الآنية المتنجسة بموت الجرذ
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
والمراد
بالجُرَذ - وزان رُطَب-: الذكر من الفأر،
ووصفه بعضهم بالكبير،
وقال بعضهم بأنّه ضرب من
الفأر.
وقال ابن سيده: «ضرب منها أعظم من
اليربوع أكدر ذنبه إلى السواد».
وذهب
الجاحظ إلى: أنّ الفرق بين الجرذ والفأر كفرق ما بين
الجاموس والبقر والبخاتي والعِراب، قال: «والفأر ضروب، فمنها: الجرذان والفأر المعروفان. وهما كالجواميس والبقر وكالبخت والعراب».
وفي
المصباح عن بعضهم أنّه الضخم من الفئران يكون في الفلوات، ولا يألف البيوت.
ويظهر من ذلك أنّه نوع آخر من الفأر يكون كبيراً، ويعيش في البرّ، ولا يألف البيوت، فيه الذكر
والأنثى .
وقد اختلفت كلمات الفقهاء في كيفية تطهير الاناء المتنجّس بموت الجرذ على أربعة أقوال:
لزوم الغسل سبعاً مطلقاً من غير فرق بين الماء القليل والمعتصم، وهو المعروف بين المتأخرين واختاره
الصدوق والشهيد الأوّل
والمحقق الكركي
وغيرهم،
بل يظهر من كلّ مَن عبّر بالفأرة كالشيخ
وسلّار
وابن حمزة،
والشهيد في بعض كتبه،
واختاره أكثر المعاصرين.
وراجع شروحها والتعليقات عليها.
ويدلّ عليه: موثقة
عمّار الساباطي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «اغسل الاناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرّات»،
فإنّه ظاهر في الوجوب. وهو يقيِّد إطلاقات الغسل بالماء القليل والمعتصم معاً؛ لأنّه بحكم الأخصّ منها، فيحكم بلزوم السبع مطلقاً من دون فرق بين
الغسل بالقليل والكثير.نعم، تقدّم عن
السيد الخوئي إطلاق القول بعدم
اعتبار التعدّد في ماء المطر،
وأوضحنا الوجه فيه.
التفصيل بين القليل حيث يشترط غسله بالسبع، وبين الكثير فيكفي المرّة، واختاره بعض الفقهاء.
ووجهه يستفاد ممّا تقدّم في تطهير
آنية الخمر .
لزوم الغسل ثلاثاً، واختاره
الشيخ الطوسي في الخلاف
وابن إدريس وأورده المحقق الحلّي في بعض كتبه إيراداً
وتبعه العلّامة
واختاره آخرون.
ولم يفتِ هؤلاء بما في موثّق عمّار، بل حملوه على
الاستحباب بدعوى قصورالخبر عن مقاومة إطلاق أخبار أخرى معتضدة
بالاجماع المنقول في الخلاف.
وأيضاً
لاستبعاد وجوب السبع بدعوى أنّ الجرذ لا تزيد نجاسته على الكلب الذي وجب الغسل منه ثلاثاً.
ويجاب على الأوّل: بأنّ مقتضى الجمع العرفي التخصيص، فيحمل المطلق على المقيَّد، لا حمل الخاص على الاستحباب.
وعلى الثاني: بأنّه لا سبيل لنا لمعرفة ملاكات الأحكام، مضافاً إلى أنّ
إيجاب التعفير وحياة الكلب يصلح فارقاً بين الجرَذ والكلب.
الاكتفاء بالمرّة كسائر النجاسات، واختاره
المحقق في المعتبر
والعلّامة في
المختلف وغيرهما.
ووجهه هو التمسّك بإطلاق صدر رواية عمّار، وتقديم هذه الرواية على ما يعارضها؛ لأنّها مطابقة لمقتضى
البراءة الأصلية.
ويرد عليه ما تقدّم من أنّ مقتضى الصناعة حمل المطلق على المقيّد.ثمّ إنّ مقتضى إطلاق موثقة عمّار عدم
اختصاص الحكم بما مات فيه الجرذ من
الآنية ، بل يشمل ما لو مات خارجها ثمّ سقط فيها.
هل تلحق الفأرة بالجُرَذ؟
فيه قولان: القول الأوّل:
إلحاق الفأرة بالجرذ، وصرّح به
المحقق الكركي ،
بل وكذا العلّامة
حيث ألحق الفأرة بالجرذ في حكم الاستحباب وإن لم يوجب غسل الاناء منهما أكثر من سائر النجاسات. بل قد يستظهر ذلك من كلّ من عقد المسألة لعنوان (الفأرة) ولم يتعرّض إلى الجرذ، كالشيخ الطوسي
وسلّار
وابن حمزة
والشهيد في بعض كتبه
والكركي.
وعليه، فتأتي في الفأرة ما ذكر في الجرذ من الأقوال.ودليل الالحاق: هو إطلاق اسم الفأر على الجميع، فلا يتفاوت الحكم بين ضرب وآخر.
كما يمكن
الاستدلال له بما أرسله الشيخ في
المبسوط ، قال: «وروي مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الاناء».
ويمكن المناقشة:- بعد عدم حجّية المرسل- بأنّه لم يرد في الرواية عنوان (الفأرة)، بل قد ورد فيها عنوان (الجرذ)، وقد عرفت أنّ الظاهر من أهل اللغة أنّهما متغايران.
القول الثاني: عدم الالحاق، وصرّح به بعض الفقهاء،
بل يكون كسائر النجاسات؛ لعدم ورود نصّ عليه بالخصوص.وحكم بعض باستحباب السبع فيها.
لا بحث لدى المتأخرين من الفقهاء في ذلك، وإنّما تعرّض له بعض القدماء:
۱- قال سلّار- بعد أن ذكر غسل آنية الخمر سبعاً-: «وفي موت الفأرة والحيّة مثل ذلك».
وقد انفرد بذلك، ولم نجد من ذكر ذلك سواه، كما أنّنا لم نعثر فيما بأيدينا من الروايات على ما يدلّ على أنّ لموت الحيّة حكماً خاصّاً، بل إنّ
القاعدة تقتضي عدم نجاسة ما لا نفس سائلة له.
۲- وقال الشيخ الطوسي في
النهاية :«وكل ما يقع في الماء فمات فيه مما ليس له نفس سائلة فلا بأس باستعمال ذلك الماء إلّا
الوزغ والعقرب خاصة، فانّه يجب
إهراق ما وقع فيه وغسل الاناء... والوزغ إذا وقع في الماء ثمّ خرج منه لم يجز استعماله على حال»،
وصرّح في سائر كتبه بالكراهة كما سيأتي.وقال ابن البرّاج: «وأمّا ما يقع فيه (الماء) ممّا ليس له نفس سائلة- غير العقرب والوزغ- فانّه لا ينجّسه».
وقال
ابن حمزة : «وإن وقع فيه (الإناء) شيء من الحيوان ومات وفيه الماء أو ولغ فيه أو وقع فيه نجاسة، نجس الماء ووجب إهراقه وغسله- إلّا من موت ما ليس له نفس سائلة سوى الوزغ والعقرب-...».
لكن ابن إدريس قد ردّ ذلك بصورة قاطعة وأفاد بأنّ الشيخ قد رجع عن ذلك في بعض كتبه، واعتذر عن الشيخ بأنّه أورد ذلك إيراداً ورواية لا على سبيل الفتوى
والاعتقاد ، قال في
السرائر - بعد بيانه لمنزوحات البئر-: «فأمّا إذا ماتت فيها عقرب أو وزغة فلا ينجس، ولا يجب أن ينزح منها شيء بغير خلاف من محصِّل، ولا يلتفت إلى ما يوجد في سواد الكتب من خبر واحد أو رواية شاذّة ضعيفة مخالفة لُاصول المذهب، وهو انّ الإجماع حاصل منعقد: إنّ موت ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء، ولا المائع بغير خلاف بينهم، وقد رجع مصنف النهاية عمّا أورده في نهايته، وفي مصباحه
واستبصاره ومبسوطه؛ فانّه قال في تقسيمه: ويكره ما مات فيه الوزغ والعقرب خاصّة.
وقال في جمله وعقوده: وكل ما ليس له نفس سائلة لا يفسد الماء بموته فيه.
الموسوعة الفقهية، ج۱، ص۴۲۰-۴۲۴.