ما يؤذن له من الصلوات
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(وأما ما) يجوز أن (يؤذّن له) من الصلوات (فالصلوات الخمس) اليومية ومنها الجمعة (لا غير) إجماعا من المسلمين والعلماء.
(وأما ما) يجوز أن (يؤذّن له) من الصلوات (فالصلوات الخمس) اليومية ومنها الجمعة (لا غير) إجماعا من المسلمين والعلماء، كما في
المعتبر والمنتهى والذكرى،
وفي شرح القواعد للمحقق الثاني قال : اتفاقا .
وهو الحجة، مضافا إلى
أصالة عدم الشرعية، و
اختصاص ما دلّ على ثبوتها باليومية.
وفي الخبر الوارد في العيدين : «ليس فيهما أذان ولا إقامة، ولكنه ينادى : الصلاة، ثلاث مرّات».
وهو صريح في نفيهما فيهما، ويتم المطلوب بعدم القائل بالفرق. وظاهره استحباب
النداء بالصلاة ثلاث مرّات، كما أفتى به جمع من الأصحاب،
وإن اختلفوا في
الاقتصار على مورده أو التعدية إلى غير اليومية مطلقا، حتى النوافل. ولا بأس بهذا ـ إن لم يحتمل
التحريم ـ مسامحة.
ولا فرق في استحبابهما لليومية بين أن تكون (
أداءً وقضاءً) وإن كان استحبابهما في الأداء آكد، كما عن
التذكرة وروض الجنان،
وادعى الأوّل
الإجماع عليه.
ويستحبان (استحبابا) مؤكّدا، سيّما الإقامة مطلقا (للرجال والنساء، المنفرد) منهما (والجامع) بل التأكّد فيه أقوى. كل ذلك على الأظهر الأشهر، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر، للأصل، والصحاح المستفيضة وغيرها،
الظاهرة ـ بل الصريحة ـ في استحباب الأذان مطلقا. ويلحق به
الإقامة كذلك، لعدم القائل بالفرق بينهما كذلك على الظاهر، المصرّح به في المختلف.
وأذعن له جماعة.
فالقول باستحبابه في كل موضع ووجوبها كذلك خرق للإجماع المركب، هذا مضافا إلى بعض المعتبرة الآتية، الظاهر في استحباب الإقامة أيضا بالتقريب الذي سيأتي إليه
الإشارة .
وفي الصحيح المروي عن علل
الصدوق : «و
الأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل».
وفي الرضوي : «أنهما من السنن اللازمة، وليستا بفريضة، وليس على النساء أذان ولا إقامة، وينبغي لهنّ إذا استقبلن القبلة أن يقلن : أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمدا رسول الله».
(وقيل :) والقائل الشيخان
وجماعة من القدماء،
أنهما (يجبان في) صلاة (الجماعة) إما مطلقا، أو على الرجال خاصّة، على
اختلاف تعابيرهم، للخبر : «إن صلّيت جماعة لم يجز إلاّ أذان وإقامة، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلاّ الفجر والمغرب، فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم، من أجل أنه لا تقصر فيهما كما تقصر في سائر الصلوات».
وهو ـ مع ضعف سنده، وعدم مكافأته لما تقدم ـ قاصر الدلالة، لأن
الإجزاء كما يجوز أن يراد به الإجزاء في الصحّة كذا يجوز أن يراد به الإجزاء في الفضيلة، وهو إن كان خلاف الظاهر، لكن به تخرج الرواية عن الصراحة. بل لا يبعد دعوى ظهوره من هذه الرواية، بملاحظة ذيلها المعبّر عن عدم الإجزاء المفهوم من قوله : «وإن كنت وحدك ـ إلى قوله ـ : يجزئك إقامة إلاّ الفجر والمغرب» بقوله فيهما : «فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم» ولفظة «ينبغي» ظاهرة في
الاستحباب .
مضافا إلى تعيّن إرادته منها هنا بملاحظة ما دلّ من الصحاح المستفيضة وغيرها
على استحباب الأذان، وهو أحد ما يتعلق به لفظة «ينبغي» فتكون
بالإضافة إلى الإقامة للاستحباب أيضا، لوحدة السياق فتأمّل، وحيث ثبت أن المراد بالإجزاء في ذيلها الاستحباب فكذا في الصدر، لوحدة السياق. هذا. مع أنه معارض ـ زيادة على
إطلاق جملة من الصحاح ـ بخصوص جملة من النصوص، منها : الصحيح المروي عن
قرب الإسناد ، عن
علي بن رئاب : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت : تحضرني الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد، أتجزينا إقامة بغير أذان؟ قال : «نعم».
والخبر : «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة».
وقصور سنده ودلالتهما ـ بالأخصّية من المدعى ـ مجبور بالشهرة وعدم القائل بالفرق أصلا.
(ويتأكد الاستحباب) فيهما (فيما يجهر فيه) بالقراءة، كالصبح والعشاءين (وآكده الغداة والمغرب) للمعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح والموثق وغيرها، ففي الصحيح : «تجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب».
وفيه : «إن أدنى ما يجزي من الأذان أن يفتتح الليل بأذان وإقامة، ويفتتح النهار بأذان وإقامة».
وفيه : «ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة، في الحضر والسفر، لأنه لا تقصير فيهما في حضر ولا سفر، وتجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، والإقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل».
وصريحه ـ كظاهر البواقي ـ مساواة العشاء للظهرين في استحباب الأذان، فما في المتن و
الشرائع ،
وعبائر كثير
ـ من تأكّده في العشاء ـ غير ظاهر الوجه، عدا ما وجّه به في المعتبر و
المنتهى : من أن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه والإعلام، وشرعهما لذلك.
وفي
الاستناد إليه ـ سيّما في مقابلة النصوص ـ إشكال، إلاّ أن المقام مقام الاستحباب لا بأس فيه بمتابعة الأصحاب.
وهذه النصوص وإن أفادت الوجوب في الصلاتين لكنها محمولة على تأكّد الاستحباب، جمعا بينها وبين الصحاح المستفيضة وغيرها، وهي ما بين مطلقة للاستحباب، كما مر،
والصحيح : «أنه عليه السلام كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذّن».
والصحيح : «يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».
ومصرّح به في المغرب، كالصحيح : عن الإقامة بغير أذان في المغرب، فقال : «ليس به بأس، وما أحبّ أن يعتاد».
ولا قائل بالفرق بينها وبين الغداة، فالقول بوجوبهما فيهما ـ كما عن العماني والمرتضى و
الإسكافي ـ ضعيف. وأضعف منه مصير الأوّل إلى شرطيّتهما فيهما، وبطلانهما بدونهما، إذ لا أثر لذلك في النصوص المتقدمة وغيرها أصلا.
(وقاضي الفرائض الخمس) اليومية (يؤذّن) ويقيم (لأوّل) صلاة من (ورده، ثمَّ يقيم لكل صلاة واحدة) بلا خلاف، للصحيحين،
والرضوي،
وغيرهما.
(ولو جمع بين الأذان والإقامة لكلّ فريضة كان أفضل) على المشهور بين الأصحاب، بل لا خلاف فيه ممن يعتدّ به، وفي
الناصرية والخلاف عليه الإجماع.
وهو الحجة، مضافا إلى إطلاقات أكثر السنّة الواردة باستحباب
الأذان والإقامة في الصلاة، بل عموم بعضها، وهو الصحيح المتقدم المتضمن لقوله عليه السلام: «والإقامة والأذان في جميع الصلوات أفضل».
ويعضده عموم الصحيح : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته».
والموثق : عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : «نعم».
بل استدل بهما جماعة،
ولكن تنظّر فيهما آخرون بضعف السند، وقصور الدلالة.
ولعلّه في الأوّل من حيث إن المتبادر من قوله : «كما فاتته» أي بجملة أجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها، دون الأمور الخارجية عنها. وفي الثاني من حيث عدم الدلالة على تعدّد الصلاة المعادة، بل ظاهره كونها واحدة، وهي خارجة عن مفروض المسألة. قيل
: وهذا الوجه جار في الرواية الاولى. والثانية مع ذلك معارضة بمثلها سندا، وفيه : كتبت إليه : رجل يجب عليه إعادة الصلاة، أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب : «يعيدها بإقامة».
ويمكن الذب عن الجميع
بانجبار قصور السند بالعمل، مع اختصاصه بالأخير، وإلاّ فالأوّل صحيح، أو حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم.
ومنع اختصاص الكيفية المشبّه بها بالأمور الداخلة بعد
الاتفاق على
الاستدلال بالرواية على إثبات الأمور الخارجة عن الصلاة ـ مما هو شرط فيها، كالطهارة عن الحدث والخبث، و
الاستقبال ، وستر العورة، ونحو ذلك ـ في الفائتة أيضا، فتأمّل جدّا. والرواية الثانية عامة في الصلاة المعادة لا مطلقة، لترك
الاستفصال في مقام جواب السؤال المفيد للعموم في المقال. ومنه يظهر ما في دعوى ظهورها في الواحدة، فإنها فاسدة، كدعوى ظهور الصحيحة فيها أيضا، وذلك لنظير ما عرفت، وهو استدلال الأصحاب بها
لإثبات كثير مما يعتبر في الحاضرة في الفائتة، من دون تخصيص لها بالواحدة أو المتعدّدة.
والرواية المعارضة ـ مع قصور سندها وعدم جابر لها ـ متروكة الظاهر، لدلالتها على استحباب الإقامة خاصّة مطلقا حتى في الأول من ورده، ولا قائل به من الأصحاب، ومع ذلك لا يعترض بها ما قابلها من الرواية المنجبرة بالعمومات والإجماعات المحكية والشهرة العظيمة. ومن هنا يظهر فساد ما عليه بعض العامة : من أفضلية ترك الأذان في الصلاة الثانية فما فوقها من ورده.
وأضعف منه قول بعض متأخّري الطائفة : من عدم المشروعية، لعدم ثبوت التعبّد به على هذا الوجه،
وذلك فإن التعبد ثابت بما قدّمناه من الأدلّة.
(ولو انفضّت) وتفرقت الصفوف، بأن لا يبقى منهم ولو واحد، كما يستفاد من بعض الروايات السابقة، وصرّح به جماعة،
فيكون مبيّنا لباقي الروايات المطلقة، مع ظهور بعضها فيه (أذّن الآخرون وأقاموا) بلا خلاف، للأصل، وما مر من النصوص.
(ولو أذّن) وأقام (بنية الانفراد ثمَّ أراد
الاجتماع استحب له
الاستيناف ) لهما، وفاقا للمشهور، للموثق : في الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده، فيجيء رجل آخر فيقول له : نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : «لا، ولكن يؤذّن ويقيم».
قال الشهيد في
الذكرى : وبها أفتى الأصحاب، ولم أر لها رادّا سوى الشيخ نجم الدين، فإنه ضعّف سندها بأنهم فطحية، وقرّب
الاجتزاء بالأذان والإقامة أوّلا.
وفيه
إشعار بالإجماع على مضمون الخبر، كعبارته في الدروس،
وعبارة المحقق الثاني في شرح القواعد،
وإن نقل الخلاف عن الفاضل في المنتهى أيضا،
وموافقة الماتن في الاجتزاء، وبه صرّح في التحرير أيضا،
واحتجّا عليه : بأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره مع
الانفراد فبأذان نفسه أولى، ولا معارض له سوى الموثق، وقد عرفت تضعيفه سندا في المعتبر وكذا في المنتهى.
وفيه نظر : لمنع الضعف أوّلا ، لكونه موثقا ، وهو حجة كما قرّر في محله مستقصى ، وعلى تقديره فهو مجبور بعمل الأصحاب. والاجتزاء بأذان الغير لعلّه لمصادفة نية السامع للجماعة ، فكأنه أذّن لها ، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد. ويعضد المختار عموم ما دلّ على تأكّد استحباب الأذان والإقامة في
صلاة الجماعة ، والمتبادر منهما ما وقع في حال نية الجماعة لا قبلها ، ومع ذلك فالاستيناف أحوط وأولى.
رياض المسائل، ج۳، ص۶۶- ۸۰.