تشريع الإرث
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الإرث مشروع بالكتاب والسنّة و
الإجماع ،
بل هو من ضروريّات الدين.
أمّا من الكتاب فآيات عديدة وهي طوائف:
الآيات المطلقة الناظرة إلى تشريع
أصل الإرث وملاك الوراثة ومراتب الورّاث، كقوله تعالى: «وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ».
وهي تدلّ على عموميّة الإرث لكلّ
إنسان على ملاك الوراثة من الولادة والقرابة والعقد والزوجية أو الولاء.
وقوله تعالى: «وَ أُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً».
وقد دلّت على مراتب الورّاث وأنّ الأقرب رحماً من الميّت يمنع الأبعد منه عن الإرث، كما أنّها دلّت على تقديم الوصيّة على
الإرث وكونها أولى منه.
الآيات المتكفّلة لتشريع ميراث
النساء والضعاف، كقوله تعالى: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً».
وقد نزلت هذه الآية لنفي ما كان في الجاهلية من عدم توريث النساء والأطفال، فدلّت على أنّ الإرث بالنسب ثابت من اللَّه تعالى فرضاً ولازماً،
ولا حرمان لأحد من النساء والرجال بعد ثبوت الولادة والقرابة. وكذا لها دلالة على عموم الحكم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره، وعلى
بطلان التعصيب.
وقوله تعالى: «وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً».
فهي ناظرة إلى تشريع حقوق الحاضرين عند القسمة من الضعاف والمحجوبين من الأقرباء تطييباً لخاطرهم وتمشّياً مع قاعدة
التكافل العام.
الآيات المتكفّلة لتشريع اصول علم الفرائض والمواريث وبيان مقادير سهام المستحقّين وكيفيّة توزيع التركة بين أصنافهم، وهي آيات:
كقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ».
كقوله تعالى: «وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ
أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً».
كقوله تعالى: «وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ».
كقوله تعالى: «وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ
امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ».
وقوله تعالى: «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ».
وقد دلّت هذه الآيات على تقديم الديون والوصايا على الميراث، وعلى الفرائض الست وأصحاب الفروض، وأصناف الورّاث وأنواع التوريث وقاعدة الحجب، وغيرها من الكلّيات.
وأمّا السنّة فالنصوص الواردة في بيان تفاصيل المواريث متضافرة، وسيأتي استعراضها خلال الأبحاث الآتية.
كان
أهل الجاهلية يتوارثون بالنسب والسبب، إلّا أنّهم كانوا يورّثون من النسب من قاتل وحاز الغنيمة فقط ويحرمون الصغار والإناث، وأمّا السبب فكانوا يتوارثون بالحلف والمعاقدة والتبنّي. ولمّا بُعث
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوا على ما كانوا عليه في الجاهلية حتى شرّع اللَّه التوارث بالهجرة و
الإخوة في الدين. فلمّا استتب للإسلام سلطانه وأزال العصبية من نفوس أبنائه شرّع التوارث على أساس القرابة ولحمة الرحم، فخاطب المسلمين خطاباً واضحاً صريحاً، مقنّناً قاعدةً عامّة كلّية: «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ»؛
وبذلك يكون تشريع الإرث قد مرّ بعدّة مراحل:
فإنّ المسلمين أُقِرّوا على ما كانوا يتوارثون به في الجاهلية من الحلف والنصرة، فكان الرجل يقول للرجل: دمي دمك، وذمّتي ذمّتك ومالي مالك، تنصرني أنصرك، وترثني أرثك، فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به دون القرابة.
ويدلّ عليه قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ».
قال السيوري في
كنز العرفان : «هذا الحكم- أعني الميراث بالمعاهدة والمعاقدة وهو المسمى بضمان الجريرة- منسوخ عند الشافعي مطلقاً لا إرث له، وعند أصحابنا ليس كذلك، بل هو ثابت عندنا عند عدم الوارث النسبي والسببي؛ لما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه خطب يوم الفتح فقال: «ما كان من حلف في الجاهلية فتمسّكوا به فإنّه لم يزده
الإسلام إلّا شدّةً ولا تحدِثوا حلفاً في الإسلام»».
ويدلّ عليه قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ».
وما روي أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لمّا هاجر إلى
المدينة - آخا بين
المهاجرين و
الأنصار ، فكان إذا مات الرجل يرثه أخوه في الدين ويأخذ المال وكان ما ترك له دون ورثته،
ولم يرث القريب ممّن لم يهاجر.
عند ما استقرّ الإسلام واستوى على سوقه واعتنقه الناس وترسخت قيَمُهُ في النفوس شرّع اللَّه المواريث على النحو التالي:
أ- الرحم: قال اللَّه تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ»،
وتدلّ عليه الأخبار
أيضاً، بل الضرورة من الدين.
ب- الزوجية: نصّ على سهم الازواج قوله تعالى: «وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ»،
والأخبار،
بل والضرورة من الدين أيضاً.
ج- الولاء: قال اللَّه تعالى: «وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ»،
وللأخبار المستفيضة الصحيحة،
والإجماع.
الموسوعة الفقهية، ج۹، ص۲۴-۲۷.