قاعدة لاتعاد للأجزاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هل الحكم بعدم
الإعادة بمقتضى حديث «لا تعاد» يختص بما اعتبر في الصلاة جزءً، أو يعمّه مع ما اعتبر فيها شرطاً ولا يشمل الخلل الواقع فيما اعتبر فيها على وجه المانعية، أو يعمّهما مع ما اعتبر فيها مانعاً؟ احتمالات نذكرها فيمايلي.
ما رجّحه
المحقّق النائيني من
الاختصاص بالإخلال في الأجزاء والشرائط وعدم التمسّك بالحديث للإخلال بترك المانع، فإنّه بعد أن ذكر الاحتمالات الثلاثة قال: «ثانيها أوسطها».
التعميم لترك الجزء أو الشرط أو فعل المانع، وهو ما ذهب إليه المشهور من المحققين.
اختصاص حديث «لا تعاد» بالإخلال بالأجزاء فقط، وعدم شموله للإخلال بالشرائط فضلًا عن الموانع، وهذا لا قائل به وإنّما ذكره المحقّق النائيني بعنوان أحد الاحتمالات في المسألة.
ثمّ ناقشه واستدلّ على بطلانه، حيث قال: «ودعوى أنّ حديث «لا تعاد» مقصور بالأجزاء دون الشرائط يدفعها
اشتمال (لا تعاد) على الشرائط كالقبلة والطهور».
أمّا القول الأوّل- وهو اختصاصه بالأجزاء والشرائط وعدم شموله للموانع- فقد استدلّ عليه بأنّ قوله عليه السلام: «لا تعاد» الصلاة- مع قطع النظر عمّا ذكر فيه من
الاستثناء - ليس فيه ما يدلّ على
إرادة العموم لكي يشمل الأجزاء والشرائط والموانع، وبالنظر إلى المستثنى يشمل الأجزاء والشرائط، ولا دلالة فيه على شمول المستثنى منه للموانع أيضاً.
وتوضيحه: أنّ المقدّر في طرف المستثنى منه هو الخلل الواقع فيما يعتبر في الصلاة، فمعنى قوله عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّامن خمسة» أنّه لا تعاد بالإخلال بشيء من الصلاة إلّاإذا كان واحداً من الخمسة، ففي نفي الإعادة بالإخلال بشيء من الصلاة جهة عموم وجهة إطلاق، وحيث إنّه نكرة في سياق النفي يفيد العموم من المراد من مدخول النفي وهو الشيء، فيصير مفاد (لا تعاد) عدم الإعادة بالإخلال بكلّ شيء ممّا يعتبر في الصلاة، ومن حيث إرادة الأجزاء أو الشرائط أو الموانع أو الاثنين منها أو الجميع يكون بالإطلاق، فإذا اريد من الشيء الأجزاء فقط يكون نفي الإعادة بالنسبة إلى الخلل الواقع في الأجزاء على سبيل العموم، فكلّ جزء جزء على نحو
العامّ الاستغراقي لا يكون الخلل فيه موجباً للإعادة إلّاما كان منه معدوداً في طرف المستثنى، وإذا اريد منه الشرائط فقط يكون عموم نفي الإعادة بالنسبة إلى الخلل الواقع في الشرائط، وإذا اريد منه الموانع يكون العموم بالنسبة إلى الموانع، وإذا اريد الجميع يكون العموم بالنسبة إلى الجميع، وأمّا عموم النفي فليس دليلًا على إرادة العموم و
الإطلاق من المنفي، ومع قطع النظر عن المستثنى لا توجد قرينة تدلّ على إرادة الإطلاق من الشيء، وحيث إنّ اعتبار الأجزاء متقدّم على اعتبار الشرائط والموانع تكون الأجزاء هو المتيقّن لكن بعد استثناء الشرائط وأخذها في المستثنى- وهي: الطهور والقبلة والوقت- يعلم إرادة الشرائط في المستثنى منه قطعاً.
وأمّا بالنسبة إلى الموانع فليس على إرادتها دليل، فالصحيحة تدلّ على عدم الإعادة بالإخلال بالأجزاء والشرائط، وليس فيها دلالة على عدم الإعادة للإخلال بالموانع.
: أنّ الشيء المقدّر في قوله عليه السلام: «لا تعاد الصلاة»، أي من شيء له عموم أفرادي وإطلاق أحوالي، فباعتبار العموم الأفرادي حيث إنّه نكرة في سياق النفي يشمل كلّ فرد من أفراد الشيء بنحو العامّ الاستغراقي، وباعتبار إطلاقه الأحوالي يشمل حالة كون ذلك الشيء جزءً أو شرطاً أو مانعاً، فلو شمل الجميع بالإطلاق فبالعموم الأفرادي يشمل كلّ فرد من أفراد الجزء، وكذلك بالنسبة إلى الشرط والمانع، فشموله للموانع والشروط مضافاً إلى الأجزاء يحتاج إلى ثبوت إطلاق للشيء مضافاً إلى عمومه الأفرادي، والدليل على عموم الشيء بنحو
الاستغراقي موجود، ولكن لا دليل في الحديث على ثبوت الإطلاق له بحيث يشمل الحالات الثلاثة، أي الأجزاء والشرائط والموانع. ولكن حيث إنّ الخمسة المستثناة مشتملة على الأجزاء والشرائط دون الموانع، فبحكم وحدة السياق لابدّ وأن يكون المراد في طرف المستثنى منه أيضاً أعمّ من الأجزاء والشرائط، ولا دليل على شموله للموانع.
وقد نوقش فيه:
أوّلًا: بأنّ المقدّر هو
الإخلال لا الشيء بمعنى أنّ العرف يفهم من قوله عليه السلام: «لا تعاد الصلاة»، أي لا تعاد من الإخلال بها، فيكون للإخلال عموم حسب المتفاهم العرفي باعتبار سببه أيّ إخلال، من أيّ ناحية وأيّ سبب إلّامن ناحية الخمسة المستثناة، فيشمل الموانع بنفس العموم.
وثانياً: بأنّ مصبّ العموم لكلمة (الشيء) - على تقدير أن يكون هو المقدّر- هو الأجزاء والشرائط والموانع، وذلك من جهة أنّ المراد من عدم وجوب إعادة الصلاة من الخلل الوارد عليها من ناحية كلّ شيء من الأشياء التي لها دخل في تحقّق حقيقة الصلاة إمّا وجوداً أو عدماً، فما هو دخيل وجوداً قيداً وتقييداً فهو الجزء، وما هو دخيل وجوداً تقييداً لا قيداً فهو الشرط، وما هو دخيل عدمه- أي الصلاة مقيّدة بعدمه- بنحو يكون التقييد داخلًا دون القيد فهو المانع، فالحديث بعمومه يشمل الأجزاء والشرائط والموانع.
وقد يستدلّ عليه أيضاً بظهور حديث «لا تعاد» في نفي الإعادة من ناحية نقصان جزء أو شرط معتبر في الصلاة، لا الإتيان بشيء يكون عدمه شرطاً، وهو المعبّر عنه بالمانع؛ لأنّها ذكرت ما فرضه اللَّه سبحانه في الصلاة وما هو سنّة فرضه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي تنظر إلى
الإتيان بالامور اللازمة في الصلاة والخلل الحاصل من عدم الإتيان ببعضها؛ ولهذا فرّع في بعض الروايات على ذلك بقوله عليه السلام: «فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة، ومن نسي فلا شيء عليه»،
فالمقدّر هو الشيء الذي أخلّ به المكلّف فلم يأت به، فلا يشمل الإخلال الناشئ من الإتيان بالزيادة أو أيّ مانع آخر.
وهذا
الاستدلال أيضاً غير تامّ؛ لما سيأتي في وجه القول الثاني.
وأمّا القول الثاني- وهو شمول حديث «لا تعاد» للأجزاء والشرائط والموانع- فقد استدلّ عليه بوجوه:
دعوى الفهم العرفي بحسب المناسبات و
إلغاء العرف لكيفية
الاعتبار وصيغته الوضعية ودخلها في مثل هذا الحكم؛ لأنّ المهمّ بحسب نظره إتيان الوظيفة وتفريغ الذمّة من ناحية الصلاة المأمور بها، فيكون تمام همّه ونظره عدم الإخلال بما هو معتبر فيها، وهذا يجعل المتفاهم عرفاً من (لا تعاد) نفي الإعادة من ناحية الإخلال بكلّ ما هو معتبر في الصلاة غير الأركان الخمسة، وهذا يعني أنّ المقدّر مطلق الخلل فيما يعتبر في الصلاة، فكأنّه قال: لا تعاد الصلاة من الخلل فيما يعتبر فيها إلّاإذا كان الخلل في أحد الخمسة، أو يكون التقدير: كلّ ما يوجب الإعادة، فكأنّه قال: لا تعاد الصلاة ممّا يوجب الإعادة و
البطلان إلّا ما يوجب بطلان أحد الخمسة، وليس المقدّر الترك، ولا العدم، ولا الوجود، فضلًا عن مفهوم الجزء والشرط.
أنّ مفاد القاعدة المطابقي وإن كان هو نفي الإعادة إلّاأنّ ذلك كناية أو
إرشاد إلى مدلول تصوّري أو تصديقي على الأقل هو المقصود
بالإفهام عرفاً، وهو صحّة العمل المأتيّ به إذا كان تامّاً من ناحية الأركان الخمسة، وهذا لازمه العقلي
انتفاء الجزئية أو الشرطية أو المانعية لسائر الأجزاء، وهذا يعني أنّ المقدّر بحسب المدلول التصوّري و
الاستعمالي للّفظ وإن كان عبارة عن مفهوم الشيء- لكون الاستثناء مفرَّغاً بحاجة إلى تقدير- إلّاأنّ ذلك كناية وإرشاد إلى صحّة العمل المأتيّ به إذا كان حافظاً للأركان الخمسة، فلا نحتاج إلى
إجراء الإطلاق في مفهوم الشيء وإرادة الجزئية منها تارة، أو هي مع الشرطية اخرى، أو هما مع المانعية ثالثة ليقال بأنّ الإطلاق لا يمكن أن يفي بذلك، وإنّما الإطلاق نجريه في المدلول الآخر، وهو صحّة العمل المحفوظ فيه الأركان الخمسة؛ لأنّه المقصود التصديقي الكنائي أو الإرشادي من الكلام بحسب الحقيقة، ومقتضى إطلاقه نفي كلّ ما يعتبر في الصلاة لا محالة، سواء كان جزءً أو شرطاً أو عدم مانع، وأمّا المقدّر في المدلول التصوّري الأوّلي فليس إلّامفهوم الشيء، وبهذا لا يكون هناك تقدير بالدقّة في مجرى الإطلاق.
أنّ القاعدة معلّلة في أكثر رواياتها بأنّ غير الخمسة إنّما لا تعاد الصلاة منها لكونها سنّة وليست بفرض اللَّه بخلاف الخمسة، وهذا يعني أنّ الميزان في الإعادة وعدمها كون الخلل فرضاً أو غير فرض، فما لا يكون فرضاً- سواء كان اعتباره بنحو الجزئية أو الشرطية أو عدم المانع- مشمول لنكتة هذا التعليل وعمومه حتى لو فرض
إجمال عنوان (لا تعاد) أو عدم شموله له، فإنّ العلّة تعمّم الحكم لأوسع من مورد التعليل.
هذا تمام الكلام في شمول حديث «لا تعاد» للأجزاء والشرائط والموانع، وأمّا الإخلال من ناحية فعل القاطع فهل يكون مشمولًا للحديث؟ فيقال: إن كان المراد بالقواطع ما اخذ عدمه شرطاً أو وجوده مانعاً رجع إلى المانع والشرط، فتشمله القاعدة، وإن اريد به ما يكون ماحياً لصورة الصلاة ومخرجاً للمكلّف عنها- كالفعل الكثير والفصل الطويل ونحو ذلك- فلا تشمله القاعدة ولو حصل سهواً؛ لأنّها ناظرة إلى فروض الإخلال بما يعتبر في الصلاة بعد فرض تحقّق أصلها وعنوانها.
وقال المحقّق النائيني في مسألة قاطعية الفعل الكثير على وجه تمحى صورة الصلاة: «يكفي في المسألة
انعقاد الإجماع ظاهراً على عدم جواز الفعل الكثير على وجه يمحو الصورة الصلاتية، بل يكون مبطلًا عمداً وسهواً، أمّا عمداً فواضح، وأمّا سهواً فلعدم شمول حديث «لا تعاد الصلاة إلّامن خمس»».
ويمكن أن يستدلّ عليه بأنّ شموله لذلك فرع
انحفاظ الصلاة حتى يصحّ أن يقال: تعاد أو لا تعاد، والمفروض أنّ الفعل الكثير على ذلك الوجه موجب لعدم صدق الصلاة وخروج المصلّي عن كونه مصلّياً، فهو من القواطع العمدية والسهوية كالحدث.
ويستدلّ عليه أيضاً بأنّ الإخلال- ولو السهوي- بما يكون ماحياً لصورة الصلاة و
الاتّصال بين الأجزاء اللاحقة والأجزاء السابقة يوجب الخلل في شرط صحّة الأجزاء الركنية المتأخّرة لا محالة؛ لأنّ المأمور به هو الركوع أو السجود في الصلاة لا خارجها، فيوجب الخلل في الأركان وهو غير داخل في عقد المستثنى منه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۲۹۷- ۳۰۳.