الانتحار (آثاره)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الانتحار (توضيح).
المنتحر من
أصحاب الكبائر وقد توعّده
اللَّه في كتابه بالنار، كما ذكرت بعض
الروايات أنّه في
نار جهنّم خالداً فيها.
لا
شبهة في أنّ المنتحر من
أصحاب الكبائر وقد توعّده
اللَّه في كتابه بالنار،
كما ذكرت بعض
الروايات أنّه في
نار جهنّم خالداً فيها،
وقد استفاد البعض من
لسان هذه الرواية أنّه لا يموت على
الإيمان حيث إنّ
المؤمن لا يخلّد في النار، وقد يحمل على المستحلّ لقتل نفسه؛
لأنّه
باستحلاله قتل نفسه يكون قد خرج من ربقة
الإسلام وأنكر ضروريّاً من ضروريات الدين بخلاف غير المستحلّ، ذلك لأنّه قد ورد
الأمر بتغسيل من قتل نفسه وتجهيزه و
الصلاة عليه ودفنه، وهذه من أحكام
المسلم ، وعليه فمن قتل نفسه غير مستحلّ لهذا
القتل لا يحكم بخروجه عن الإسلام ولا يحكم بكفره، بل هو من أهل الكبائر من المسلمين الذين ثبت لهم حكم
التغسيل و
التكفين والصلاة عليهم ودفنهم.
وقد ورد عن
طلحة بن زيد عن
أبي عبد اللَّه عن
أبيه عليهما السلام قال: «صلّ على من مات من
أهل القبلة وحسابه على اللَّه»،
وكذا ما رواه
السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : صلّوا على
المرجوم من امّتي، وعلى القتّال نفسه من امّتي، لا تدعوا أحداً من امّتي بلا صلاة».
قال: «بقي الكلام في ما دلّ عليه خبر السكوني من حيث تضمّنه الصلاة على
القاتل نفسه مع ما ورد في جملة من الأخبار أنّه من أهل النار، ويمكن أن يقال: إنّه بقتل نفسه لا يخرج عن الإسلام، بل غايته أن يكون من أهل الكبائر المستحقّين للنار أيضاً... وبالجملة، من حيث عدم الخروج عن الإيمان تدركهم
الشفاعة ويكونون بذلك من أهل
الجنّة ، كما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من امّتي»،
هذا مع عدم حصول
التوبة ، وإلّا فيسقط البحث».
ويبدو من كلامه
الذهاب إلى قبول توبته إن تاب قبل موته، وهذا أيضاً يمكن
استظهاره من كلام
المحقّق الداماد في
إزاحته توهّم أنّ التوبة لا تتحقّق إلّابعد العمل، وأمّا العمل
اللاحق الذي لم يوجد بعد فلا تتصوّر التوبة فيه، حيث قال: «... أمّا اللاحق الذي قد تحقّق
مبادئ وجوده حتماً وكان لحوقه ضرورياً فهو بمنزلة
السابق ، فيمكن التوبة عنه، كمن ألقى نفسه من
شاهق حيث إنّ سقوطه الموجب لهلاكه أمر
ضروري اللحوق، فله حينما يكون بين المبدأ والمنتهى أن يتوب للَّه حتى لا يعذّب يوم القيامة، ولا يمكن القول بعدم قبول التوبة منه بعد ما ورد من
امتداد أمدها إلى
الزهاق ، فلا مجال للحكم بعدم قبول توبته عن
ذنب الانتحار الذي لم يتعقّبه القتل بعد».
الظاهر أنّه لا خلاف بين الفقهاء في سقوط الدية لمن قتل نفسه، سواء كان انتحاره عمداً أو شبه العمد أو خطأً محضاً، قال
الشيخ الطوسي : «إذا قتل
الرجل نفسه فلا دية له سواء قتلها
عمداً أو
خطأً ... لأنّها حقّ المقتول، ومن قتل نفسه فقد أسقط حقّ نفسه».
وكذلك عدّ يحيى بن سعيد الحلّي من المواضع التي لا تجب فيها الدية قتل الإنسان نفسه،
ونفاها غيرهما
أيضاً، والظاهر
سقوط الدية حتى عن
العاقلة إذا كان قتله لنفسه خطأً، قال السيّد الخوئي: «لو جرح أو قتل نفسه خطأً لم يضمنه العاقلة ولا دية له بلا خلاف بين الأصحاب؛ وذلك لأنّ ما دلّ على تحمّل العاقلة جناية الجاني خطأً لا يشمل ذلك».
اختلفت كلمات الفقهاء في ثبوت
الكفّارة في قتل النفس، سواء كان عمدياً أو خطأ، فبعض ذهب إلى القول بثبوتها؛
معلّلًا ذلك بأنّ الكفّارة حقّ اللَّه، وهي لا تسقط بالانتحار، قال الشيخ الطوسي: «إذا قتل الرجل نفسه فلا دية له... وعليه الكفّارة، كما لو قتل
عبد نفسه؛ لأنّ الكفّارة حقّ للَّه... ومن قتل نفسه فقد أسقط حقّ نفسه، وبقي
حقّ اللَّه بحاله ويتعلّق الكفّارة بتركته».
واختار البعض الآخر عدم ثبوت الكفّارة على المنتحر، كما هو
صريح العلّامة في
التحرير ،
وظاهر المحقّق النجفي في الجواهر حيث ذكر في وجهه: أنّ الكفّارة لا تجب ما لم يتحقّق
الموت ، وإذا تحقّق لم يكن من أهل
التكليف لكي تجب عليه.
وإن شئت قلت: عدم شمول أدلّة الكفّارات لمثل ذلك. وبناءً على ثبوت الكفّارة فستكون في
تركة المنتحر كباقي الحقوق التي قد تتعلّق بذمّته، وهذا ما أشار إليه الشيخ الطوسي في عبارته المتقدّمة.
لا إشكال في صحّة
الوصيّة من قبل الشخص إذا كان مستجمعاً لشروط الموصي حال إنشائها ومضيّها ونفاذها وإن أعقبها بعد ذلك فعل ما يؤدّي إلى هلاكه وموته، كمن أوصى بوصيّته ثمّ شرب
السم عمداً أو جرح نفسه خطأ وأدّى ذلك إلى موته، فإطلاقات أدلّة الوصيّة تكون شاملة لهذه الحالة، ولا يوجد ما يمنع من
نفاذ هذه الوصيّة، وهو ما اتّفق عليه فقهاؤنا.
إنّما الكلام فيما لو أقدم على الانتحار و
إهلاك نفسه، أو جرَحَ نفسه بفعل يؤدّي إلى موته عمداً، ثمّ أوصى بعد ذلك بوصيّة ثمّ مات، فهل تصحّ وصيّته هذه وتمضي أم لا؟
ذهب
المشهور إلى عدم قبول هذه الوصيّة وردّها، قال
الشيخ المفيد : «من أحدث في نفسه حدث القتل من جراح، أو شرب سمّ، ونحو ذلك، ثمّ وصّى كانت وصيّته
مردودة »،
وتبعه عليه جماعة.
واستدلّ
على ذلك بصحيحة أبي ولّاد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «من قتل نفسه متعمّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها»، قلت: أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته، تنفذ وصيّته؟ قال: فقال: «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل اجيزت وصيته في ثلثه، وإن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيته».
وخالف ابن إدريس في هذه المسألة، حيث قال- بعد نقله لما عليه المشهور-: «والذي يقتضيه اصولنا، وتشهد بصحته أدلّتنا أنّ وصيّته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتاً عليه؛ لأنّه لا مانع من ذلك، ويعضده قوله تعالى: «فَمَن بَدَّلَهُ بَعدَ مَا سَمِعَهُ»،
ولا دليل على إبطال هذه الوصيّة من كتاب، ولا سنّة مقطوع بها، ولا إجماع».
ونفى العلّامة الحلّي في
المختلف البأس عن
مختار ابن إدريس ، وقال في
القواعد : «ولو قيل بالقبول مع تيقّن رشده بعد الجرح كان وجهاً، وتحمل الرواية على عدم
استقرار الحياة على إشكال».
وكذلك استوجهه الشهيد الثاني، ولكنّه قوّى
الوقوف مع المشهور والعمل بالنص
الصحيح .
وقد أشار المحقّق النجفي في
المقام إلى أنّ المنع من صحّة الوصيّة مختص بالتصرّفات المالية- أي الوصيّة في الثلث- وأمّا غير ذلك ممّا لا تعلّق له
بالمال فلا يشمله المنع،
وذهب إليه كذلك
المحقّق اليزدي في
العروة الوثقى حيث قال: «والقدر
المنصرف إليه
الإطلاق الوصيّة بالمال، وأمّا الوصيّة بما يتعلّق بالتجهيز ونحوه ممّا لا تعلّق له بالمال فالظاهر صحّتها»،
وتبعه على ذلك
معظم المعلّقين على العروة، واستشكل فيه بعضهم.
كما أنّهم ذهبوا إلى أنّ
المنع عن مضي الوصيّة مختص بما إذا كان فعل المنتحر عمداً لا سهواً أو خطأ، وبرجاء أن يموت لا لغرض آخر، وعلى وجه
العصيان لا مثل
الجهاد في
سبيل اللَّه، وبما لو مات من ذلك، وأمّا إذا عوفي ثمّ أوصى صحّت وصيّته،
ولم يستبعد المحقّق النجفي صحّة وصيّته الاولى إذا كان قد بقي مستمرّاً عليها بناءً على أنّ ذلك كالوصيّة
المستأنفة ، ولكنّه تنظّر فيها مع
فرض عدم تجدّد
الإنشاء .
الموسوعة الفقهية، ج۱۷، ص۳۶۲-۳۶۶.