الإطعام في الكفارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فيتعين في
المرتبة مع العجز عن
الصيام؛ ويجب إطعام العدد لكل واحد مد من طعام، وقيل مدان مع القدرة ولا يجزى إعطاؤه لما دون العدد؛ ولا يجوز التكرار من
الكفارة الواحدة مع التمكن، ويجوز مع التعذر؛ ويطعم ما يغلب على قوته، ويستحب أن يضم إليه أدما أعلاه
اللحم، وأوسطه
الخل، وأدناه
الملح؛ ولا يجزى
إطعام الصغار منفردين ويجوز منضمين؛ ولو انفردوا احتسب الاثنان بواحد.
فيتعيّن في
المرتّبة مع العجز عن
الصيام بالمرض المانع منه، وما حصل به مشقّة شديدة وإن رجا برءه، وما خاف به عن زيادته، ونحو ذلك، لا السفر إلاّ مع تعذّر الإقامة، وحيث انتقل الفرض إليه يتخيّر فيه بين التسليم إلى المستحق، وبين أن يطعمه، بلا خلاف أجده.
وعلى الأوّل: ففي مقدار ما يجب إطعام العدد به أقوال، أظهرها وأشهرها سيّما بين المتأخّرين أنّه يعطى لكلّ واحد مدّ اقتصاراً فيما خالف
الأصل على أقلّ ما يتحقّق به الامتثال، وهو ذلك غالباً.
وهو وإن تحقق بالأقلّ، إلاّ أنّه مندفع بالإجماع؛ مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
المماثل لها في الاستفاضة، لكن أكثرها مروي في
كفّارة اليمين، ويتعدّى الحكم منه إلى كفّارة رمضان
وقتل الخطأ بالإجماع.
مضافاً إلى
الصحيح في الأوّل: «عليه خمسة عشر صاعاً، لكلّ مسكين مدّ»
ونحوه غيره، كحديث الأعرابي المشهور المروي فيه
.
والصحيح في الثاني: «فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً»
.
ومن الأخبار الأوّلة الصحيح: «يطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين
مدّ»
.
والصحيح: عمّن قال: والله، ثم لم يفِ؟ فقال
أبو عبد الله (علیهالسّلام): «كفّارته إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً»
ونحوهما صحيحان آخران
، مرويان هما كالأوّلين وباقي المعتبرة المستفيضة في
الكافي وغيره.
مضافاً إلى روايات ثلاث، مروية في
تفسير العيّاشي، كما حكي منها: «يجزئ لكلّ
إنسان مدّ»
.
ولا معارض لهذه الأخبار، مع كثرتها، واستفاضة كلّ من الصحيح والمعتبرة منها، مع اعتضادها بالأُصول
والشهرة العظيمة، فيجب المصير إليها البتّة.
خلافاً
للخلاف، فمدّان؛ للإجماع، والاحتياط.
وهما ممنوعان في مقابلة ما مرّ، ولا شاهد له من الأخبار سوى الصحيح الوارد في
الظهار، وحمله على
الاستحباب متعيّن.
واحتمال العمل به مع تخصيصه بمورده كما وقع لبعض المتأخّرين ـ
مع كونه خرقاً للإجماع ضعيف، كضعف حمله على صورة
الاختيار وما مرّ على صورة الاضطرار جمعاً؛ لعدم الشاهد عليه، وإن حكي القول بذلك عن
النهاية والمبسوط، وتبعه
ابن حمزة، وإليه أشار بقوله: وقيل: مدّان مع القدرة وواحد مع الضرورة.
نعم يستحبّ أن يزيد على المدّ حفنةً لمئونة نحو طحنه وخبزه إن توقف على ذلك، كما في الصحيح
وغيره المروي عن تفسير العيّاشي
.
وأوجبه
الإسكافي؛ لظاهرهما. ويندفع بالأصل، وصدق
الامتثال، وما مرّ من الأخبار؛ لخلوّها عنه مع ورودها في مقام الحاجة.
وعلى الثاني: قُدّر في المشهور بالإشباع ولو مرّةً، كأن يطعموا ضحى أو عشيّة؛ للأصل، وصدق الامتثال، وفحوى ما مرّ من الأخبار، وخصوص الصحيح: «يشبعهم مرّة واحدة»
.
خلافاً
للمفيد والديلمي والقاضي فقدّروه بإشباع يوم، وهو ظاهر في المرّتين، وبه صرّح الإسكافي
. ولا دليل عليه.
واعلم أنّه لا خلاف في أنّه لا يجوز إعطاؤه لما دون العدد لتعلّق الأمر بذلك، فكما لا يحصل الامتثال في الدفع إلى غير المساكين كذا لا يحصل بالدفع إلى ما دون الستّين.
ولا يجوز التكرار في الكفّارة الواحدة مع التمكّن لتبادر الغير؛ إذ لا يسمّى المسكين الواحد المُطعَم ستّين مرّة ستّين مسكيناً، وهو واضح، ولا خلاف فيه بيننا، وبه صريح بعض المعتبرة من أخبارنا كالموثّق: عن إطعام عشرة مساكين، أو إطعام ستّين مسكيناً، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال: «لا، ولكن يعطى إنساناً إنساناً كما قال
الله تعالى»
وقريب منه الخبر الآتي مفهوماً.
وهل يجوز مع العذر لفقد العدد في البلد، مع تعذّر الإيصال إليه من غيره؟ قولان، أظهرهما وأشهرهما ذلك، بل لم نقف على مخالف هنا، وبه اعترف جماعة من أصحابنا
؛ للخبر، بل القوي: «إن لم يوجد في الكفّارة إلاّ الرجل والرجلين فيكرّر عليهم حتى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غداً»
.
وقصور
السند منجبر بالشهرة العظيمة.
واحتمال
التقية بوروده موافقاً لمذهب
أبي حنيفة، مع كون
الراوي من قضاة
العامة مدفوع بأنّ مذهبه الإطلاق، وفيه اشتراط الحكم بالضرورة. وكون الراوي من قضاتهم محلّ مناقشة لجماعة، وادّعوا كونه من
الإماميّة، فاللازم أن يقيّد به الأُصول، والرواية السابقة، بحملها على حالة التمكّن دون الضرورة، مع كونها من الأفراد النادرة فلا تحمل عليها
إطلاق الرواية.
فاندفع بذلك حجج من ظن وجوب المصير إلى التمكّن من العدد.
واحترز بالواحدة عن المتعدّدة؛ لجواز التكرار فيها بقدرها، وبه صرّح في
الدروس، ولعلّه لا خلاف فيه.
والواجب في الجنس أن يطعم ما يغلب على قوته وفاقاً للمبسوط وجماعة
؛ حملاً للإطلاق عليه.
خلافاً للخلاف
، فكلّ ما يسمّى طعاماً، مدّعياً عليه
الوفاق.
ولا بأس به؛ لموافقته للّغة المترجّح هنا على
العرف والعادة؛ لحكاية
الإجماع المزبورة، مع أنّه لم يثبت منه الحكم بكون إطلاق الطعام على غير الغالب بعنوان المجازية دون الحقيقة، والإجماع المزبور هو المستند في التعميم، حتى في كفّارة اليمين.
خلافاً
للحلّي فيها خاصّة، فأوجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم به الأهل؛ تمسّكاً بظاهر
الآية «مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ»
.
وهو محمول على الاستحباب؛ لما مرّ من
الإجماع المحكي في الباب، المعتضد بالشهرة بين
الأصحاب، مع احتماله الورود مورد الغالب، فلا تعارض بينه وبين الإطلاق.
واستقرب في المختلف إيجاب الحنطة، والشعير، والدقيق، والخبز
. وجزم
الشهيدان بإجزاء التمر والزبيب
. والأولى الاقتصار على إطعام المدّ من الحنطة والدقيق، كما في الصحيح وغيره
.
ويستحب أن يضمّ إليه إداماً ولا يجب، وفاقاً للأكثر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر؛ للأصل، وصدق الامتثال بدونه، وخلوّ أخبار المدّ والمدّين عنه، ولصريح الصحيح: «وإن شئت جعلت لهم أُدُماً»
.
خلافاً للمفيد والديلمي كما حكي
، فيجب؛ للخبرين، أحدهما الصحيح: عن أوسط ما تطعمون أهليكم، فقال: «ما تقوتون به من عيالكم من أوسط ذلك» قلت: وما أوسط ذلك؟ فقال: «الخلّ والزيت والتمر والزبيب»
الحديث، ونحوه الخبر
.
لكنّه مع قصور السند قاصر هو كالأوّل عن إفادة
الوجوب صريحاً، ومع ذلك مفسِّران للأوسط المأمور به بالإدام الخاص، المشعر بل الظاهر في عدم إجزاء غيره، ولم يقولا به؛ مضافاً الى عدم مكافأتهما لما مرّ، وظهور الأمر فيهما في الاستحباب؛ لما ظهر.
والمراد بالإدام ما جرت العادة بأكله مع الخبز، مائعاً كان كالزيت والدبس، أو جامداً كالجبن واللحم، وهو بحسب الجنس مختلف نفاسةً ورداءةً و أعلاه اللحم وأوسطه الخلّ والزيت وأدناه الملح للصحيح: «والأُدُم أدناه ملح، وأوسطه الخلّ والزيت، وأرفعه
اللحم»
.
وفي الخبر: «والوسط الخلّ والزيت، وأرفعه الخبز واللحم»
.
واعلم أنّه لا يجزئ إطعام الصغار إذا كانوا منفردين بعدد الستّين، بلا خلاف أجده إلاّ من بعض المتأخّرين، فقال بالإجزاء؛ للإطلاق
. وهو كما ترى؛ لعدم انصرافه إليهم عند
الإطلاق.
نعم ربما يستفاد من بعض المعتبرة الآتية الإجزاء فيما عدا
كفّارة اليمين، لكنّها مع قصور أسانيدها غير صريحة في الانفراد، فيحتمل الانضمام.
وقد حكم
الماتن تبعاً
للشيخ في
النهاية بأنّه يجوز إطعامهم إذا كانوا منضمّين مع الكبار، واحتسابهم من العدد بلا زيادة، لكنّهم لم يفرقوا بين كفّارة اليمين وغيرها، ونفى عنه في المبسوط والخلاف
الخلاف، وهو
الحجّة فيه إن تمّ، لا الصحيح: أيعطي الصغار والكبار سواء، والرجال والنساء، أو يفضّل الكبار على الصغار، والرجال على النساء؟ فقال: «كلّهم سواء»
لأنّه ظاهر في صورة التسليم لا الإشباع، ولا خلاف فيه كما في
المسالك، وهو ظاهر غيره
.
نعم في الصحيح: «يكون في البيت من يأكل أكثر من المدّ، ومنهم من يأكل أقلّ من المدّ، فبيّن ذلك بقوله تعالى «مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ»»
وهو ظاهر فيما ذكروه وإن ردّ بأنّ الاختلاف في الأكل يتحقق في الكبار أيضاً ـ
لكفاية الإطلاق، مع كون الاختلاف بالصغر والكبر من أظهر الأفراد.
لكن في
الموثق: «لا يجوز إطعام الصغير في كفّارة اليمين، ولكن صغيرين بكبير»
وهو مطلق لصورتي الانفراد والاجتماع، بل أظهر في الثاني جدّاً، وأظهر منه القوي الآتي، إلاّ أنّهم حملوه على الاولى، فقالوا: ولو انفردوا احتسب الاثنين بواحد جمعاً بينه وبين الصحيح المتقدّم الظاهر في الثاني.
وهو حسن، إلاّ أنّ العمل بإطلاق الموثق
أحوط وأولى، فيعدّ الصغيران بكبير مطلقاً ولو مجتمعاً، وفاقاً لابن حمزة
، وهو ظاهر إطلاق الإسكافي
والصدوق في
المقنع، لكن في كفّارة اليمين خاصّة، وظاهرهما جواز إطعام الصغار فيما عداها، وأنّهم كالرجال؛ لمفهوم الموثقة المزبورة وغيرها من المعتبرة، كالقوي: «من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً وكباراً، فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير»
فتدبّر، لكن الأحوط الإطلاق.
ومن جميع ما مرّ يظهر اشتهار جواز إطعام الصغير في الكفّارة ولو في الجملة، بل مرّ عن المبسوط والخلاف نفي الخلاف عنه.
خلافاً للمفيد
، فمنع عن إطعامهم مطلقاً، منفردين كانوا أو مجتمعين، عدّ واحد منهم باثنين أم لا.
وهو شاذّ، وإن كان أحوط، ولكن ليس بذلك اللازم، بل هو ما قدّمناه من عدّ اثنين منهم بكبير في كلّ من صورتي الانفراد والاجتماع، سيّما في كفّارة اليمين، وإن كان المصير إلى ما عليه الأكثر غير بعيد.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۴۶۳-۴۷۲.