أحكام الدم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يأتي أحكام إزالة الدم ونجاسته في الحيض والنفاس وغيره.
(دم الحيض تجب إزالته وإن قلّ) ونقص عن سعة الدرهم
اتفاقا ، كما حكاه بعض الأجلة،
للأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسله، كالنبوي الآمر لأسماء : «حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء».
والصادقي : عن الحائض، قال : «تغسل ما أصاب ثوبها من الدم».
مضافا إلى
الأصل في العبادة
واستصحاب شغل الذمة المحتاج إلى
البراءة اليقينية في محل الشبهة.
وللخبر المروي في
الكافي وموضع من التهذيب، مسندا إلى الصادقين عليهما السلام : «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلّا دم الحيض، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء».
وقصور السند بالعمل والأصول مجبور، والسند ـ كما عرفت ـ على الراوي غير موقوف.ونحوه
الرضوي : «إلّا أن يكون دم الحيض، فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قلّ أو كثر».
وهذه الأدلة مع ما هي عليه من القوة سليمة عمّا يصلح للمعارضة، سوى ما يتوهم من إطلاق أخبار العفو المتقدمة. وشموله للمقام محل مناقشة، لعدم التبادر،
لاختصاص الخطابات فيها بالذكور دون النسوة،
واحتمال إصابة ثيابهم دم الحيض نادر بالضرورة، ولذا لم يكن من
الأفراد المتبادرة، فلا يعترض بمثل ذلك شيء من الأدلة السابقة.
(وألحق الشيخ به) تبعا للمرتضى،
بل وغيره من القدماء،
بل وربما يستفاد عن ظاهر الخلاف وصريح الغنية
الإجماع عليه، وعن الحلّي نفي الخلاف عنه
(دم
الاستحاضة والنفاس) ولا بأس به، للإجماعات المحكية، والأصل المتقدم في العبادة، مع عدم عموم في أخبار العفو كما مضت إليه
الإشارة ، واعتضاد إلحاق الثاني بما يستفاد من المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس في أرحام النسوة وأنه حيض في الحقيقة.وعن ابن حمزة والقطب الراوندي والتحرير
: إلحاق دم الكلب والخنزير أيضا.
وعن
العلّامة في جملة من كتبه : التعميم لدم مطلق نجس العين الشامل لهما وللكافر والميت.
ولا دليل عليه سوى الأصل المتقدم السالم عن معارضة أخبار العفو لما مرّ. وهو الحجّة فيه، لا
الاستدلال بملاقاته البدن النجس الغير المعفو،
لابتنائه على تزايد نجاسة نجس العين وقد يمنع. ولو سلّم فلا دليل على عدم العفو في مثله سوى إطلاق الأخبار بالغسل
وإعادة الصلاة عنه، ولم ينصرف إليه، لما مرّ. فتأمل.والعمدة في التعدية هو الإجماع، وليس في المسألة، مع أن المحكي عن الحلّي
إنكار الإلحاق مدّعيا عليه الوفاق.
فإذا : الأجود الاستدلال بما مرّ، وبالخبر الموثق بابن بكير ـ المجمع على تصحيح رواياته ـ : «إن الصلاة في كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وكل شيء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله تعالى أكله» الخبر.
فتدبّر.
(وعفى عن دم القروح والجروح الذي لا يرقأ) ولا ينقطع، في الثوب كان أم البدن، قليلا كان أو كثيرا، إجماعا، للنصوص المستفيضة، منها الصحيح : عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟ فقال : «يصلّي وإن كانت الدماء تسيل».
ونحوه الصحيحان
والحسن
وغيرها.وظاهرها الدم السائل الغير المنقطع، ولذا خصّ العفو به في العبارة كجماعة،
نظرا إلى مخالفته الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم والحاكمة بإعادة الصلاة عنه، فيقتصر فيها على مورد النص.
وحينئذ (فإذا رقأ) لم يعف عنه مطلقا بل (اعتبر فيه سعة الدرهم) جدّا، وهو أحوط وأولى. وإن كان ربما يقال : في تعيّنه نظر، لعدم
انحصار أخبار العفو عنه فيما مرّ، بل هنا معتبرة أخر دالّة على العفو إلى أن يبرأ، منها الخبر : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم».
وفيه نظر.والأولى الاستدلال بعموم الموثق : عن الدماميل تكون بالرجل فتنفجروهو في الصلاة، قال : «يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة».
مضافا إلى نص الموثق : دخلت على
الباقر عليه السلام وهو يصلّي، فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دما، فلمّا انصرف قلت له : إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما، قال عليه السلام : «إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ».
إلّا أن في السند قصورا ولا جابر له يعتد به. ومع ذلك فليس في الدلالة صراحة فيحتمل البرء فيه
الانقطاع ، كاحتماله من البرء في الخبر السابق. بل ولا يبعد قربه فيه، لاشتراط السيلان في صدره، وعطف الانقطاع عليه في ذيله.فلم يبق إلّا العموم في الموثق السابق، وفي تخصيص الأصل والعمومات بمثله نظر، سيّما مع كون العمل بهما في غير محل الوفاق هو الأشهر، كما يظهر من كلمات القوم للأحقر.
هذا مضافا إلى ظهور التقييد بعدم الانقطاع
والإشعار بكون العلّة في العفو هنا هو الحرج من روايات أخر، وقصور أسانيدها ـ لو كان ـ بالشهرة منجبر، ففي المروي عن
السرائر عن
البزنطي عن مولانا الباقر عليه السلام : «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة».
وفي الموثق : عن القرح والجرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه، قال : «يصلّي ولا يغسل ثوبه، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة».
فإذا : القول الأول حيث لا يلزم معه الحرج أظهر. وعليه فهل يناط الحكم بالانقطاع على
الإطلاق كما هو ظاهر العبارة وجماعة، أو يقيد بزمان يتسع
لأداء الصلاة كما عن
المعتبر والذكرى
؟ قولان.
وربما يناط العفو وعدمه بحصول المشقة بالإزالة وعدمه، كما في
الشرائع وعن ظاهر العلّامة في النهاية،
وعن المنتهى والتحرير
: الجمع بينه وبين عدم الانقطاع. والأوّل من هذين في الجملة أقوى، وذلك في صورة حصول المشقة مع الانقطاع، إذ الانقطاع بمجرده مع حصول المشقة بالإزالة غير كاف في عدم العفو قطعا، وينزّل تعليق عدم العفو على مجرد البرء والانقطاع في الخبرين على هذا قطعاً. هذا، ولا يبعد قوّته مطلقا، فيجب
الإزالة مع عدم المشقة في صورة عدم الانقطاع أيضا، لظهور سياق الروايات السابقة في العفو مع عدم الانقطاع في صورة حصول المشقة بالإزالة.
والأقوى عدم وجوب إزالة البعض ولو مع إمكانها . خلافا لمحتمل نهاية الإحكام.
وإطلاق النصوص تدفعه. كدفعها وجوب
إبدال الثوب ولو مع
الإمكان وإن حكي الحكم به عن الكتاب المذكور والمنتهى،
مع أن الشيخ ادعى في الخلاف على خلافه الوفاق،
وهو عليه حجّة أخرى. لكنه أحوط وأولى، لإشعار رواية البزنطي المتقدمة به جدّا، إلّا أنها لضعفها وعدم جابر لها هنا مع عدم معارضتها لما مرّ ليست هنا محل الفتوى، فتأمل جدّاً.
رياض المسائل، ج۲، ص۱۰۱-۱۰۶.