أحكام القسمة في القضاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
القسمة تميز الحقوق ولا يشترط حضور قاسم بل هو
أحوط فاذا عدلت
السهام كفت
القرعة في تحقق القسمة؛ وكل ما يتساوى اجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة، والشعير، وكذا ما لا يتساوى أجزاؤه اذا لم يكن في القسمة ضرر، كالأرض، والخشب؛ ومع الضرر لا يجبر الممتنع.
وإنّما ذكرت في كتب أكثر
الأصحاب هنا مع أنّها بكتاب
الشركة أنسب؛ لأنّ
القاضي لا يستغني عن القسام للحاجة إلى قسمة الشركاء، بل القسام كالحكام. والأصل في شرعيتها
الإجماع، بل الضرورة،
والكتاب والسنّة، قال الله تعالى «وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى»
الآية. وفي اخرى «وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ»
. وفعلها
النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، فقد قسم
خيبر على ثمانية عشر سهماً
. وقال: «
الشفعة فيما لا تقسم، فإذا رفعت
الحدود وعرف الطرق فلا شفعة»
.
وروى أنّه كان
لعليّ (علیهالسّلام) قاسم يقال له:
عبد الله بن يحيى، وكان يرزقه من
بيت المال، ولذا أفتى الأصحاب باستحباب أو وجوب أن يتخذ الإمام قاسماً، وأنّ رزقه من بيت المال، مع أنّ الحاجة تدعو إليها؛ إذ قد يتبرم الشركاء أو بعضهم بالمشاركة، أو يريدون الاستبداد بالتصرف، والناس مسلّطون على أموالهم.
وهي عندنا على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر
مجرد تمييز الحقوق والأنصباء بعضها عن بعض، وليست بيعاً وإن اشتملت على ردّ؛ لعدم افتقارها إلى صيغة، وقبولها الإجبار، وتقدر أحد النصيبين بقدر الآخر،
والبيع ليس فيه شيء من ذلك. واختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزومات. واشتراك كل جزء يفرض قبلها بينهما واختصاص كل واحد بجزء معيّن وإزالة ملك الآخر بعدها بعوض مقدر بالتراضي ليس حد البيع حتى يدل عليه.
وتظهر الفائدة في عدم ثبوت الشفعة للشريك بها، وعدم بطلانها بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه التقابض في البيع، وعدم
خيار المجلس، وقسمة
الوقف من الطلق، وغير ذلك.
ولا يشترط حضور قاسم من قبل الحاكم، بل ولا من قبلهما في صحتها ولزومها، بلا خلاف؛ لأنّ المقصود وصول كل حق إلى صاحبه، فإذا حصل من الشركاء كفى بل هو
أحوط لأنّه أبعد من التنازع، خصوصاً إذا كان من قِبَل
الإمام (علیهالسّلام)، فإنّه كالحاكم يقطع التنازع بين المتقاسمين.
وإذا عدّلت
السهام بالأجزاء في متساويها كيلاً، أو وزناً، أو ذرعاً، أو عدّاً بعدد الأنصباء، أو بالقيمة في مختلفها، كالأرض والحيوان وغيرهما كفت
القرعة في تحقق القسمة ولزومها، بلا خلاف فيما لو كان القاسم من قِبَل الإمام، قالوا: لأنّ قرعته بمنزلة حكمه، ولذا يشترط فيه
العدالة والمعرفة، فلا يعتبر رضاهما بعدها.
وأمّا لو تراضيا بقاسم، أو تقاسمها بأنفسهما بالتعديل والإقراع، ففي كفايتها عن الرضا هنا أيضاً مطلقاً، أم لا بدّ من اعتباره بعدها كذلك، أم الثاني إن كان قسمة ردّ، وإلاّ فالأوّل، أقوال.
خيرها أوسطها، وفاقاً
للشيخ والفاضل في
التحرير؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على عدم اللزوم وبقاء الشركة بحالها على المتيقن من
الفتاوى، وليس إلاّ اللزوم بقسمة قاسم الإمام أو غيره مع الرضا بعد القرعة لا مطلقاً. خلافاً لإطلاق العبارة، بل ظاهرها وصريح جماعة كالفاضل في
الإرشاد والقواعد فالأوّل، بل قال في الأخير بالاكتفاء بالرضا ولو من غير قرعة، وتبعه
الشهيدان في
المسالك واللمعة.
قيل: لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتمييز الحق
. وهو حسن لو ورد
نص معتبر بلزوم القسمة بقول مطلق، ولم أجده، وبه صرح أيضاً في الكفاية
. فدعوى إيجابها التمييز مطلقاً مع مخالفته الأصل محلّ نظر.
وبالجملة: يجب الوقوف في كل حكم مخالف للأصل لم يرد به النص بحيث يقتضيه خصوصاً أو عموماً على المتفق عليه المتيقن. وإلى ما ذكرناه يشير كلام
فخر الإسلام في منع ما استدل به والده لمختاره من أنّ القرعة سبب التعيين، حيث قال: إنّ القرعة إنّما تعيّن بحكم الحاكم، أو تراضيهما بعدها، أمّا لا مع أحدهما فيمنع أنّها سبب التعيين؛ لأصالة بقاء الشركة
.
وظاهره حيث اقتصر على المنع ولم يردّه قبوله.
وللدروس والروضة، فالثالث، ولعل مستنده الجمع بين الدليلين. وهو ضعيف في الغاية؛ لعموم مقتضاهما بلا شبهة، ولا شاهد على الجمع من إجماع أو رواية، هذا.
ويظهر من فخر الإسلام
والفاضل المقداد عدم الإشكال بل والخلاف في اعتبار الرضا في قسمة الردّ، حيث قالا بعد ذكر وجهي القولين بالاكتفاء والعدم: وهذا البحث إنّما هو في القسمة التي لا تشتمل على ردّ، وأمّا إن اشتملت على ردّ فلا بُدّ من التراضي كما في الابتداء، وكل قسمة يعتبر فيها التراضي بعد القرعة لا بد في التراضي من ذكر القسمة، كأن يقول: رضيت بها.
واعلم أنّ كل ما يتساوى أجزاؤه وصفاً وقيمةً، ويعبر عنه بالمثلي، لو التمس أحد المتشاركين فيه القسمة وامتنع عنها الآخر يجبر الممتنع على قسمته جامداً كان كالحنطة والشعير ونحوهما من الحبوب والثمار، أو مائعاً كالخلول والعسل والسمن والأدهان.
وكذا يجبر على قسمة القيمي، وهو كل ما لا يتساوى أجزاؤه إذا لم يكن في القسمة ضرر ولا ردّك الدار المتفقة الأبنية والأرض المتشابهة الأجزاء والخشب وغير ذلك، ولا خلاف في دخول الإجبار في جميع ذلك، على الظاهر المصرح به في الكفاية
، ويظهر من غيره
؛ لأنّ
للإنسان ولاية الانتفاع بماله، والانفراد أكمل نفعاً، ويسمّى قسمة إجبار.
وأمّا مع الضرر أو الردّ فلا يجبر الممتنع على القسمة إن لزمه أحدهما بلا خلاف فيه أيضاً، على الظاهر المصرح به في الكتاب المتقدم؛ إذ لا ضرر ولا إضرار، والردّ معاوضة محضة يستدعي
التراضي، ويسمّى قسمة تراض.
والتعليل الأخير وإن اقتضى منع دخول الإجبار في أصل القسمة لتضمنها شبه المعاوضة بل نفسها وإن كانت معاوضة على حدةٍ، لا بيعاً، ولا غيره، إلاّ أنّه خارج بعدم الخلاف فيه كما مر، بل
الإجماع كما يظهر من بعض مَنْ تأخر
.
ولو لزمهما الضرر معاً أو الملتمس خاصّة وكان طلب القسمة معه يوجب سفهاً لم يجبر الممتنع أيضاً، بل لم يجز له ولا للحاكم الإجابة، بلا خلاف أجده، ووجهه واضح تقدم هو وبعض ما يتعلق بالمقام من تحقيق الضرر والاختلافات فيه وغيره.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۱۴۱-۱۴۵.