الركوع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو واجب في كل ركعة من الفرائض والنوافل مرّة واحدة بالضرورة من الدين، والأخبار المتواترة عن سيد المرسلين و
الأئمة الطاهرين : إلاّ في
صلاة الآيات كالكسوف والخسوف والزلازل فيجب في كل ركعة خمس مرّات، بالنص و
الإجماع ، كما سيأتي في بحثها إن شاء الله تعالى.
(وهو) مع ذلك (ركن في الصلاة) تبطل بتركه فيها مطلقا، ولو في الأخيرتين من الرباعية إجماعا إلاّ من
المبسوط ، ففيه : أنها لا تبطل بتركه فيهما سهوا إن ذكره بعد
السجود، بل يسقط
السجود ويركع ثمَّ
يسجد.
ولو فسّر الركن بأنه ما تبطل الصلاة بتركه بالكلية لم يكن منافيا لذلك، لأن الآتي بالركوع بعد
السجود لم يتركه في جميع الصلاة، ولعلّه لذا صرّح بعدم الخلاف في الركنية من غير
استثناء للشيخ جماعة،
أو لشذوذه ومعلومية نسبه، أو لنفيه في الحقيقة ركنية
السجود، بمعنى عدم
بطلان الصلاة بزيادته لا ركنية الركوع.
فلا خلاف فيها إلاّ ما يحكى من المبسوط أنه حكى قولا من بعض الأصحاب بأنّ من نسي
سجدتين من ركعة أيّة ركعة كانت حتى ركع فيما بعدها أسقط الركوع واكتفى
بالسجدتين بعده، وجعل الركعة الثانية أوّلة، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة.
قيل : وأفتى به ابن سعيد في الركعتين الأخيرتين خاصة.
وفي الصحيح : عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو
سجدة أو الشيء منها، فقال : «يقضي ذلك بعينه» قال : أيعيد
الصلاة ؟ قال : «لا».
ويحتمل على بقاء المحل.
(والواجب فيه خمسة) أشياء :
(
الانحناء ) ب(قدر ما) يمكن أن (تصل معه كفّاه إلى ركبتيه) إجماعا ممن عدا أبي حنيفة، كما حكاه جماعة
حدّ
الاستفاضة ، للتأسّي، والمعتبرة، منها الصحيح : «فإذا وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحبّ إليّ أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينهما».
ويستفاد منه ومن غيره كفاية الانحناء بمقدار إمكان بلوغ رؤوس
الأصابع إلى الركبتين، وأن الزائد مستحب، وبه صرّح بعض،
بل عن خالي
العلاّمة المجلسي في
البحار أنه مذهب الأكثر.
خلافا لجماعة، فأوجبوا الزيادة.
وهو أحوط، لظهور عبائر الأكثر فيه، ومنهم جملة من نقلة
الإجماع ، كالفاضلين في المعتبر والتذكرة.
ولكن في تعينه نظر، لظهور النص المعتبر في خلافه، مع سلامته عن المعارض عدا شبهة دعوى الإجماع، ويحتمل تعلقها بالتحديد المشترك بين التحديدين، وهو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ أو الوضع، فأما خصوصه فلعلّه من
اجتهاد الناقل. مع أن ظاهر عبائر جملة آخرين من نقلة الإجماع هو ما ذكرنا، وإن كان يأباه سياق عبارتهم في
الاستدلال عليه، كما يأبى سياق عبارة النقلة السابقين في الاستدلال ما يستفاد من ظاهر عبارتهم أيضا، وهذا من أوضح الشواهد على ما ذكرنا من أن المقصود من دعوى الإجماع إنما هو
إثبات القدر المشترك ردّا على أبي حنيفة في قوله بكفاية أقلّ ما يقع عليه
اسم الانحناء. وإنما عبرنا
بإمكان الوصول لعدم وجوبه إجماعا على الظاهر، المصرّح به في بعض العبائر.
وهل يشترط في الانحناء قصد الركوع، حتى لو انحنى لا له ثمَّ ركع بقصده لم يكن زاد ركوعا، أم لا؟ وجهان، ظاهر جماعة الأول،
بل قيل : لا خلاف فيه.
ولهم الخبر : رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحطّ عليه السلام وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمَّ عاد إلى صلاته.
وقريب منه
إطلاق نحو الموثق : «لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلّي أو ترضعه وهي تتشهّد».
وعليه فلو هوى
لسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة أو لقتل حية أو لقضاء حاجة، فلما انتهى إلى حدّ الراكع وأراد أن يجعله ركوعا لم يجزئ، فإن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فيجب عليه
الانتصاب ثمَّ الهويّ للركوع، ولا يكون ذلك زيادة ركوع، صرّح بذلك الشهيد ; في
الذكرى ،
وفاقا للتذكرة و
نهاية الإحكام،
وفيها : ولا فرق بين العامد والناسي على
إشكال . قيل : من حصول هيئة الركوع، وعدم
اعتبار النية لكل جزء، كما في المعتبر و
المنتهى والتذكرة، وغايته أنه لا ينوي غيره.
وفيه نظر.
(ولو عجز) عن الانحناء الواجب (اقتصر على الممكن) منه، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. (وإلاّ) يتمكن منه أصلا ولو
بالاعتماد على شيء (أومأ) برأسه إن أمكن، وإلاّ فبعينيه، بلا خلاف، للنصوص.
(
الطمأنينة ) إجماعا، كما في
الناصريات والغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة
وغيرها،
وفي الخلاف الإجماع على ركنيتها،
وفي المنتهى بعد نقل الركنية عنه : إن عنى بها ما بيّناه فهو في موضع المنع، على ما سيأتي من عدم
إفساد الصلاة بتركه سهوا، وإن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم.
انتهى. وهو حسن. وفسّرها كباقي الأصحاب بالسكون حتى يرجع كل عضو مستقرّه وإن قلّ. قيل
: وهو معنى قول
النبي صلي الله عليه و آله وسلم في الخبر المروي في
قرب الإسناد للحميري : «إذا ركع فليتمكّن ركوعه».
قالوا : ويجب كونها (بقدر الذكر الواجب) وظاهرهم الإجماع عليه، كما في
المعتبر والمنتهى
وغيرهما.
لكنه نسبه بعض الأفاضل
إلى
السرائر وكتب الماتن خاصة، مشعرا
باختصاص هذا التحديد بها. وليس كذلك، لتصريح باقي الأصحاب أيضا بذلك جدّا، مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه، كما مضى. وهو الحجة، لا ما يقال من توقف الذكر الواجب عليها، لأنه إنما يتمّ إذا لم يزد في الانحناء على قدر الواجب، وإلاّ فيمكن الجمع بين مسمّى الطمأنينة والذكر حين الركوع مع عدمها.
(تسبيحة واحدة كبيرة، وصورتها : سبحان ربي العظيم وبحمده، أو : سبحان الله ثلاثا) وفاقا لجماعة،
للصحاح منها : عن الرجل
يسجد كم يجزيه من
التسبيح في ركوعه
وسجوده؟ فقال : «ثلاث، وتجزيه واحدة»
ونحوه آخران،
لكن بزيادة قوله عليه السلام: «تامة» بعد : «واحدة» في أحدهما. والظاهر أن المراد بالواحدة التامة التسبيحة الكبرى، وبالثلاث الصغريات، فإنّ جعل كل منهما في قالب
الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة، هذا.
مضافا إلى النصوص المصرّحة بإجزاء الثلاث الصغريات، كالصحيح : عن أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة، قال : «ثلاث تسبيحات مترسّلا، تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله»
ونحوه الموثق
وغيره مما يأتي.
وبه يتضح
إجمال الثلاث تسبيحات في الصحاح لو كان، وكذا في غيرها، كالحسن، بل الصحيح ـ كما قيل
ـ : «يجزيك من القول في الركوع و
السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلا»
ونحوه آخر
وغيره.
وفي قوله عليه السلام: «أو قدرهنّ»
إشارة إلى جواز التسبيحة الكبرى أيضا، فإنها بقدر الثلاث جدّا، مع ظهور جملة من النصوص في جوازها، منها : «أتدري أيّ شيء حدّ الركوع
والسجود؟» قلت : لا، قال : «تسبّح في الركوع ثلاث مرّات : سبحان ربّي العظيم وبحمده، وفي
السجود : سبحان ربّي الأعلى وبحمده، ثلاث مرات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبّح فلا صلاة له».
ومنها : عن التسبيح في الركوع، فقال : «تقول في الركوع : سبحان ربي العظيم، وفي
السجود : سبحان ربي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة ثلاث، والفضل في سبع»
وقريب منه غيره.
وقصورهما عن
إفادة تمام التسبيحة غير ضائر بعد وجوده في أخبار كثيرة، منها الرضوي : «فإذا ركعت فمدّ ظهرك ولا تنكس رأسك، وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك ركعت ـ ثمَّ ساق الدعاء إلى أن قال بعد تمامه : «سبحان ربي العظيم وبحمده ـ ثمَّ ساق الكلام في
السجود كذلك إلى أن قال ـ : «سبحان ربي الأعلى وبحمد».
وبالجملة بهذه الأخبار بعد ضمّ بعضها مع بعض يتّضح وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الثلاث الصغريات وواحدة كبرى، وضعف القول بوجوبها خاصة، كما عن النهاية،
وبإجزاء التسبيح مطلقا ولو واحدة صغرى مطلقا، كما عن المرتضى،
وبالتخيير بين ثلاث كبريات ومثلها صغريات مع أفضلية الكبريات، كما عن الحلبي،
وبوجوب ثلاث كبريات خاصة، كما حكاه عن بعض علمائنا في
التذكرة ،
هذا، مع دعوى الفاضل في المنتهى اتفاق كل من قال بتعيين التسبيح على ما هنا،
مؤذنا بكونه مجمعا عليه بينهم. كل ذلك مع
الاختيار .
(ومع الضرورة تجزي الواحدة الصغرى) قطعا، وفي المنتهى الإجماع عليه،
وفي المرسل المروي عن
الهداية : «سبّح في ركوعك ثلاثا، تقول : سحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرّات، وفي
السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات، لأن الله تعالى ـ إلى أن قال ـ : فإن قلت : سبحان الله سبحان الله سبحا ن الله أجزأك، والتسبيحة الواحدة تجزي للمعتلّ والمريض والمستعجل».
واعلم أن القول بتعيّن التسبيح في كلّ من الركوع
والسجود هو المشهور بين الأصحاب، بل في
الانتصار والخلاف والغنية
الإجماع عليه.
(وقيل : يجزي مطلق الذكر فيه وفي
السجود) والقائل : الشيخ في المبسوط والجمل والحلّي،
نافيا الخلاف عنه، وتبعهما أكثر المتأخرين، للأصل، والصحاح : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع
والسجود : لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أكبر؟ قال : «نعم، كلّ هذا ذكر الله».
مضافا إلى التأيّد بالحسنين أو الصحيحين المتقدمين، المتضمّنين لقوله عليه السلام: «يجزيك من القول في الركوع
والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسّلا»
وقدرهن أعم من أن يكون من التسبيحة الكبرى أو مطلق الذكر فيهما.
مع أنّ عموم ما في الصحاح ممّا هو كالتعليل لإجزاء الذكر المخصوص فيها يدفع توهم جوازه خاصة بعد التسبيح، كما عن الجامع والنهاية.
وهذا القول في غاية المتانة، لصراحة هذه الصحاح، و
اعتضادها بالأصل، والشهرة المتأخّرة، وحكاية نفي الخلاف المتقدمة، مع سلامتها عن معارضة الصحاح المتقدمة وغيرها من المعتبرة، المتضمنة لبيان ما يجزي من التسبيح في الركوع
والسجود، إذ هو أعم من
الأمر به والحكم بلزومه.
وأما ما تضمن الأمر به كالخبر : لمّا نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال لنا
رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم : «اجعلوها في ركوعكم» فلمّا نزلت : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال لنا رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم: «اجعلوها في سجودكم»
أو أنه «من لم يسبّح فلا صلاة له» كالخبر.
فمع ضعف سندهما ليسا نصّين في الوجوب، فيحتملان الحمل على الفضيلة جمعا بين الأدلة، وحذرا من
إطراح الصحاح الصريحة، فإن العمل بظاهر الأمر يوجب إطراحها بالكلية، ولا كذلك لو حمل على الفضيلة، فإنّ معه لا يطرح شيء من أخبار المسألة، هذا.
والمستفاد منها بعد ضمّ بعضها مع بعض أنّ
الأصل في ذكري الركوع
والسجود هو التسبيح، وأن غيره من الأذكار مجز عنه، ويمكن أن ينزل على هذا كلمة كلّ من عيّن التسبيح بإرادتهم كونه
الأصل ، وإن ذكر بعضهم أنه لا صلاة لمن لا يسبّح، لاحتمال إرادته نفي الصلاة مع عدم التسبيح وبدله، ألا ترى إلى الصدوق أنه قال في
الأمالي : إنه من دين الإمامية
الإقرار بأن القول في الركوع
والسجود ثلاث تسبيحات ـ إلى أن قال ـ : ومن لم يسبّح فلا صلاة له إلاّ أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي صلي الله عليه و آله وسلم بعدد التسبيح، فإنّ ذلك يجزيه.
وعلى هذا فلا خلاف والحمد لله تعالى. ولكن عدم العدول عن التسبيح أولى، خروجا عن شبهة الخلاف المشهور تحققه بين أصحابنا، وإن كان القول بكفاية مطلق الذكر لعلّه أقوى. وعليه فهل يكفي مطلقه ولو مقدار تسبيحة صغرى، ككلمة لا إله إلاّ الله وحدها، كما هو ظاهر إطلاق الصحاح وأكثر الفتاوى، أم يتعيّن منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة كبرى، كما هو ظاهر كلام الصدوق المتقدم، والحسنين المتضمنين لإجزاء الثلاث الصغريات أو قدرها
؟ وجهان، ولعلّ الثاني أظهر وأولى، حملا لمطلق النصوص على مقيّدها.
(رفع الرأس) منه (والطمأنينة في الانتصاب) إجماعا على الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر،
وللتأسي، والنصوص، منها : «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه».
ونحوه الرضوي
لكن من دون زيادة : «فإنه لا صلاة».
وظاهر إطلاقها الركنية، كما عليه الشيخ في الخلاف، مدعيا عليه الوفاق،
ويعضده القاعدة في نحو العبادة التوقيفية، إلاّ أن المشهور خلافه، بل لا يكاد يعرف فيه مخالف سواه، ولعله شاذّ، وسيأتي الكلام فيه في بحث الخلل الواقع في الصلاة.
ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين صلاتي الفريضة والنافلة، خلافا للفاضل في النهاية، فقال : لو ترك
الاعتدال في الرفع من الركوع
والسجود في صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته، لأنه ليس ركنا في الفرض وكذا في النفل.
وهو كما ترى، مع أنه شاذّ لا يرى له موافق من الأصحاب. ويكفي في هذه الطمأنينة مسمّاها
اتفاقا .
رياض المسائل، ج۳، ص۱۹۳- ۲۰۴.