صفات القاضي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
واعلم أنّ الصفات المشترطة فيه ستّة:
التكليف بالبلوغ وكمال
العقل والإيمان بالمعنى الأخص أي: الاعتقاد بالأُصول الخمسة
والعدالة، وطهارة المولد عن
الزنا،
والعلم ولو بالمعنى الأعم الشامل
للظن الاجتهادي بالحكم الشرعي القائم مقامه بالدليل القطعي، فهو في الحقيقة علم ولو بوسيلة
الظن، فإنّه في طريق الحكم لا نفسه، والذكورة.
واعلم أنّ الصفات المشترطة فيه ستّة:
التكليف بالبلوغ وكمال
العقل والإيمان بالمعنى الأخص أي: الاعتقاد بالأُصول الخمسة
والعدالة، وطهارة المولد عن
الزنا،
والعلم ولو بالمعنى الأعم الشامل
للظن الاجتهادي بالحكم الشرعي القائم مقامه بالدليل القطعي، فهو في الحقيقة علم ولو بوسيلة
الظن، فإنّه في طريق الحكم لا نفسه، والذكورة بلا خلاف في شيء من ذلك أجده بيننا، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة كالمسالك وغيره في الجميع
،
وشرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي؛ فيما عدا الثالث والسادس، والغنية في العلم والعدالة
،
ونهج الحق للعلاّمة في العلم والذكورة
، وهو
الحجة.
مضافاً إلى
الأصل بناءً على اختصاص منصب القضاء بالإمام (علیهالسّلام)، اتفاقاً فتوًى ونصاً، ومنه زيادة على ما مضى المروي بعدة طرق، وفيها الصحيح في
الفقيه: «اتقوا الحكومة فإنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين، كنبي أو وصي نبي»
خرج منه القاضي المستجمع لهذه الشرائط بالإذن من قِبَله كما يأتي بالنص والإجماع، وليسا في فاقدها كلاًّ أو بعضاً.
أمّا فقد الثاني فظاهر، سيّما بعد ما ظهر من
الإجماع على العدم.
وأمّا الأوّل فلاختصاصه بجامع الشرائط بحكم الصراحة بالإضافة إلى بعضها،
والتبادر بالإضافة إلى آخر منها، فالأصل أقوى حجة على العدم.
مضافاً إلى الإجماع الظاهر والمحكي كما تقدم، وفحوى الصحيح المتقدم بالإضافة إلى اشتراط العدالة والعلم، ونحوه بالإضافة إلى الدلالة على اعتبارهما فحوى النصوص الآتية من نحو
مقبولة عمر بن حنظلة، ممّا أُمر فيه بالأخذ بما حكم الأعدل والأعلم.
مع أنّ الصبي والمجنون ليسا من أهل
الولاية على أنفسهما فكيف على غيرهما؟!
والكافر والفاسق وولد الزنا ليسوا من أهل
التقليد، مع تنفّر الطباع عن الأخير، والمنع عن إمامته وشهادته كالفاسق، فالقضاء أولى به.
والنصوص المستفيضة بل المتواترة في المنع عن الترافع إلى حكام الجور والظلمة وقضاة العامّة في اعتبار الإيمان والعدالة صريحة.
ومثلها النصوص الأُخر في اعتبار الذكورة ففي الخبر: «لا يفلح قوم وليتهم امرأة»
.
وفي آخر في وصية
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) لعليّ (علیهالسّلام): «يا علي ليس على المرأة جمعة» إلى أن قال: «ولا تولّي
القضاء»
فتدبّر.
والنصوص الأُخر على اعتبار العلم مضافاً إلى ما مرّ إليه الإشارة مستفيضة، بل متواترة، ففي الصحيح: «من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله تعالى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه»
.
وفيه: «أنهاك عن خصلتين ففيهما هلك من هلك: إيّاك أن تفتي الناس برأيك، وتدين بما لا تعلم»
.
ويدخل في العدالة اشتراط
الأمانة، والمحافظة على
الواجبات عن الفوات، وتوطين النفس على ترك
المحرمات.
ولا ينعقد القضاء إلاّ لمن له شرعاً أهلية
الفتوى كأن يكون مجتهداً مطلقاً لا متجزّئاً فإنّه ليس له أهليتها كما حقّق في محله مستقصى، وسيأتي الإشارة إليه في الجملة أيضاً.
ولازم ذلك أنّه لا يكفيه مجرد اطلاعه بـفتوى
الفقهاء لعدم كونه بذلك مجتهداً مطلقاً يجوز له الإفتاء والقضاء، بل ولا متجزّئاً أيضاً، بناءً على أنّ مناط
الاجتهاد مطلقاً إنّما هو العلم بمدارك الأحكام كلاًّ أو بعضاً لا الاطلاع بفتوى الفقهاء، فلو حصل له دون الأوّل لم يكن مجتهداً، كما أنّه لو انعكس فعلم بالمدارك ولم يطلع بها، كان مجتهداً مطلقاً لو علم بالمدارك كلها، ومتجزئاً لو علم ببعضها.
والأصل في اعتبار أهليّة الفتوى في صحة القضاء بعد الإجماع الظاهر والمحكي في
الروضة والمسالك وغيرهما
ما مضى من النصوص المعتبرة للعلم في الفتوى.
ونحوها الأصل، والعمومات من
الكتاب والسنّة المستفيضة، بل المتواترة الناهية عن العمل بالمظنة، ومن ليس له الأهليّة لا يحصل له سوى المظنة غالباً المنهي عن العمل بها، بل من له الأهليّة كذلك أيضاً، إلاّ أنّ
حجية ظنه مقطوع بها مجمع عليها، فهو ظن مخصوص في حكم
القطع، كسائر الظنون المخصوصة من ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة اللفظية، والأنساب، والسوق، واليد، وغيرها، ولا كذلك ظن من ليس له الأهليّة؛ إذ لا دليل على حجيته قاطعاً، بل ولا ظنيّاً، ولو سلّم الأخير فغايته إثبات الظني بمثله، وهو غير جائز بإطباق العقلاء.
ومن هنا ينقدح وجه المنع عن التجزّي؛ إذ ليس معناه إلاّ العمل بالمظنة في بعض
الأحكام الشرعية بما حصل له من المعرفة بجزئيات المدارك، والشرائط الاجتهادية المتعلّقة به خاصّة، ولا قطعيّ على حجيتها، بل ولا ظنّي أيضاً، وإن استدل لها بما يأتي من بعض الأخبار قريباً؛ لما سيظهر لك من ضعفه جدّاً.
وعلى تقدير صحته فغايته إثبات الظنّي بالظنّي، وهو مع ما فيه مما مضى فيه
دور، أو
تسلسل أيضاً، ولا كذلك
المجتهد مطلقاً؛ لقيام الدليل القاطع على حجية ظنه من الإجماع والاعتبار، المركب من مقدمات قطعية بديهية مجمع عليها: بقاء التكاليف بالأحكام، وانسداد باب العلم إليها، وعدم التكليف بما لا يطاق أصلاً، فعدم العمل بمظنته واعتبار العلم حينئذ يستلزم إمّا ارتفاع التكاليف، أو التكليف بما لا يطاق، وهما بديهيّا الفساد.
ولا إجماع في المتجزّي؛ لمكان الخلاف.
ولا اعتبار أيضاً؛ لعدم اجتماع المقدمات الثلاث له جميعاً من حيث عدم صحة دعواه
انسداد باب العلم في المسألة التي يجتهد فيها، بعد إطباق الكل واعترافه أيضاً بقصوره، واحتمال ظهور خلاف ظنّه بتتبع مدارك ما عداها، وكذا دعواه عدم التكليف بما لا يطاق (في حقّه، لأنّه في وسعه وطاقته تحصيل المعرفة بالمدارك كلها، فكيف يقول: لا يكلّفني الله تعالى بما لا يطاق) في المسألة التي أنا فيها؟!
ولا بُدّ مع ذلك أن يكون ضابطاً، فلو غلبه
النسيان لم ينعقد له القضاء كما هنا وفي
الشرائع والإرشاد والقواعد والدروس
، وغيرها
، والظاهر عدم الخلاف فيه، وتدل عليه عبارة الروضة ظاهراً
، ووجهه واضح.
وقيّده بعض الأصحاب بالضبط في محل الحكم لا مطلقاً، قال: إذ ما نجد مانعاً لحكم من لا ضبط له كثيراً مع اتصافه بالشرائط، وضبط حكم هذه الواقعة
. انتهى. ولا بأس به.
وهل يشترط علمه بالكتابة وقدرته على قرائتها وكَتْبها؟ الأشبه: نعم وفاقاً للأكثر كما في
المسالك، بل الأشهر كما في الروضة
، ونسبه في التنقيح إلى الشيخ في
المبسوط وأتباعه والحلي
.
أقول: ونسبه في
السرائر إلى مقتضى مذهبنا
، مع عدم نقل خلاف فيه أصلاً مشعراً بدعوى الإجماع عليه منّا، وعليه عامّة متأخّري أصحابنا، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً، وإن أشعر عبارة المتن وما ضاهاها بوقوع خلاف فيه، لكنهم لم يصرّحوا بالمخالف.
نعم في
التنقيح نسبه إلى قوم ولم يعرب عنهم أهم منّا أم ممّن خالفنا؟.
وحيث كان الأمر بهذه المثابة ينبغي القطع بما عليه الجماعة، سيّما مع موافقته الأصل المتقدّم إليه الإشارة، بناءً على اختصاص ما دلّ على الرخصة في القضاء للفقهاء بحكم
التبادر وغيره بعارفي الكتابة منهم لا مطلقاً، ولا مخصص له أصلا، عدا ما قيل
: من عدم اعتبار الكتابة في
النبوة التي هي أكمل المناصب ومنها تتفرع الأحكام والقضاء وقد كان رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أُمّيا لا يحسنها، كما نبّه عليه تعالى بقوله «وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ»
.
وهو كما ترى؛ لكونه بعد تسليم دلالة الآية على ذلك قياساً فاسداً لا أولوية فيه أصلاً، بل مع الفارق جدّاً؛ لأنّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)
معصوم فبعصمته وقوّة حافظته لا يحتاج إليها. ولأنّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) يمتنع عليه السهو والنسيان قطعاً، خصوصاً مع نزول الوحي إليه مكرراً، ولا كذلك القاضي من قبله لاضطراره بعدم عصمته وإمكان سهوه ونسيانه وغفلته إلى ما لا يتيسّر لغير النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) المعرفة به إلاّ بها، هذا.
وعن المبسوط أنّه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) كان عالماً بها، وإنّما كان فاقداً لها قبل
البعثة. وبه صرّح
الحلي أيضاً، فقال: والنبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوة، وإنّما لم يحسنها قبل البعثة
. وظاهره الإجماع عليه منّا.
ويشهد له جملة من أخبارنا، ففي
مجمع البحرين عن كتاب
بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار في باب أنّ
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) كان يقرأ ويكتب بكلّ لسان بإسناده إلى
جعفر بن محمد الصوفي قال: سألت أبا جعفر
محمد بن علي الرضا (صلواتاللّهعليهمأجمعين): يا بن رسول الله لِمَ سمّي النبي الأُمّي؟ قال: «ما يقول الناس»؟ قلت: يزعمون إنّما سمّي الأمّي لأنّه لم يكتب، فقال: «كذبوا عليه لعنهم الله، أنّى يكون ذلك والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ»
فكيف يعلّمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول الله ۶ يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لساناً، وإنّما سمّي
الأُمّي لأنّه كان من أهل مكة ومكة من أُمّهات القرى، وذلك قول الله تعالى في كتابه «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها»
.
وفي رواية أُخرى في الكتاب المشار إليه عن
عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال
أبو عبد الله (علیهالسّلام): «إنّ النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) كان يقرأ ويكتب ويقرأ ما لم يُكتب»
.
واعلم أنّه قد مضى ما دلّ على أنّه لا ينعقد القضاء للمرأة فلا وجه للإعادة.
وفي انعقاده للأعمى تردّد ينشأ:
من عدم نفوذ شهادته في بعض القضاء والقاضي ينفذ شهادته مطلقاً، وافتقاره إلى مشاهدة الغرماء للحكم على أعينهم، وأنّ البصر طريق إلى المحسوسات التي يحتاج القاضي إليها. ومن أنّ
شعيباً (علیهالسّلام) كان أعمى وقد كان نبياً، والبصر يقوم مقامه شاهدان. والأقرب الأشهر كما في المسالك والروضة
وشرح الشرائع
للصيمري، بل عليه عامّة من تأخّر أنّه لا ينعقد له القضاء، لا لما ذكر في توجيهه؛ لقصوره بجميع أقسامه عن إفادة الحكم بوجه يطمئنّ به، بل لمثل ما ذكرناه في اشتراط العلم بالكتابة من بلوغ الشهرة حد الإجماع؛ لعدم معروفية القائل بالخلاف من الأصحاب، وإن أشعر بوجوده بعض العبارات
.
ومن الأصل مع البناء المتقدم، وضعف دليل الخلاف بكونه قياساً مع الفارق؛ لانجبار عمى شعيب
بالعصمة والوحي، بخلاف القاضي كما مرّ.
مضافاً الى منع جماعة من الأصحاب عماه بالكلية
، هذا.
مع أنّ اشتراط المعرفة بالكتابة يستلزم اشتراط البصر، كما نبّه عليه في التنقيح قال: استدلالاً بالملزوم على اللازم
. فتدبّر.
وفي اشتراط الحرّية أيضاً تردّد ينشأ ممّا يأتي، ومن أنّ القضاء
ولاية، والعبد ليس محلاًّ لها؛ لاشتغاله عنها باستغراق وقته بحقوق المولى، وأنّه من المناصب الجليلة التي لا يليق حال العبد بها. و الأشبه عند
الماتن هنا وفي
الشرائع أنّه لا يشترط للأصل، وأنّ المناط العلم وهو حاصل، وعموم قوله (علیهالسّلام) فيما يأتي من النصوص: «فانظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئاً من قضايانا، فاجعلوه قاضياً بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً»
.
وفي الأدلّة من الطرفين نظر، فالأوّل من الأوّل: بالمنع من عدم أهليّته للولاية مطلقاً بمجرد ما ذكروه من التعليل بالاشتغال بحقوق المولى المانع من القضاء؛ إذ غايته عدم الأهليّة مع عدم إذن المولى لا مطلقاً، وهو أخص من المدّعى. والثاني منه: بأنّه مجرد دعوى، بل ومصادرة وإعادة للمدّعى.
وأمّا الأوّل من الثاني: فبعدم دليل عليه إن أُريد منه أصالة الجواز، بل الأصل يقتضي العدم كما مضى، بناء على أنّ ثمرة هذا الاختلاف إنّما هو بالإضافة إلى نصب القاضي أو انتصابه في زمان
غيبة الإمام (علیهالسّلام)، لا زمان حضوره، فإنّه في الثاني إليه، ولا اختلاف في فعله، وحينئذ فالأصل عدم جواز صرف منصبه إلى غيره والتصرف فيه بغير إذنه.
وإن أُريد منه عموم
الإذن فيما ورد من النص الآتي، ففيه: أنّه حينئذ نفس العموم لا مغايرة بينهما، وقد جعل أحدهما للآخر بالعطف مغايراً، وكلّ منهما دليلاً مستقلا.
وأمّا الثاني: فبكونه مستنبطاً لا دليل عليه أصلاً فيكون الحكم به قياساً.
وأمّا الثالث منه: فبالمنع من عمومه لغة بل غايته
الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى نحو العبد جدّاً، سيّما بملاحظة قوله تعالى «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ»
.
فإذاً المنع أقوى، وفاقاً لأكثر أصحابنا كما في المسالك
، ولا شبهة في شهرته وندرة القائل بخلافه، حيث إنّه لم يقل به أحد عدا الماتن في الشرائع وهنا، هذا. مع أنّه
أحوط أيضاً.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۸-۱۸.