الآجن
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ماء تغير بعض أوصافه أو كلها بسبب طول المكث.
آجِن: اسم فاعل من أَجَن يأجُن ويأجِن- من بابي نصَر وضرَب، وهي الفصيحة كما صرّح به
ابن فارس- الماء: إذا تغيّر
أجْناً واجوناً، فهو آجِن وأَجْن وأَجين وأَجون. وربّما قالوا: أَجِن يأجَن- من باب فرِح- أَجَناً فهو أَجِن. وقد حكي: أَجُن يأجُن- من باب كرُم- اجونة وأَجانة، والجمع اجون
.
وأمّا معناه فحاصل كلماتهم:
۱- الماء المتغيّر
.
۲- المتغيّر الطعم واللون
.
۳- المتغيّر الرائحة كما عن ثعلب
، قال
ابن دريد: إذا تغيّرت رائحته من طول القِدم
.
۴- المتغيّر الطعم واللون والرائحة
.
قال
الليث: اجون الماء؛ وهو أن يغشاه العرْمض
والورق
. وأكّد غير واحد على أنّه شروب
رغم تغيّره. قيل: ومثله الآجم
، كما حكي ذلك عن
الأصمعي أيضاً
.
وأمّا الآسن، فقد حكى
الأزهري عن أبي زيد أنّه: الذي لا يشربه أحد من نتنه
. وقال الراغب: «اسن الماء... إذا تغيّر ريحه تغيّراً منكراً»
فهو أشدّ تغيّراً من الآجن، وخصّه بعض بتغيّر الرائحة دون الآجن
، لكنّ بعضهم لم يفرّق بينهما
.
إنّ المتعارف في كتب
الفقه هو لفظ الآجن، وبه ورد النصّ، وندر من عبّر عنه بالآسن
. والمراد به في الفقه: ما تغيّر بعض أوصافه أو كلّها بسبب طول المكث، سواء كان يشرب عادة أم لا يشرب. وبعضهم جعله أعمّ منه ومن المتغيّر لعارض:
۱- قال
العلّامة الحلّي: «الآجن: هو المتغيّر لطول لبثه مع بقاء الإطلاق»
.
۲- وقال
المجلسي الأوّل: «والمراد بالماء الآجن: المتغيّر من قِبل نفسه، كما فهمه الأصحاب»
.
۳- وقال
الكاشاني: «الآجن: المتغيّر اللون والطعم»
.
۴- وقال
السيد محمّد المجاهد: «والمراد بالآجن- على ما عن بعض أهل اللغة- الماء المتغيّر بنفسه لطول مكثه؛ ولعلّه لذا اقتصر جماعة في الحكم بالكراهة، خلافاً للمحكيّ عن بعض فعمّه للمتغيّر بالغير، كما عن جماعة من أهل اللغة»
.
۵- وقال
الشيخ جعفر الكبير إنّه: «الذي أفسده طول مكثه أو مطلق القذر»
.
۶- وربّما لم يصرّحوا بلفظ {الآجِن} أو {الآسن} بل تعرّضوا له بقولهم: «المتغيّر من قبل نفسه لطول المكث»
، أو «المتعفّن لطول بقائه أو لعارض»
، وشبه ذلك.
ومن مجموع هذه الكلمات وغيرها يستفاد أنّ الماء الآجن عندهم هو الماء المتغيّر بنفسه لطول مكثه أو الأعمّ منه وممّا تغيّر لعارض، والظاهر أنّ هذا هو المعنى اللغوي نفسه، وليس لدى الفقهاء اصطلاح خاصّ وإن احتملت عبارات بعضهم أنّه أخصّ من المعنى اللغوي؛ حيث ذكروا بعض قيود الحكم في التعريف، نحو: كونه مطلقاً، وعدم تغيّره بالنجاسة، قال
بحر العلوم : ويكره
الوضوء بالمشمّسِ والآجن المطلق غير
النجس.
الماء المطلق: هو كلّ ما لا يجوز سلب لفظ الماء عنه ولو أمكن إضافته إلى ما يلازمه، كما تقول: ماء الفرات؛ فإنّه لا يصحّ القول بأنّ ماء الفرات ليس ماء
.
طهارته إذا لم يتغيّر بالنجاسة بأن كان تغيّره من قِبل نفسه أو بشيء ليس بنجس، وإلّا لم يكن طاهراً
.
مطهّريّته من
الحدث و
الخبث إذا لم يسلبه التغيّر الإطلاق
، ولو زال الإطلاق لم يكن مطهّراً، كما هو واضح. واستدلّ بما يلي:
۱- بقاء اسم الماء، وهو موجب لبقاء الحكم
؛ وذلك لشمول الأدلّة الدالّة على
طهارة الماء ومطهّريته كتاباً وسنّة وإجماعاً.
۲- ما رواه الجمهور أنّه صلى الله عليه وآله وسلم توضّأ من
بئر بُضاعة- التي كان يجتمع فيها القذر- وفي رواية: أنّه توضّأ من بئر كأنّ ماءه نقاعة الحنّاء
؛ لشدّة تغيّره. قال العلّامة: «وذلك التغيّر ليس بالنجاسة، فإن كان {تغيّره} بنفسه فالمطلوب، وإن كان بغيره فبنفسه أولى {بالطهارة}»
.
۳- ما رواه الخاصّة كما سيأتي في
صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، الدالّ على مشروعية الوضوء به؛ وذلك يدلّ على كون الماء طاهراً ومطهّراً.
۴-
الإجماع، فإنّه لا خلاف بين أهل العلم في جواز الطهارة به إلّا من
ابن سيرين فمنع منه
.
كراهة شربه، كما في المهذّب
. وعلّق
أبو الصلاح الحلبي الحكم على عنوان {المتغيّر}، حيث قال: «ويكره شرب الماء... المتغيّر اللون أو الطعم أو الرائحة بغير النجاسات»
. ولعلّ من عبّر بكراهة مطلق الاستعمال- كالشيخ الطوسي في نهايته
- أراد ما يعمّ شربه أيضاً.
وقد اختلفت تعابيرهم: فعبّر بعضهم بكراهة استعماله، في حين نجد بعضاً آخر عبّر باستحباب تركه
أو اجتنابه
أو التنزّه عنه
، وجمع السيد محمّد المجاهد بين التعبيرين فقال: «ويستحبّ ترك استعمال الماء الآجن في الوضوء، ويكره ارتكابه»
. وقال
شارح الدروس: «والأحوط الاجتناب عن التغيّر بأيّ شيء كان وبأيّ نحو كان ما لم يكن ضرورة»
، وإن مال أوّلًا إلى حصر
الكراهة في التغيّر الذي يصير سبب النفرة واستكراه الطبع؛ مستشعراً ذلك من رواية الحلبي الآتية. وعلى كلّ حال، فلم نجد مخالفاً في أصل الحكم وإن نسب بعضهم وجوب الاجتناب إلى ظاهر بعض الأصحاب
. نعم، قال
الشيخ الصدوق في
الفقيه: «وأمّا الماء الآجن فيجب التنزّه عنه إلّا أن يكون لا يوجد غيره»
. وهذا وإن كان ظاهره الأوّلي
الوجوب، لكن حمل كلامه على
الاستحباب، كما هو دأب القدماء من إطلاق الوجوب على الاستحباب المؤكّد كثيراً
، أو يكون مراده بالوجوب معناه اللغوي- أي الثبوت- ويؤيّد ذلك عدم نسبة الخلاف إليه صريحاً من أحد، وعبارته في كتاب الهداية نحو ما في الرواية: «والماء الآجن... فإنّه لا بأس بأن يتوضّأ منه ويغتسل إلّا أن يوجد غيره فينزّه عنه»
. ثمّ إنّ متعلّق الحكم عند بعض مطلق الاستعمال
، وعند آخر استعماله في الطهارة أو الوضوء والغسل
.
هذا، وقيّدوا الكراهة- مضافاً إلى ما تقدّم من عدم كون التغيّر بالنجاسة وعدم سلب التغيّر إطلاق الماء- بما إذا وجد ماء غيره
، وعدل بعضهم إلى التعبير بتقييد الحكم بحال
الاختيار أو التعبير بزوال الكراهة عند
الاضطرار . واستدلّ على الكراهة بما يلي:
۱- صحيح الحلبي عن الإمام أبي عبد اللّه-
جعفر بن محمّد الصادق- عليه السلام في الماء الآجن: قال: «تتوضّأ منه إلّا أن تجد ماء غيره فتنزّه منه»
. ومنه يستفاد عدم الاختصاص بالقليل، قال في
مهذب الأحكام: «ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المعتصم وغيره»
.
۲- أنّ الآجن يُستخبث طبعاً، فكان اجتنابه أنسب بحال المتطهّر
.
الموسوعة الفقهية ج۱، ص۲۰۹-۲۱۴.