ضمان المستعير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي أحكام ضمان المستعير و عدم ضمان المستعير.
(ولا يضمن التلف) المستعير (ولا النقصان لو اتّفق) كلّ منهما (بالانتفاع) المأذون فيه؛
لاستناده إلى السبب المأذون فيه. وقيل بضمان المتلف، كما عن التقي؛
لعدم تناول
الإذن للاستعمال المتلف عرفاً.
ولا ريب فيه مع عدم تحقق
التناول ، وأما مع التحقق فالأوّل أجود، ولعلّه محل الفرض كما يظهر من التعليل المتقدم، ولكنه لم يثبت إلاّ بلفظ صريح، وفي ثبوته بالإطلاق إشكال، لعدم
الانصراف إلاّ إلى غير المتلف إلاّ مع القرينة المصرّحة من عرف أو عادة فلا يضمن، كما لو أذن له باستعماله باللفظ الصريح.
(بل لا يضمن) مطلقاً، ولو تلف بدون
الاستعمال (إلاّ مع تفريط، أو عدوان، أو اشتراط) للضمان مع التلف ولو بدونهما، بلا خلاف في شيء من ذلك إلاّ من
الإسكافي في الحيوان، فحكم على
الإطلاق بالضمان.
والأصل في عدم
الضمان حيث لم يكن فيه شيء من المستثنيات بعد
الإجماع الدالّ على أمانته، كما في المهذب والمسالك وغيرهما
الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحاح، في أحدها : «ليس على مستعير عارية ضمان، وصاحب
العارية والوديعة مؤتمن».
وفي الثاني : «لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأموناً».
وفي الثالث : عن العارية يستعيرها
الإنسان فتهلك أو تسرق، قال : فقال : «إذا كان أميناً فلا غرم».
والخبر الوارد بخلافها في الحيوان
مع قصور سنده شاذّ وإن قال به الإسكافي، والتقييد بأحد المستثنيات محتمل، وبخصوص الصحيح المرتضوي : «قضى [[|علي عليه السلام]] في رجل أعار جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة أن لا يغرمها المعار»
الخبر معارض.
وفي الضمان مع أحد الأوّلين الإجماع في الغنية والتنقيح،
وحديث على اليد،
ومفهوم النصوص المتقدمة المشترطة في انتفاء الغرامة عنه
الأمانة ، وهي مع أحدهما منتفية؛ لكونه خيانة بلا شبهة فيه.
وفيه مع الثالث الإجماع في الغنية والمسالك وغيرهما،
والمعتبرة المستفيضة منها
الصحاح ، في أحدها : «إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها إلاّ أن يكون قد اشترط عليه
» ونحوه الثاني.
وفي الثالث : «جميع ما استعرت فاشترط عليك يلزمك، والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترط عليك».
وقوله : (إلاّ أن تكون العين) المعارة
استثناء من قوله : لا يضمن، أي لو كانت (ذهباً أو فضة فالضمان يلزم) على أيّ حال (وإن لم يشترط) الضمان بل أطلق ولم يتعدّ فيهما ولم يفرّط، بلا خلاف فيهما في الجملة، بل عليه الإجماع في المسالك والغنية؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة، منها زيادة على ما مرّ الصحيح «لا تضمن العارية إلاّ أن يكون اشترط فيها ضماناً، إلاّ الدنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضماناً».
والحسن كالصحيح : «ليس على صاحب العارية ضمان إلاّ أن يشترط صاحبها، إلاّ الدراهم فإنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط».
والخبر : «العارية ليس على مستعيرها ضمان، إلاّ ما كان من ذهب أو فضة فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا».
وإطلاقه كالعبارة ونحوها يقتضي انسحاب الضمان في مطلقهما ولو كانا مصوغين لا نقدين، وبه أفتى جماعة.
خلافاً لآخرين
فخصّوه بالنقدين. ولعله أظهر؛
للأصل ، وظهور الحصر فيهما من الخبرين الأوّلين المعتضدين بإطلاق الأخبار المتقدمة النافية للضمان عن مطلق العارية. ولا يعارضهما الخبر الأخير ونحوه الصحيح المتقدم المتضمن لمطلق الذهب والفضة؛ لضعفهما عن المقاومة لهما بحسب السند،
والاعتضاد بما مرّ؛ مضافاً إلى الأصل، والنصوص الدالّة على انتفاء الضمان عن اليد حيث كانت مؤتمنة بعنوان الكلية،
فالإعراض عنهما أجدر.
مع إمكان الجمع بينهما وبين الأوّلين بتقييدهما بهما، وإن أمكن العكس؛ لكون التعارض بينهما تعارض العموم من وجه، كما ذكره بعض الأصحاب فقال : وقع
التعارض بين المستثنى منه في خبر الدنانير والدراهم، وحاصله لا ضمان في غير الدراهم والدنانير، وبين المستثنى في خبر الذهب والفضة والنسبة بين الموضوعين عموم من وجه فمادّة
التصادق هو من الذهب والفضّة غير النقدين، فيدلّ الأوّل على عدم الضمان فيه والثاني على الضمان، ومادة تفارق الأوّل عن الثاني هو نحو الثوب، ومادة تفارق الثاني عن الأوّل النقدان، ولا إشكال في مادة التفارق؛
لإمكان الجمع بين المتعارضين فيهما، فيعمل في المادة الأُولى بما دل على نفي الضمان فيها، وفي الثانية بما دل على ثبوت الضمان فيها، وإنما
الإشكال في مادة التصادق وهو الذهب والفضة غير النقدين، فيمكن فيها العمل بما دل على نفي الضمان فيه، ويمكن العكس، ولكن الأوّل أظهر؛ لما ظهر في المتن من أوفقيته بالأصل والأخبار الدالة على عدم الضمان في مطلق العارية وفي مطلق الأمين،
[۴۲] لا يمكن ترجيح الثاني بعموم اليد؛ لأنه مخصص بإطلاقات تلك الأخبار، فلا يمكن العمل عليه بعمومه (منه رحمه الله).
يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر، فإن خصّص الأوّل بالثاني كان الحاصل : لا ضمان في غير الدراهم والدنانير إلاّ أن يكون ذهباً أو فضة، وإن خصّص الثاني بالأوّل كان الحاصل : كلّ من الذهب والفضة مضمونان إلاّ أن يكون غير الدراهم والدنانير.
انتهى.
وحينئذٍ
فالأمر المشترك بين الحكمين ثابت وهو حصول الضمان في الدنانير والدراهم، فلا بُدّ من استثناء هذا الحكم من عموم النصوص الدالة على عدم الضمان في مطلق العارية وتبقى في غير النقدين عن المعارض سليمة، فإذاً المتجه عدم الضمان فيما عداهما من مطلق الذهب والفضة.
ثم إن ضمانهما يسقط باشتراط سقوطه، بلا خلاف؛ للصحيح : «جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه، إلاّ الذهب والفضة فإنهما يلزمان، إلاّ أن يشترط أنه متى توى لم يلزمك تواه»
الخبر.
(ولو استعار من الغاصب مع العلم) بالغصب (ضمن) كلا من المنفعة والعين مع التلف مطلقاً، ولو لم تكن عاريتها عارية مضمونة.(وكذا لو كان جاهلاً، لكن)
استقرار الضمان هنا على الغاصب، إلاّ إذا كانت مضمونة فيضمن العين خاصة.
وللمالك في المقامين
إلزام أيّهما شاء بالعين التالفة وما استوفاه من المنفعة، فإن ألزم المستعير كان له أن (يرجع) هو (على المعير بما يغرم) مع جهلة؛ لأنّه أذن في استيفائها بغير عوض عنها وعن العين لو تلفت. ولا كذلك مع علمه؛ لاستقرار الضمان عليه بسببه فليس له الرجوع بما غرمه. وإن ألزم الغاصب لم يرجع على المستعير، إلاّ مع علمه أو كون العين مضمونة فيرجع عليه فيهما؛ لاستقرار
الضمان عليه في الأوّل، وإقدامه في الثاني على الضمان مع صحة
العارية فكذا عليه الضمان مع الفساد؛ للقاعدة الكلية أن كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، لكن هذا لا يوجب إلاّ ضمان العين دون المنفعة، فإنها ليست بمضمونة بالكلية ولو في الذهب والفضة، بل المضمون فيهما هو العين خاصة.
ولا خلاف في شيء من ذلك فيما أجده إلاّ من الماتن في الشرائع والفاضل في القواعد،
فلم يجوّزا رجوع المالك إلى المستعير مع جهله؛لضعف مباشرته بغروره والسبب الغارّ أقوى.والمشهور الأوّل؛ لما تقرّر في كلامهم من أن كل من ترتّبت يده على المغصوب فإن يده يد ضمان، عالماً كان أو جاهلاً، ولعله لعموم على اليد، وهو أقوى.
وفي الموثق والمرسل : «إذا استعيرتْ عارية بغير
إذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن».
وهما على إطلاقهما شاذّان إن نزّلا على مفروض المسألة، وإن حملا على ظاهرهما من كون المستعير هو الغاصب فلا كلام فيهما.
ومن نادر وإطلاق العبارة هنا وفي الشرائع في عدم رجوع المستعير على المعير بما غرم مع الجهل إذا كانت العارية مضمونة، فجوّزه هنا أيضاً؛ بناءً على أن
استحقاق العين أوجب فساد العارية فلا تكون عليه مضمونة.
ويضعّف بأن غروره في الغصب لا مدخل له هنا في الضمان؛ لأنه ليس من حيث الغصب، بل من حيث كونها عارية مضمونة ودخوله على ذلك، فإذا تبيّن فسادها لحقها حكم الفاسد بالصحيح، كما سلف من القاعدة.
رياض المسائل، ج۹، ص۴۴۵-۴۵۱.