الوقف على المصلحة المندرسة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(ولو وقف على مصلحة) خاصّة من مصالح المسلمين كالمساجد والقناطر وشبه ذلك (فبطلت) واندرس رسمها (قيل : يصرف في) وجوه (
البر ) كما عن الشيخ وباقي الجماعة،
من غير خلاف بينهم أجده، وصرّح به في
السرائر ،
بل ربما أشعر كلام المسالك والمهذب
حيث نسب تردّد الماتن هنا، المستفاد من نسبة الحكم إلى القيل المشعر بالتمريض، إلى الندرة بأن عليه إجماع الطائفة.
قيل : لخروجه عن ملكه بالوقف فلا يعود إليه من غير دليل، وصرفه فيما ذكر أنسب بمراعاة غرضه الأصلي.
وفيه نوع نظر، إلاّ أن
اتّفاق ظاهر كلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف حتى من الماتن لتصريحه بالحكم كما ذكره الأصحاب في الشرائع،
وعدم ظهور مخالفة منه هنا لهم سوى التردّد لعلّه كافٍ في الحكم، سيّما مع التأيّد بكثير من النصوص الواردة في نحو الوصية والنذر المعيّن الذي له مصارف مخصوصة : أنه يصرف مع تعذّرها في وجوه البرّ وسائر ما يحصل به القربة :
منها الخبر : عن
إنسان أوصى بوصيّة فلم يحفظ الوصي إلاّ باباً واحداً منها، فكيف يصنع في الباقي؟ فوقّع عليه السلام: «الأبواب الباقية اجعلها في
البر ».
ونحوه آخر طويل يتضمن : أنه أوصى رجل بتركته إلى رجل وأمره أن يحجّ بها عنه، قال
الوصي : فنظرت فإذا هو شيء يسير لا يكفي للحج، فسألت الفقهاء من
أهل الكوفة، فقالوا : تصدّق به عنه، فتصدّق به، ثم لقي بعد ذلك
أبا عبد الله عليه السلام فسأله وأخبره بما فعل، فقال : «إن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان، وإن كان يبلغ ما يحجّ به فأنت ضامن».
وفي جملة وافرة من الأخبار ما يدلّ على أن ما أوصى به للكعبة أو كان هدياً أو نذراً يباع إن كان جارية ونحوها، وإن كان دراهم يصرف في المنقطعين من زوّارها.
وفي وجوب صرفه في الأقرب إلى تلك المصلحة فالأقرب فيصرف وقف
المسجد في مسجد آخر والمدرسة إلى مثلها وهكذا، نظراً إلى تعلّق الغرض بذلك الصنف، أم يجوز الصرف في مطلق القُرَب احتمالان :
ظاهر إطلاقات الفتاوى الثاني، وعُلِّل باستواء القُرَب كلّها في عدم تناول عقد الواقف لها، وعدم قصده إليها بخصوصها، ومجرد المشابهة لا دخل لها في تعلّقه بها، فيبطل القيد ويبقى أصل
الوقف من حيث القربة.
وفيه مناقشة، فلعلّ الحكم بتحرّي الأقرب فالأقرب ليس من حيث المشابهة، بل من حيث دخوله في نوع المصلحة الخاصّة وإن تميّزت عنه بالخصوصية، فإذا زالت بقي أفراد النوع الآخر الممكنة داخلة، فكأنّ الوقف تضمّن أشياء ثلاثة : القربة، والمسجدية مثلاً، وكونه المساجد الفلانية المشخّصة، ومع زوالها و
بطلان رسمها ينبغي أن يراعَى القيدان الآخران، فإن الميسور لا يسقط بالمعسور، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، كما في بعض المعتبرة،
فالاحتمال الأوّل لا يخلو عن قوّة، وبأولويّته صرّح جماعة.
ثم إن
أصل الحكم على القول به لا ريب فيه فيما لو كان المذكور بخصوصه من المصلحة الخاصّة مما لا يعلم بانقطاعه غالباً كما ذكرناه من الأمثلة.
ولو علم انقطاعها كذلك ففي
انسحاب الحكم فيه، أو لحوقه بالوقف المنقطع الآخِر وجهان : من
إطلاق الفتاوى هنا وثمة.
وربما يظهر من بعض الأجلّة
اختصاص الحكم هنا عند الطائفة بالصورة الأُولى خاصة وجريان حكم منقطع الآخر في الثانية.
وكيف كان،
فالاحتياط لا يترك في أمثال المقام.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۱۵۴- ۱۵۷.