الأحكام المترتبة على صحة الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
من الامور المترتبة على الحكم بصحة
الإجارة ثبوت
الملكية للمستأجر على المنفعة- بالمعنى الأعم الشامل للعمل- وكذلك ثبوت الملكية للمؤجر على
الاجرة .
ويسمى حصول الملكية للمؤجر والمستأجر- الذي هو مقتضى الإجارة والمنشأ بها- بالحكم الأصلي للإجارة.
وتترتّب على ذلك أحكام وآثار اخرى نسميها بالأحكام التبعية، من قبيل التزام المؤجر
تسليم العين للمستأجر، والتزام المستأجر دفع الاجرة للمؤجر ونحو ذلك.
وفيما يلي نتعرض لكلا القسمين من الأحكام تباعاً.
لا إشكال كما لا خلاف
في أنّ المستأجر يتملّك
المنفعة في إجارة الأعيان، ويملك العمل في إجارة الأعمال بنفس العقد، كما أنّ الأجير والمؤجر يملكان الاجرة كذلك؛ لأنّ حقيقة الإجارة- كما تقدم-
التمليك للمنفعة بعوض، فإذا تحقّقت الإجارة وكانت صحيحة ونافذة حصل مضمونها لا محالة،
فمفاد عقد الإيجار ليس إلّا التمليك المنجّز دون المعلّق على القبض ونحوه؛ إذ لا موجب لتوقّف حصول التمليك على شيء آخر لا بمقتضى العقد- كما هو واضح- ولا بدليل تعبّدي خاص- كما هو الحال عليه في
بيع الصرف - لعدم دليل على ذلك، بل ظاهر أدلّة مشروعية الإجارة خلافه، ولا اختصاص لذلك بالإيجار بل هو ثابت في كلّ عقود المعاوضة، وعليه دعوى
الإجماع من
الشيخ وغيره،
قال
السيد العاملي : «يملك المؤجر الاجرة بنفس العقد بإجماع الفرقة وأخبارهم كما في الخلاف، والإجماع ظاهر
الغنية والتذكرة ، ولا أجد فيه خلافاً منّا بعد التتبّع من المقنعة إلى
الرياض ، وإنّما وجدنا الخلاف من
أبي حنيفة ومالك وغيرهما».
وهو صريح كلمات جملة من الفقهاء أيضاً،
نعم، هناك بعض
الشبهات التي قد توجب الإشكال في القول بحصول الملكية للمنفعة والاجرة من حين العقد، من قبيل ما قد يقال: من أنّ المنفعة معدومة، والملكية لا بدّ وأن تتعلّق بالموجود.
أو يقال: إنّ المنافع توجد شيئاً فشيئاً خارجاً فلا بد وأن تكون ملكيتها كذلك أيضاً.
أو يقال: إنّ النفع حيثية قائمة بالمنتفِع، فلا معنى لتمليكه له.
وهذه الشبهات ونحوها قد اتضح الجواب عنها مما تقدم في تعريف الإجارة وشرح حقيقتها، حيث قلنا: إنّ قابلية العين- كالدار للمسكونية- حيثية قائمة بها، وهي فعلية بفعلية العين وقائمة بها لا بالمنتفع.
كما أنّ معدومية المنفعة الاستقبالية حين
العقد لا يضر بامكان تعلّق الملكية بها من الآن؛ إذ ليست الملكية عرضاً حقيقياً لتتوقّف على وجود معروض خارجي فعلي، بل هي أمر اعتباري، فيكفي في صحة تعلّقها بالفعل وجود معروضها وتحققه في ظرفه، بل يمكن تعلّق الملكية بالأمر غير الخارجي أصلًا كالكلي في الذمة إذا كان يترتّب على ذلك أثر خارجاً ولو في مقام الوفاء بحيث لا يكون جعلها لغواً، وهذا كلّه واضح.
وقال
المحقق الاصفهاني في وجه تملّك المنفعة قبل وجودها: «وإنّها (الملكية) اعتبار أمر مقولي، والاعتبار لا يستدعي إلّا (وجود) الطرف في افق الاعتبار، والمنافع يقدَّر وجودها فيتعلّق بها الملك الاعتباري، وهو المصحح لطرفيه الكلّي مالكاً ومملوكاً للملك الاعتباري».
نعم، تقدم في تعريف الإجارة بحث حول حقيقة إجارة الأعمال، وأنّه هل يكون مضمونها تمليك العمل فيكون من عقود
المعاوضة ، أو التعهّد بالعمل فتكون من عقود الإدارة؟ كما ذهب إليه
الفقه الوضعي، فلا تحصل الملكية بناءً على التفسير الأخير.
وهذا بحث آخر تقدم، وقد تأتي الإشارة إليه ضمن ما يأتي.
مقتضى عقد الإجارة
استحقاق المستأجر للعمل والمنفعة، واستحقاق المؤجر
للُاجرة ،
بمعنى حصول الملكية لهما بذلك واستقرارها من دون توقّفه على شيء.
لكن يظهر من كلمات بعض الأعلام تزلزل الملكية في الاجرة.
قال السيد العاملي: «وفائدة هذا الملك مع عدم وجوب تسليمها إلّا بعد العمل أو تسليم العين كما يأتي تبعية
النماء وهو ملك متزلزل لا يستقر إلّا بعد أن يستوفي المستأجر المنافع».
وقال
المحقق النجفي : «إنّه ملك غير مستقر، وإنّما يستقر
بالاستيفاء بلا خلاف ولا إشكال، أو بما هو في حكمه».
وصرّح
السيد اليزدي بأنّه: «يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد من غير توقّف على شيء كما هو مقتضى سببية العقود، كما أنّ المؤجر يملك الاجرة ملكية متزلزلة به كذلك... وتستقر ملكية الاجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه».
ووافقه عليه بعض المحشّين أيضاً.
واعترض عليه بأنّ الملكية هنا مستقرة لا تزلزل فيها؛
لأنّ المراد من التزلزل
والاستقرار الأحكام التبعية إن كان استحقاق طلب الاجرة وتسليمها ازاء العمل وتزلزلها حال امتناع المتعامل الآخر عن
التسليم ، فهذا مضافاً إلى عدم كونه تزلزلًا في الملكية الحاصلة لا يختص بالاجرة- أي العوض- بل هو ثابت في المعوّض أيضاً الذي هو هنا المنفعة والعمل، فإنّ المطالبة بهما لا تجوز إلّا مع تسليم الاجرة؛ لأنّ الملاك في توقّف استحقاق المطالبة على التسليم في كلٍ من العوضين على حدٍّ سواء.
وإن كان المراد تزلزل ملكية الاجرة وقبولها
للفسخ أو
الرجوع ما لم تستوف المنفعة أو العمل، فهذا لا يختص بالاجرة بل جارٍ في طرف المنفعة أيضاً، قال
السيد الخوئي : «قد يطلق (التزلزل) في العقود اللازمة لأجل عروض ما يمنع عن اللزوم، وحينئذٍ فقد يفرض أنّ حدوث المانع عن الاستيفاء كاشف عن
بطلان الإجارة من الأوّل، كما لو حدث المانع بعد العقد وقبل أن يستوفي المستأجر المنفعة، أو قبل أن يتصدى الأجير للعمل...
ونتيجته عدم ملكية المؤجر للُاجرة ولا المستأجر للمنفعة... واخرى يفرض حدوثه في الأثناء... فإنّ الإجارة تنفسخ لا محالة بلحاظ هذه المدة...
وأمّا بلحاظ المدة الماضية فبطبيعة الحال يثبت للمستأجر خيار التبعّض، فإذا فسخ العقد رجع كلّ من العوضين إلى صاحبه... فالنتيجة أنّ استقرار الاجرة بالنسبة إلى هذا المقدار مشروط بعدم حدوث موجب للفسخ فيما بعد، وإلّا فلا استقرار للملكية، بلا فرق في ذلك بين الاجرة والمنفعة (فإنّ كلاهما متزلزل من هذه الجهة)».
وسنوافيك ببعض ما يرتبط بالمقام عند البحث عن الأحكام التبعية للإجارة.
•
فروع تتعلق بالحكم الأصلي، هذه فروع ومسائل تتعلق بالحكم الأصلي للإجارة وتترتب عليه، تأتي فيما يلي.
•
الأحكام التبعية للإجارة ، من جملة ما يقع البحث عنه في الأحكام التبعية للإجارة ما يجب على المؤجر والمستأجر الالتزام به وفقاً لما يقتضيه
العقد والوفاء به كوجوب تسليم العين المؤجرة وزمان تسليمها والالتزام بمؤدى عقد الإجارة ووجوب المحافظة على العين وردّها إلى المالك بعد انقضاء المدة وما إلى ذلك.
وأيضاً يقع البحث فيها عما يتعلّق بهذه الالتزامات الأصلية
كضمان العين عند التلف
والإتلاف ، وضمان غصبها وعيوبها ونحو ذلك.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۱۱۵-۲۷۷.