حكم قطع الطواف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وكذا) الحكم في (من قطع
طواف) (
الفريضة لحدث، أو لحاجة) له أو لغيره، أو لمرض.
أما الأخير فللنصّ المتقدم المنجبر ضعف سنده بالعمل والموافقة للرضوي، وفيه بعد ذكر
الحائض في أثناء الطواف وأنها تبنى بعد تجاوز النصف لا قبله : «وكذلك الرجل إذا أصابته علّة وهو في الطواف لا يقدر على إتمامه أعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه، فإن جاز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف».
وعلى ما فصّل فيهما يحمل إطلاق الصحيح بالإعادة بعروض المرض في الأثناء،
بحمله على ما إذا لم يتجاوز النصف؛ فإنّ المطلق يحمل على المقيّد بعد التكافؤ المشترط الموجود هنا ولو مع ضعف سند المفصّل، بناءً على ما مضى من انجباره بالفتوى، مضافاً إلى موافقته لما فهم من العلّة التي قدّمناها.
وأمّا الأول فللمرسل كالصحيح على الصحيح : في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه، قال : «يخرج فيتوضأ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف».
ولا معارض لهذا الخبر، مع اعتباره فينفسه، واعتضاده بالفتوى وبمفهوم التعليل الذي قدّمناه، مضافاً إلى الأخبار الواردة في الحائض و
النفساء إذا منعهما عذرهما في الأثناء.
وأمّا الثاني فللجمع بين النصوص الواردة فيه المتعارضة أكثرها تعارض العموم والخصوص المطلق، لدلالة جملة منها معتبرة متضمّنة للصحيح وغيره على البناء مطلقاً،
وجملة اخرى منها كذلك على أنه يبني على
الشوط والشوطين في النافلة ولا يبني في طواف الفريضة،
باستثناء هذه عن تلك، ويلحق ما زاد على الشوطين فصاعداً إلى ما لا يتجاوز النصف بهما، لعدم قائل بالفرق بينهما أصلاً.
وأمّا ما في المرسل كالصحيح المروي في الفقيه من جواز البناء على الأقلّ من النصف،
فلا يبلغ قوّة المعارضة للأخبار المصرّحة بالإعادة من وجوه عديدة، مضافاً إلى شذوذه وكونه مرويّاً في
التهذيب بنحو يوافق تلك الأخبار
ويضادّ ما في الفقيه، مع أنه ليس فيه تصريح بالفريضة فيحتمل النافلة، والحكم فيها ذلك اتفاقاً وروايةً. وحيث ثبت هذه الكلّية، من
اعتبار التجاوز عن النصف في عدم
الإعادة ، وعدمه في ثبوتها، ظهر صحّة التفصيل المذكور في العبارة ونحوها، وما ذكره الأصحاب من ثبوته أيضاً فيمن دخل جوف الكعبة في الأثناء، مع أنه ورد الصحيح بالإعادة مطلقاً؛
إذ ينبغي تقييده بما إذا لم يتجاوز النصف، كما هو مورد كثير من المعتبرة المتضمّنة للصحيح وغيره الواردة بالإعادة في هذه المسألة.
والجمع بالعكس بتخصيص الكلّية بهذه الصحيحة وإن أمكن إلاّ أن الجمع الأول أشهر فيتعيّن.
ثم إن إطلاق النصّ والفتوى بالإعادة مع عدم التجاوز عن النصف، وعدمها معه فيما لو نقص يشمل صور وقوعه عمداً أو جهلاً أو نسياناً، وحكي التصريح به عن المفيد والديلمي.
خلافاً لآخرين فقيّدوه بصورة النسيان وأوجبوا
الاستئناف مع العمد.
قيل : ويؤيّده
الأمر بالاستئناف إذا قطعه لدخول البيت من غير تفصيل في الأخبار.
وفيه : أن الأخبار الواردة فيه أكثرها مختصة بما إذا طاف ثلاثة أشواط، والحكم فيه الإعادة مطلقاً عمداً كان أو جهلاً أو نسياناً اتّفاقاً، والمطلق منها ليس إلاّ رواية واحدة، وحملها على ما يوافق ذلك التفصيل بتقييده بما إذا لم يتجاوز النصف كما هو مورد تلك ممكن، بل متعيّن وإن أمكن العكس لما مرّ.
وهل يجزئ الاستئناف حيث جاز البناء؟ يعطيه بعض الأخبار المتقدّمة فيمن طاف ووجد النجاسة في الأثناء.
لكن ضعف سنده يمنع عن العمل به هنا، و
الاحتياط يقتضي ترك الاستئناف.
وحيثما تعيّن عليه البناء هل يبني من موضع القطع، أو من
الركن ؟ الأحوط الأول؛ حذراً من الزيادة، وللصحيح وغيره
حيث أُمر فيهما بالحفظ من موضع القطع. واحتاط في التحرير والمنتهى
بالثاني، مع اعترافه فيهما وفي
التذكرة كما قيل بدلالة ظاهر الخبر على الأول.
نعم ظاهر ما في بعض الصحاح الوارد فيمن اختصر شوطاً من الإعادة من الحجر إلى الحجر هو الثاني،
والجمع بالتخيير لا يخلو عن وجه. وإذا شك في موضع القطع أخذ بالاحتياط كما في الدروس.
(ولو قطعه لصلاة فريضة حاضرة) جاز مطلقاً وإن لم يتضيّق وقتها بإجماع العلماء، إلاّ مالكاً، فإنه قال : يمضي في طوافه ولا يقطعه، إلاّ أن يخاف أن يضرّ بوقت
الصلاة ، كما في المنتهى.
وإذا قطع ثم (صلّى ثم) بعد الفراغ منها (أتمّ طوافه) من حيث قطع مطلقاً (ولو كان) ما طافه (دون الأربعة) أشواط، كما في صريح الغنية،
والمحكي في
الدروس عن الحلبي،
وفي غيره عن الإصباح والجامع.
وهو ظاهر الشيخ في النهاية والحلّي في السرائر،
والمحكي عن المهذّب والفاضل في
التحرير والمنتهى والتذكرة،
وفيهما إجماع
أهل العلم، وغيرهم،
حيث أطلقوا البناء وتركوا التفصيل هنا مع ذكرهم له في المسائل المتقدّمة.
ولعلّه لإطلاق الصحيح : رجل كان في طواف الفريضة فأدركته صلاة فريضة، قال : «يقطع الطواف ويصلّي الفريضة، ثم يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه»
ونحوه غيره.
ولا بأس به وإن أمكن تقييد إطلاق الخبرين بمفهوم التعليل المتقدم، وذلك لإمكان العكس، فيقيّد المفهوم بإطلاق منطوق الصحيح، لرجحانه هنا على الأوّل بالشهرة وحكاية
الإجماع . خلافاً للشهيدين في الدروس واللمعتين،
فاختارا الجمع الأوّل، وزاد أوّلهما فادّعى نُدور ما في المتن، مع أنك قد عرفت شهرته ودعوى الإجماع عليه فيما مرّ، وهو عجيب ولا سيّما من مثله.
وأعجب منه دعواه
إضافة الماتن خاصة الوتر بقوله : (وكذا للوتر) وأنه نادر، مع أن الشيخ في النهاية والفاضل في التحرير والمنتهى
ألحقوه أيضاً؛ للصحيح : عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه، فطلع الفجر، فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المساجد إذا كان لم يوتر، ثمّ يرجع فيتمّ طوافه، أفترى ذلك أفضل، أم يتمّ الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض
الإسفار ؟ قال : «ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك، ثم أتمّ الطواف بعد».
لكن ظاهر من عدا الماتن اشتراط خوف فوات الوتر، كما هو ظاهر الصحيح أيضاً، وهو أقوى. خلافاً للماتن فأطلق. وفيه مخالفة للنصّ والفتوى، ويشبه أن يكون دعوى النُّدور لهذا لا لما مضى. وللشهيدين فلم يفرقا بين الفريضة و
الوتر في جريان التفصيل فيهما.
رياض المسائل، ج۷، ص۴۸- ۵۳.