الإجازة ومشروعيتها
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي مشروعية التصرفات الواقعة من غير المالك.
استند الفقهاء في تصحيح التصرفات الواقعة من غير المالك- باجازته اللاحقة- إلى وجوه عديدة:
أنّه مقتضى القاعدة، وهي عمومات صحّة العقود والايقاعات كتاباً وسنةً واجماعاً، من قبيل قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»، فيتمسّك بها بعد تحقّق الرضا والإجازة من المالك.
قال
الشيخ الأنصاري : «لأنّ خلوه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد
والبيع عنه، واشتراط ترتب
الأثر بالرضا وتوقفه عليه لا مجال لإنكاره، فلم يبق الكلام إلّا في اشتراط سبق الإذن، وحيث لا دليل عليه فمقتضى الاطلاقات عدمه».......
وقد استدل بهذا النحو من العمومات جملة من الفقهاء، ولم نجد قبل المحقق الكركي في
جامع المقاصد والشهيد الثاني في
المسالك والروضة من صرّح بالاستدلال بالعمومات بهذا النحو، نعم ذهب الشيخ الأنصاري في المكاسب بأنّ ما ذكره الأصحاب من أهلية العاقد والمحلّ ورفع المانع بالإجازة من المالك يرجع إلى الاستدلال بالعمومات.
قال
المحقق الكركي : «ووجهه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، وقال
الشهيد الثاني : «عقد صدر من أهله في محله، فكان صحيحاً، ونعني بأهله: الكامل، وبمحله العين القابلة للعقد، ولا مانع من نفوذه إلّا تعلّقه بحق الغير، فإذا أجاز تمّ ودخل في عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».
وقال في موضع آخر: «وقد زال المانع بإجازته فدخل تحت الأمر العام بالوفاء بالعقد».
وقال في
الروضة : «وكلها كانت حاصلة إلّا رضا المالك، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام عمله؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود».
وقال
المحقق العاملي : «إذ ليس المراد بالعقود في الكتاب والسنة العقود الصادرة عن مباشرة الملاك وإلّا لم يدخل عقد وليّ ولا وكيل، بل المراد التي يرتضونها هم أو أولياؤهم، ويستوي فيها الرضا السابق بالتوكيل أو المقارن أو المتعقب بالإجازة ».
وقال
السيد الطباطبائي : «فيكون صحيحاً وبالإجازة يصير لازماً؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد»،
والمحقق القمي : «والعمدة في الدليل على الجواز عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وأمثاله»،
والمحقق التستري : «وكان المانع حق المالك وقد انتفى بإجازته، فيكون صحيحاً».
وذهب
المحقق النجفي أيضاً إلى تمامية الاستدلال بها، قائلًا: «فيشمله ما دلّ على صحتها ولزومها من الكتاب والسنة
والإجماع ؛ ضرورة عدم توقف صدق أسمائها على صدور لفظ العقد من غير الفضولي... وأنّ الشك إن كان فهو في شرط شرعي، وهو مباشرة المالك، أو من يقوم مقامه للفظ العقد، فيصح الاستدلال حينئذ على نفيه
باطلاق أَوْفُوا ونحوه»..
واورد عليه جملة منهم:
قال
المحقق اليزدي : «الاستدلال بالعمومات متوقف على أحد أمرين: إمّا كون المراد منها أوفوا بكل عقد من كل شخص، وكون المستفاد من دليل الرضا اعتبار وجوده في أي وقت كان بحيث يصير الحاصل أوفوا بالعقد والرضا، وهو كما ترى، وإمّا دعوى أنّ الإجازة اللاحقة توجب صدق كون العقد صادراً منه نظير الإذن السابق، فهي أيضاً كما ترى؛ إذ الإجازة لا تغيّر ما وقع عليه بحيث ينقلب النسبة».
وقال
المحقق الإيرواني : «الحقّ أنّ الأصل في معاملات
الفضولي هو الفساد، سواء قلنا: إنّ موضوع الوفاء في الآية عموم العقود على أن يجب على كل شخص أن يفي بكل عقد، أو قلنا: بأنّ كل شخص يجب أن يفي بعقد نفسه.
أمّا على الثاني فواضح؛ فإنّ عقد الفضولي ليس عقداً مضافاً إلى الأصيل حتى يجب عليه الوفاء، فيحتاج صحته بعد الإجازة إلى دلالة دليل، وأمّا على الأوّل؛ فلأنّ ما قبل الإجازة خارج بالقطع عن حكم وجوب الوفاء. وحينئذٍ فيحتاج التمسك بالآية بعد الإجازة إلى ثبوت عموم أزماني في خطاب: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ولم يثبت».
وحاصل هذا الاشكال: أنّه لا يكفي صدق العقد أو
البيع على تصرّف الفضولي ما لم يكن مستنداً إلى المالك؛ فإنّ عمومات وجوب
الوفاء بالعقود ونحوها موضوعها عقود المالكين أو من بحكمه، لا العقد الانشائي الصادر من أي أحد، وحصول الرضا المتأخر من المالك لا يحقق هذا العنوان.
وقد تفطّن المحققون إلى هذا الاشكال فأجابوا عليه: بأنّ الاجازة ليست مجرد الرضا المتأخر من المالك، وإنّما هي تنفيذ وامضاء للعقد الانشائي الواقع سابقاً. وهذا يوجب استناد المعاملة الواقعة إلى المالك؛ لأنّ المعاملات- بمعنى المسببات لا الأسباب- تصرفات وأفعال اعتبارية انشائية تقبل الاستناد إلى غير المباشر لها إذا كانت له الولاية على تلك التصرفات، فيتحقق بذلك استناد العقد أو الايقاع إلى المالك أو من بحكمه، فتشمله أدلّة الصحة والنفوذ على القاعدة.
قال
المحقق النائيني : «وإن اعتبر الرضا والاستناد معاً في صيرورة العقد عقد المالك إلّا أنّ المتيقن من اعتبارهما إنّما هو في ناحية المسببات، وأمّا صدور الأسباب ممن له حق الإجازة أو نائبه فلا دليل عليه، بل لا إشكال في عدم اعتباره؛ لأنّ في جهة الصدور لا فرق بين المالك أو الوكيل والفضولي».
وهذا ظاهر
المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي من أنّ المعتبر انتساب العقد إلى المالك، وصدق كونه عقداً وبيعاً له، وذلك يحصل بالإجازة، فيكون ذلك مشمولًا للعمومات والاطلاقات.
كما هو المستظهر من كلام السيد الخميني
في أنّ المعتبر لشمول العمومات والاطلاقات للعقد هو انتسابه إلى المالك ولو بنحو من المسامحة، كما هو الحال في عقد الوكيل المنسوب إلى الموكل بنحو من المسامحة، وهو حاصل أيضاً في عقد الفضولي مع الإجازة.
التمسّك بالسنّة الشريفة، وهي طوائف من الروايات، واردة في أبواب مختلفة، يستفاد منها صراحة، أو بالفحوى، والأولوية، أو بالتعليل، وإعطاء الضابطة الكلية، أو بإلغاء الخصوصية صحة المعاملة الفضولية بعد إجازة المالك أو من بحكمه.
وهذه الروايات على طوائف- كما قلنا- طائفة منها واردة في البيع الفضولي كصحيح
محمّد بن قيس ، روى محمّد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً، ثمّ قدم سيّدها الأوّل، فخاصم سيّدها الأخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني. فقال: خذ وليدتك وابنها، فناشده المشتري، فقال: خذ ابنه- يعني الذي باع الوليدة- حتى ينفذ- بالفاء والذال- أو ينقد- بالقاف والدال- لك ما باعك. فلمّا أخذ البيع الابن قال أبوه: أرسل ابني، فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه.
ورواية
عروة البارقي ، روى أحمد في مستنده بسنده عن عروة بن أبي جعد البارقي قال: «عرض
لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم جَلَب فأعطاني ديناراً وقال: أي عروة، ائت الجلب فاشتر لنا شاة، فأتيت الجلب فساومت صاحبه، فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما- أقودهما- فلقيني رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار، فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت: يا رسول اللَّه هذا ديناركم وهذه شاتكم، قال: وصنعت كيف؟ قال فحدثته الحديث فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه»، وروى حكيم بن حزام عن عروة بن أبي جعد البارقي أيضاً، قال: «دفع إليه صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً وقال: اشتر لنا به شاة، فاشترى به شاة ثمّ باعها بدينارين ثمّ اشترى اخرى بدينار فجاء إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة ودينار، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بارك اللَّه في صفقة يمينك».
وطائفة اخرى واردة في
نكاح الحرّ، منها ما رواه في الكافي عن
محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام: «أنّه سأله عن رجل زوّجته امّه، وهو غائب، قال: النكاح جائز، إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لُامّه»،
وطائفة ثالثة واردة في نكاح العبيد والاماء، ولحوق إجازة السيد بعد ذلك؛ معللًا بأنّه لم يعص اللَّه، وإنّما عصى سيّده، فإذا أجاز جاز.
وطائفة منها واردة في المضاربة، كصحيحة جميل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «في رجل دفع إلى رجل مالًا يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره قال: هو ضامن والربح بينهما على الشرط»، وصحيحة
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «قال في الرجل يعطى المال فيقول له: ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها، قال: فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن، وإن اشترى متاعاً فوضع فيه فهو عليه، وإن ربح فهو بينهما»،
، واخرى في الاتجار بمال
اليتيم ، كرواية محمّد بن مسلم، ورواية ربعي عن أبي عبد اللَّه،
وطائفة في التصرّف في مال الإمام من الأخماس والأنفال
إلى غير ذلك.
وهناك وجوه وتقريبات للاستدلال بكل طائفة منها، كما أنّ هناك مناقشات حول بعضها أو كلّها يطلب تفصيلها في مصطلح (بيع الفضولي).
الإجماع والشهرة: لم نجد في كلمات الفقهاء ادّعاء
الإجماع على الصحة صريحاً، نعم يمكن القول بأنّ ما ذكره العلّامة في
التذكرة :
«بيع الفضولي جائز عندنا لكن يكون موقوفاً على إجازة المالك»
مشعر بالاجماع عليه؛ كما قال
المحقق النجفي .
وعبّر
المحقق البحراني عن القول بالصحة في البيع: ب «كاد أن يكون إجماعاً».
كما ذكر السيد العاملي في مفتاح الكرامة ذلك قائلًا: «وقد تظهر دعوى الإجماع من
جامع المقاصد في باب الوكالة».
وادعى
المحقق القمي في
جامع الشتات الشهرة فيه،
كما ادعى المحقق التستري اتفاق معظم الأصحاب عليه،
وذكر المحقق النجفي القول بالصحة واصفاً له: «بالأشهر، بل المشهور، بل قيل: إنّه كاد يكون إجماعاً».
ثمّ إنّه استدل بعض الفقهاء على عدم صحّة المعاملة الفضولية حتى بالاجازة ببعض الآيات والروايات
والإجماع والعقل.
فمن الكتاب قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»
بتقريب:
أنّها دلّت بمفهوم الحصر على عدم جواز أكل المال بغير التجارة عن تراض، وبمفهوم القيد على عدم حلّية التجارة لا عن تراض، وعقد الفضولي ليس عن تراض وإن لحقته الإجازة.
وقد تمسك بها على البطلان
المحقق الأردبيلي ، قائلًا: «وبالجملة الأصل واشتراط التجارة عن تراض الذي يفهم من الآية... يدل على عدم الجواز».
وقد ظهر جواب هذا الاستدلال مما تقدم في وجه نفوذ ومشروعية الإجازة، وأنّها توجب استناد المعاملة الفضولية إلى المالك، وكونها عن تراض، قال
المحقق القمي : «فيه: أنّ
الاستثناء منقطع، وحلّية التجارة عن تراض لا ينافي حلّية ما يلحقه التراضي إذا دلّ الدليل عليه من عموم الآية والأخبار»، وقال
المحقق التستري : «أو يقال: إنّ الخطاب تعلق بالمالكين، والتجارة الصادرة من الفضولي لا يطلق عليها أنّها تجارة المالك إلّا بعد إجازته، فكأنّ تجارته وقعت عن تراض، أو يقال: إنّ الآية اشتملت على بيان التجارة الصادرة من المالكين، فيشترط وقوعها برضاهم. ويشير إلى هذا المعنى ملاحظة بقية الآية».
وقد أورد عليه
الشيخ الأنصاري بنحو ما تقدم في جامع الشتات في خصوص مفهوم الحصر، وقال في آخر كلامه بمثل ما أجاب به المقابس: «مع أنّ الخطاب لملّاك الأموال، والتجارة في الفضولي إنّما يصير تجارة المالك بعد الإجازة، فتجارته عن تراض»، وذكر
السيد الخوئي أنّ التحقيق في الجواب ما ذكره الشيخ في آخر كلامه تبعاً لصاحب المقابس.
ومن السنّة بما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الفريقين: «لا تبع ما ليس عندك»، واستدلّ به
الشيخ الطوسي ، وذكره
السيد ابن زهرة ،، واعتبره
فخر المحققين من أدلّة القائلين ببطلان بيع الفضولي، وذكر المحقق الأردبيلي بأنّها أقوى من رواية عروة البارقي دلالةً وسنداً، كما ذكرها
المحدّث البحراني ضمن أدلّة القول بالبطلان، وناقش فيه جمع من الفقهاء بعدم دلالته على البطلان، وذكر العلّامة بأنّ النهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات، واختصاص النبوي بالبيع الشخصي وهو أن يبيع العين الشخصية عن نفسه ثمّ يشتريها من مالكها ويسلّمها إلى المشتري، وأجاب نحوه المحقق التستري
والشيخ الأنصاري والسيد الخوئي، ومثله الاستدلال بالروايات التي تنهى عن بيع ما لا يملك، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا بيع إلّا في ما تملك، أو ما تملكه»، وصحيحة الصفار عن
الحسن العسكري عليه السلام: «... لا يجوز بيع ما ليس يملك»، فإنّ ظاهر هذه الروايات النهي عن بيع ما لا يملكه البائع قبل العقد، واستدل الشيخ بالنبوي قائلًا: «فنفى صلى الله عليه وآله وسلم البيع في غير الملك ولم يفصّل»، وذكر السيد ابن زهرة النبوي أيضاً ثمّ قال: «ولم يفصّل بين ما أجازه المالك وما لم يجزه»، واستدل بها أيضاً فخر المحققين، وذهب المحدّث البحراني إلى دلالة رواية الصفار على البطلان، قائلًا: «والرواية تنادي بأنّه لا يجوز الدال على التحريم، وليس ثمّة مانع يوجب التحريم سوى عدم صلاحية المبيع للنقل بدون إذن مالكه»، وناقش فيه جمع من الفقهاء أيضاً بعدم دلالتها على البطلان
كالمحقق التستري والشيخ الأنصاري وقد أجاب السيد الخوئي عمّا نقلناه عن المحدّث البحراني بأنّه: «يمكن أن يراد من الجواز المنفي عدم النفوذ الوضعي- كما فهمه الأصحاب- فإنّ إرادة النفوذ من الجواز شائع» وكذا الاستدلال بصحيحة محمّد بن القاسم: قال سألت أبا الحسن الأوّل عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً بأنّها قد قبضت المال ولم تقبضه، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: «قل له ليمنعها أشد المنع، فإنّها باعت ما لم تملكه»، وقد استدل بها المحدّث البحراني على البطلان وقال: «فلو كان بيع الفضولي صحيحاً ودفع الثمن جائزاً لما أمر عليه السلام بمنعها من الثمن أشدّ المنع معللًا ذلك بأنّها باعته ما لم تملكه»، وقد نوقش هذا الاستدلال أيضاً من قبل جمع من الفقهاء، منهم المحقق التستري، والشيخ الأنصاري،
والسيد الخوئي : بأنّ الصحيحة تدل على أنّه لا يجوز لبائع الفضولي قبض الثمن لا على بطلان بيعه، بل أضاف في الأخير: «أنّها مشعرة بصحة بيع الفضولي حيث إنّ الإمام عليه السلام قد علّل المنع عن تسليم المال بأنّه باعت ما لم تملكه، ومن الظاهر أنّه لو كان البيع فاسداً لعلّله بذلك؛ لأنّ التعليل بالأمر الذاتي أولى من التعليل بالأمر العرضي».
كما استدل على النفي بروايات اخرى:
منها: رواية الاحتجاج: «الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره أو رضا منه»، ومنها: صحيحة
محمّد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام: سأله رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل، وأهل الأرض يقولون: هي أرضهم، وأهل الاستان يقولون: هي من أرضنا، فقال: «لا تشترها إلّا برضاء أهلها»، ومنها: الروايات الدالة على عدم جواز شراء
السرقة والخيانة ، وقد نوقش الاستدلال بها من قبل عدة من فقهائنا.
بتقريب: أنّ النهي فيه
إرشاد إلى البطلان، والمراد من عدم حضور المبيع عدم التسلّط على التسليم؛ لعدم كونه مملوكاً له.
فالرواية تدل على بطلان بيع مال الغير مطلقاً ولو قصد
البيع لمالكه أيضاً.
والجواب واضح أيضاً فإنّها لا تدل على عدم الصحة والنفوذ عن المالك إذا أجاز فإنّه بيع ما عنده.
واستدل على عدم نفوذ الإجازة
بالإجماع الذي ادّعاه الشيخ في
الخلاف قائلًا: «دليلنا اجماع الفرقة، ومن خالف منهم لا يعتد بقوله»،
كما ادّعاه ابن زهرة،
وادعى
ابن إدريس عدم الخلاف في البطلان.
وقد ردّ هذا الادعاء جمع كثير من الفقهاء؛
لعدم وجود قائل به غير مدّعيه، بل قد عرفت أنّ المشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً هو القول بالصحة والنفوذ بالإجازة.
على أنّه لو فرض تحقّق مثل هذا الإجماع فاحتمال استناد القائلين بالبطلان إلى بعض الوجوه والاستدلالات المتقدمة متّجه، فيكون الإجماع مدركياً لا تعبدياً، فلا يمكن أن يكشف عن قول المعصوم عليه السلام ليكون حجة.
واستدل على البطلان بالعقل أيضاً وذلك على عدّة مقدمات:
الاولى: لا شبهة في أنّ التصرّف في مال الغير قبيح عقلًا ونقلًا.
الثانية: الفضولي متصرّف في مال الغير بالعقد عليه بدون إذنه فيكون قبيحاً ومحرّماً.
الثالثة: النهي والحرمة في المعاملة يقتضي فسادها.
فينتج ممن ذلك بطلان معاملة الفضولي.
وقد تمسك به الشيخ في الخلاف، وفخر المحققين، وذكره
المحقق الكركي دليلًا على احتمال البطلان، وتمسك به أيضاً
المحقق الأردبيلي ،
والمحقق البحراني .
وقد اورد على هذا الدليل جمع من فقهائنا
بوجوه:
منها: أنّ مجرّد انشاء البيع لا يعد تصرّفاً في المبيع عند العرف لا تصرفاً خارجياً ولا اعتبارياً.
ومنها: لو سلّم كون الانشاء الخالص تصرّفاً في المبيع لكنه لا دليل على حرمة هذا النحو من التصرف في مال الغير.
ومنها: مع التسليم بالحرمة أيضاً إلّا أنّ ذلك فيما لا يستكشف جوازه من القرائن الحالية والمقالية وإلّا فلا شبهة في جوازه بناء على أنّ مثل هذا الإذن لا يخرج العقد عن الفضولية.
ومنها: مع التسليم بجميع ما ذكر لكن إنّما يحرم الانشاء من الأجنبي مع العلم والعمد وأمّا مع الجهل بذلك أو الغفلة عنه فلا وجه لحرمته، ومن الواضح أنّ مورد بحثنا أعم من ذلك، وعليه يكون الدليل أخص من المدعى.
ومنها: أنّ النهي عن المعاملات لا يوجب الفساد.
وأخيراً: إنّ الفساد من قبل الفضولي وعدم استناد البيع إليه لا يستلزم الفساد من قبل المالك، ولا ينافي الصحة التأهلية وجواز استناده إلى المالك بالإجازة اللاحقة.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۱۵-۲۳.