حكم الاستحاضة الكثيرة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على المستحاضة بالاستحاضة الكثيرة امور: الأوّل- تبديل القطنة لكلّ صلاة أو تطهيرها، الثاني- تبديل الخرقة أو تطهيرها، الثالث- الوضوء لكلّ صلاة، الرابع- الإتيان بثلاثة أغسال.
وقد ادّعي عدم الخلاف في ذلك.
واستدلّ عليه:
بما دلّ عليه في
الاستحاضة المتوسّطة بضميمة أولويّة الكثيرة منها في أن يكون
تبديل القطنة واجباً فيها.
لكن اورد عليه بعدم تماميّة ما استدلّ به على وجوب التبديل في المتوسّطة كما تقدّم.
بقول أبي الحسن عليه السلام في صحيح
صفوان قال: قلت له: إذا مكثت
المرأة عشرة أيّام ترى الدم ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً، ثمّ رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة؟ قال: «لا، هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنةً بعد قطنةٍ، وتجمع بين صلاتين بغسل»،
فإنّه يدلّ على وجوب
إدخال القطنة بعد القطنة الاولى التي تخرج حين الغسل، ومعناه وجوب تبديل القطنة.
واورد عليه أيضاً بأنّ غاية ما يمكن استفادته منه وجوب إدخال القطنة بعد القطنة، وأمّا وجوب
إخراج القطنة الاولى فلا يدلّ عليه بل يدلّ على أنّ للمرأة
استدخال قطنة على القطنة الاولى واستدخال قطنة ثالثة بعد الثانية ورابعة بعد الثالثة بمقدار يسعه المحلّ.
بقول
أبي جعفر عليه السلام في خبر
الجعفي : «... فإذا ظهر
على الكرسف أعادت الغسل وأعادت الكرسف».
غير أنّه اورد عليه كذلك بأنّه ضعيف سنداً ب (
القاسم بن محمّد الجوهري )، مع أنّه قاصر دلالةً؛ إذ غاية ما يدلّ عليه هو وجوب تجديد الكرسف على تقدير إخراجه لئلّا يتنجّس به
أطراف المحلّ عند إعادته، وأمّا إذا لم تخرجه فلا يجب عليها التجديد؛ إذ لا دلالة له على وجوب إخراج الكرسف على المرأة. وعلى هذا فالحكم بوجوب تبديل القطنة مبنيّ على
الاحتياط ؛ لأنّه لا دليل عليه.
وقد ادّعي عدم الخلاف في ذلك أيضاً.
واستدلّ عليه بما دلّ على وجوب تبديل القطنة؛ لأنّ تبديل الخرقة أولى منه.
هذا، ومن الواضح أنّه لو قيل بعدم دلالة ما استدلّ به على وجوب تبديل القطنة فلا
أولويّة .
والأقوال في وجوب الوضوء وعدمه ثلاثة:
وقد نسب إلى المشهور،
وذهب إليه كثير من الفقهاء.
عدم وجوب الوضوء عليها وجواز
الاكتفاء بالأغسال، وهو ظاهر من اقتصر على ذكر الأغسال من دون تعرّض للوضوء كالشيخ الصدوق و
السيّد المرتضى في بعض كتبه و
الشيخ الطوسي والحلبي والقاضي، وممّن صرّح بهذا القول
المحقّق الأردبيلي و
السيد العاملي و
المحقّق السبزواري والبحراني
وبعض المعاصرين كالسيد الخوئي و
السيد الشهيد الصدر .
وعليه فإذا جمعت بين الصلاتين بغسل واحد اكتفت بوضوء واحد أيضاً، فلا يجب الوضوء للصلاة الثانية، وهو ظاهر
الشيخ المفيد والسيّد المرتضى في الجمل و
المحقّق الحلّي،
وهو المنقول عن
ابن طاوس ،
وجعله
الشيخ الأنصاري خير الأقوال،
ونُسب إلى جماعة من متأخّري المتأخّرين.
واستدلّ لوجوب الوضوء لكلّ صلاة في الكثيرة بقوله عليه السلام في مرسل يونس: «... فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة»، قيل: وإن سال؟ قال: «وإن سال مثل المثعب».
وتقريب
الاستدلال هو أنّ المراد بالاغتسال المأمور به هو غسل الحيض، أي تغتسل بعد أيّام أقرائها، كما في قوله عليه السلام قبل ذلك: «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها». وأمّا قوله عليه السلام: «وتتوضّأ لكلّ صلاة» فإنّما هو بيان للوظيفة المشتركة بين الأقسام الثلاثة للاستحاضة وهي الوضوء لكلّ صلاة، ويستفاد من السؤال والجواب أنّ
القدر المتيقّن من مورد هذه الوظيفة هو
الاستحاضة الكثيرة. إلّا أنّه قد اورد عليه:
بأنّ المراد من
الاغتسال غسل الاستحاضة لا الحيض، وإلّا لزم السكوت عن غسل الاستحاضة، مع أنّ بيانه أهمّ من الوضوء، وحينئذٍ فمقتضى تعلّق الظرف- أي لكلّ صلاة- بالفعلين- أي تغتسل وتتوضّأ- وجوب الغسل والوضوء معاً لكلّ صلاة، وهذا ممّا لا يمكن
الالتزام به، فلا بدّ من أن يحمل
الأمر بالاغتسال والوضوء على
الاستحباب ؛ لعدم وجوب الاغتسال لكلّ صلاة إجماعاً.
واجيب عنه بأنّ الظاهر من الغسل هو غسل الحيض كما يظهر من ملاحظة نظائره من النصوص، ولو سلّم أنّ المراد به غسل الاستحاضة فالإجماع على عدم وجوب الغسل لكلّ صلاة لا يصلح قرينةً على صرف ظهور الخبر في وجوب الوضوء لكلّ صلاة، مع أنّه يمكن أن يكون
الإجماع قرينةً على حمل الغسل على غسل الحيض أو تعلّق الظرف بالفعل الثاني لا غير.
بأنّ دلالة المرسل على وجوب الوضوء في الكثيرة ليست بالصراحة بل بالظهور و
الإطلاق ، فحاله حال بقيّة الأدلّة التي يقتضي إطلاقها وجوب الوضوء على المستحاضة بالاستحاضة الكثيرة، وهذا الإطلاق يخصّص بما دلّ على نفي وجوب الوضوء في الكثيرة، كصحيح
معاوية بن عمّار فإنّه يدلّ على أنّ المستحاضة إن ثقب دمها الكرسف وجبت الأغسال الثلاثة عليها، وإن لم يثقب الكرسف وجب عليها أن تتوضّأ لكلّ صلاة، وبما أنّ التفصيل قاطع للشركة فيستفاد من الشرطيّة الاولى أنّه إذا كان الدم ثاقباً لا يجب عليها الوضوء بل يجب عليها الأغسال الثلاثة فقط. نعم، لا بدّ من تقييدها بما إذا تجاوز؛ لدلالة أخبار الاستحاضة المتوسّطة بأنّه إذا لم يتجاوز الدم يجب عليها غسل واحد مع الوضوء لكلّ صلاة.
ومثل هذا الصحيح موثّق
سماعة المتقدّم حيث فصّل بين الدم الثاقب المتجاوز فأوجب فيه أغسالًا ثلاثة، وبين الدم الثاقب غير المتجاوز فأوجب فيه غسلًا واحداً مع الوضوء لكلّ صلاة، وهذا التفصيل دالّ على أنّ المرأة عند ثقب دمها الكرسف وتجاوزه غير مكلّفة بالوضوء. وهكذا يظهر أنّه لا مجال للتمسّك بإطلاق المرسل
لإثبات وجوب الوضوء في الكثيرة؛ لأنّه يقيّد بمدلول هذين الخبرين. وأمّا دعوى أنّ المرسل صريح في وجوب الوضوء في الكثيرة للسؤال والجواب فمردودة؛ لأنّ الظاهر من الجواب إرادة وجوب الصلاة عليها في أيّام استحاضتها في مقابل وجوب قعودها عن الصلاة في أيّام حيضها، يعني تجب عليها الصلاة بعد أيّام حيضها وإن لم ينقطع الدم عنها، بل وإن سال مثل المثعب، لا أنّه يجب عليها الوضوء وإن سال، فالسؤال والجواب راجعان إلى
أصل الصلاة لا إلى وجوب الوضوء؛ لأنّ هذا الخبر ليس في مقام بيان أحكام المستحاضة، بل وارد لبيان وجوب الصلاة عليها فقط.
وعلى هذا فالمرسل غير صريح في وجوب الوضوء على المستحاضة الكبرى، فلا وجه لرفع اليد عمّا يدلّ على عدم وجوب الوضوء عليها من صحيح معاوية ابن عمّار وموثّق سماعة المتقدّمين، بقرينة كون التفصيل قاطعاً للشركة. نعم، لو كان صريحاً فيه أمكن رفع اليد عمّا يدلّ على عدم الوجوب.
وبذلك يظهر الوجه فيه ما استدلّ به على القول بعدم وجوب الوضوء عليها مطلقاً. ثمّ إنّه بناءً على القول بأنّ الغسل لا يغني عن الوضوء، بل لا بدّ أن يكون معه الوضوء، يجب عليها الوضوء عند الغسل، وعليه فلو جمعت بين الصلاتين وجب عليها الوضوء للصلاة الاولى لا الثانية.
وهي في كلّ يوم وليلة غسل قبل
صلاة الفجر ، وغسل للظهرين يجمع بينهما، وغسل للعشاءين تجمع بينهما.
وتدلّ على ذلك أخبار كثيرة:
منها: صحيح معاوية بن عمّار: «... ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخّر هذه وتعجّل هذه، وللمغرب والعشاء الآخرة غسلًا تؤخّر هذه وتعجّل هذه، وتغتسل للصبح».
ومنها: موثّق سماعة: «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين وللفجر غسلًا».
وينبغي التعرّض هنا لعدّة امور:
يجب على المستحاضة بالاستحاضة الكثيرة عند الاكتفاء بغسل واحد للظهرين أن تجمع بينهما، وكذا في العشاءين. واستدلّ على ذلك بالأمر به في صحيح
ابن مسلم: «... فتجمع بين كلّ صلاتين بغسل».
ونحوه ما في موثّق زرارة») وصحيح صفوان.
لكن السيد الحكيم جعل المسألة مبنيّة على القول بوجوب معاقبة الصلاة للغسل وعدم تأخيرها عنه بفاصل زمنيّ حيث قال: «نعم، بناءً على عدم وجوب معاقبة الصلاة للغسل يشكل وجوب الجمع، بل لا بدّ من جواز التفريق؛ لصعوبة التفكيك بين الصلاة الاولى والثانية».
بينما قال
السيد الخوئي : إنّه يمكن الاستدلال على وجوب الجمع بين الصلاتين- ولو بناءً على عدم وجوب معاقبة الصلاة للغسل- بالأخبار الصريحة في «أنّها تغتسل وتجمع بين الصلاتين بتقديم هذه وتأخير تلك، بل يمكن أن يستدلّ بها على وجوب الفوريّة وعدم جواز التأخير بين الغسل والصلاة؛ وذلك لأنّ التأخير إذا لم يجز في الصلاة الثانية- لدلالة الروايات على أنّها لا بدّ من أن تجمع بينهما، ولا يجوز أن تؤخّر الثانية عن الاولى- لم يجز التأخير في الصلاة الاولى أيضاً بعين ذلك الملاك؛ للقطع بعدم الفرق بينهما من هذه الجهة».
اختلف الفقهاء في كون الجمع بين الصلاتين بغسل واحد عزيمة، بحيث لا يجوز التفريق بينهما وإتيان كلّ واحدة منهما بغسل مستقلّ أو رخصة، فيجوز ذلك على قولين: صريح المفيد هو الأوّل،
ومال إليه
السيد الطباطبائي ،
وهو ظاهر جماعة من الفقهاء حيث عبّروا بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد، فإنّ الظاهر منه وجوبه وعدم جواز التفريق. واختار الثاني
العلّامة الحلّي و
المحقّق الثاني والسيد العاملي والسبزواري والبهبهاني والبحراني و
السيد اليزدي وغيرهم.
واستدلّ للأوّل بظاهر جملة من الأخبار الدالّة على وجوب الجمع بين الصلاتين كخبر ابن مسلم المتقدّم ونحوه. واجيب عنه بأنّ هذه الأخبار مسوقة لبيان جواز الاكتفاء بالجمع بين الصلاتين في قبال توهّم وجوب التفريق بينهما لا لبيان وجوب الجمع بينهما تعبّداً، وعلى هذا فيجوز التفريق بينهما.
على أنّه مستفاد من جملة من الأخبار كصحيح
يونس بن يعقوب عن
الإمام الصادق عليه السلام : «... فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة».
فإنّ وقت الصلاة في تلك الأزمنة كان هو الأوقات المعهودة التي كان المسلمون يجتمعون فيها
لإقامة الصلوات حتى اشتهرت الأوقات الخمسة وصارت معهودةً بحيث ينصرف إليها اللفظ.
وببيان آخر: أنّ مقتضى هذا الصحيح وجوب الغسل على المستحاضة خمس مرّات فتغتسل بين الفجر والظهر، وبين الظهر والعصر، وبين العصر والمغرب، وبين المغرب والعشاء، وبين العشاء والفجر، أو تغتسل عند وقت كلّ صلاة.
ومثله صحيح
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «تغتسل
المرأة الدميّة بين كلّ صلاتين».
فإنّ إطلاقهما يشمل المقام أيضاً. ولكن يخرج عن هذا
الإطلاق ما إذا أرادت الجمع بين الصلاتين فالواجب عليها حينئذٍ الغسل ثلاث مرّات، وهذا تقييد لإطلاق الصحيحين؛ لأنّهما يقتضيان وجوب الغسل خمس مرّات حتى إذا جمعت بين الصلاتين، إلّا أنّ الأخبار الدالّة على جواز اقتصارها على غسل واحد عند الجمع بينهما مقيّدة لإطلاقهما. ونتيجة ذلك أنّه يجب عليها عند الجمع ثلاث أغسال وفي غير هذه الصورة يجب الغسل لكلّ صلاة.
أنّه بناءً على وجوب الوضوء مع الغسل في الاستحاضة الكثيرة هل يعتبر تقديم أحدهما على الآخر أو لا؟ قالوا: يجوز تقديم كلّ من الغسل والوضوء على الآخر هنا، وكذا في صلاة الغداة في الاستحاضة المتوسّطة؛
لإطلاق الأخبار الدالّة على وجوب الغسل والوضوء عليها من دون تقييد كلّ منهما بكونه واقعاً قبل الآخر أو بعده. وعلى هذا فإنّه يجوز تقديم كلّ منهما على الآخر، بل حتى لو اغتسلت غسلًا ترتيبيّاً جاز لها أن تأتي بالوضوء في أثناء الغسل.
ولكن مع ذلك فالأولى تقديم الوضوء
خروجاً عن
احتمال البدعة ؛ لما ورد من أنّ «الوضوء بعد الغسل بدعة»،
وإن لم يتمّ
الاستدلال به على وجوب تقديم الوضوء على الغسل.
ثمّ إنّه تقدّم أنّ بعض الفقهاء- كالسيد الخوئي- لم يفت بوجوب الوضوء مع الغسل في الكثيرة بل اعتبره على سبيل
الاحتياط ، فعلى هذا الرأي لا بدّ أن تقدّم الوضوء على الغسل، ولا يجوز لها تقديم الغسل على الوضوء، وهذا لا من أجل أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة؛ إذ معه يمكن
الإتيان به رجاءً فلا يكون الوضوء بدعةً، بل لوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الطهارة فإنّه يحتمل أن لا يكون الوضوء واجباً مع الغسل في الكثيرة واقعاً، وعليه فلو توضّأت بعد الغسل فلا تتحقّق المبادرة حينئذٍ لتخلّل الوضوء بينها وبين
الاغتسال .
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۱۱- ۱۱۹.