة نصف المهر، وفيه: «فلمّا رجعت إلى أبي وأخبرته كيف كان، فقال: إنّه ليس عليك إلاّ النصف» يعني نصف المهر
.
ومع ذلك فليس كالمتقدّمة عليه تعارض ما مرّ، سيّما مع احتمال الجميع الحمل على
التقيّة، فروى
العامّة عن عمر أنّه قال: من أرخى ستراً أو أغلق باباً فقد وجب عليه المهر
، وقد ذهب إليه
أبو حنيفة وكثير من العامّة
؛ لهذه
الرواية.
ولجماعة من القدماء، فأوجبوا بها ظاهراً لا باطناً
؛ جمعاً بين
النصوص، يعنون: إذا كانا متّهمين، يعني: يريد الرجل أن يدفع المهر عن نفسه، والمرأة تدفع
العدّة عن نفسها، ولكن إذا علمت أنّه لم يمسّها فليس لها فيما بينها وبين
الله تعالى إلاّ النصف.
وليس بشيء؛ لأنّه فرع التكافؤ والشاهِد عليه، وليسا؛ مع أنّ الموثّق المتقدّم لا يجري فيه
التهمة الموجبة للعمل بالظاهر.
وللإسكافي قول آخر بإلحاق مقدّمات
الوطء كإنزال الماء بغير جماع، ولمس
العورة، والنظر إليها، والقبلة بشهوة به
؛ وربما يستدلّ له بإطلاق المسّ في
الآية. وليس في محلّه؛ للإجماع حتى منه على عدم اعتبار مطلقه في
الاستقرار، وعلى تقدير التماميّة فلا يعارض شيئاً من الأدلّة الماضية، سيّما الموثّقة المتقدّمة، النافية لما اعتبره صريحاً.
وبالجملة: فهو شاذّ لا وجه له بالمرّة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۳۹-۴۸.