إثبات الوصية بالمال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا خلاف ولا اشكال في ثبوت
الوصية بشهادة العدلين من المسلمين، وتثبت بشهادة
المرأة على بعض الوجوه، وشهادة عدول
أهل الذمة .
(الثانية : تثبت
الوصية بالمال بشهادة رجلين) مسلمين عدلين، ومع الضرورة تقبل شهادة رجلين من عدول
أهل الذمة ، بلا خلاف في شيء من ذلك أجده، وبه صرّح بعض الأجلّة،
بل عن ظاهر
الغنية وفخر الدين
إجماعنا عليه، وبه صرّح أيضاً المفلح الصيمري، ويدلُّ عليه أيضاً الآية والنصوص المستفيضة.
وهل يشترط في قبولها منهم السفر كما في الآية وأكثر المستفيضة، أم يجري ذلك مجرى الغالب؟ الأصح الثاني، وفاقاً للأكثر، بل لم أقف على مخالفٍ إلاّ نادراً.
وظاهر عبارة الماتن في الشرائع
في بحث الشهادات
الإجماع عليه.
لا لما ذكروه : من إطلاق الصحيح : «إذا كان الرجل في بلد ليس فيه
مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية
لانصرافه بحكم التبادر والغالب إلى صورة السفر خاصة.
بل لظاهر التعليل في الصحيح : هل تجوز شهادة
أهل ملّة من غير أهل ملّتهم؟ قال : «إذا لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم، إنه لا يصلح ذهاب حق أحدٍ».
وهو كما ترى ظاهر في أن تجويز قبول شهادتهم إنما نشأ من مراعاة الحق عن الذهاب، وهذه العلّة موجودة في مطلق صور الضرورة ولو لم يكن هناك سفر بالكلية.
ولو لا هذه العلة لكان المصير إلى
اشتراط السفر لا يخلو عن قوّة؛ اقتصاراً فيما خالف
الأصل الدالّ على عدم جواز قبول شهادتهم على مورد الكتاب والسنة، وليس إلاّ صورة السفر خاصة، لأنها ما بين مشترطة له وما بين مطلقة، وقد عرفت أن
الإطلاق ينصرف إلى هذه الصورة خاصّة.
وليس مبنى هذا
الاستدلال وقوع اشتراطه في الكتاب والسنة، حتى يجاب عنه بوروده مورد الغلبة فلا عبرة به، بل مبناه عدم دليل دالّ على جواز القبول مطلقاً، فيقتصر فيه على المتيقن منهما.
ثم إن الفاضل
أوجب تحليفهما بعد
صلاة العصر بصورة الآية؛ لعدم ظهور المسقط بالكلّية، ومال إليه في المسالك وغيره،
ولا ريب أنه أحوط.
وليس في ظاهر الكتاب وأكثر السنة اشتراط عدالة أهل الذمة، إلاّ أنه قد دل عليه بعض النصوص : «فليُشهد على وصيته رجلين ذمّيين من
أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهم»
وبه صرّح من الأصحاب جملة.
(وبشهادة أربع نساء وبشهادة الواحدة في الربع) والاثنين في النصف، وهكذا، بلا خلاف، بل عليه الوفاق في
المسالك وغيره؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى الصحاح المستفيضة منها : «قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في وصية لم تشهدها إلاّ امرأة أن تجوز شهادة
المرأة في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها».
وأمّا ما يوجد في الصحيح وغيره مما يخالف ذلك من عدم القبول فمحمول على
التقية كما في التهذيبين.
ثم إن إطلاق النصوص كالعبارة وصريح المحكي عن الأكثر
عدم توقف قبول شهادتهنّ على اليمين مطلقاً.
خلافاً للمحكي عن
التذكرة ،
فقال بتوقّفه عليه كذلك، كما في شهادة الرجل الواحد.
وردّ
بأن اليمين مع شهادة الواحد توجب ثبوت الجميع فلا يلزم مثله في البعض، ولو فرض
انضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث ثبت الجميع، لقيامهما مقام الرجل، أمّا الواحدة فلا يثبت بها سوى الربع مطلقاً، انضمّت اليمين إليها أم لا. على أن في ثبوت الجميع بانضمام اليمين إلى الاثنتين أو الثلاث إشكالاً أيضاً؛ لأن مقتضى النصوص إنّما هو النصف في الأوّل والثلاثة الأرباع في الثاني بمجرد الشهادة، ووجود اليمين حيث لم يعتبرها الشارع هنا في حكم العدم، وقيام الاثنتين مقام الرجل في بعض الموارد لا يستلزم قياس ما نحن فيه عليه حتى أنه يخرج عن مقتضى ظواهر النصوص بذلك.
وهل يشترط في قبول شهادتهنّ هنا فقد الرجال؟ قولان، أظهرهما الثاني، وفاقاً للمحكي عن الأكثر؛
عملاً بإطلاق النصوص.
خلافاً للمحكي عن
الإسكافي والطوسي،
فاشترطاه. وهو ضعيف.
(وفي ثبوتها) أي الوصية بالمال (بشهادة شاهد ويمين تردّد) قيل : ينشأ :
من أن قبول الشاهد واليمين حكم شرعي فيقف على النص الشرعي، وليس على صورة النزاع بعينه، وثبوت ذلك بالنساء حتى بالواحدة إنما هو لورود النص بذلك، والتعدّي قياس مردود عندنا.
ومن إطلاق النصوص بالقبول في الحقوق المالية كما هو المفروض، ولا يشترط النص بالخصوص.
وهذا أظهر، وفاقاً للأكثر، بل عليه في
المهذب والمسالك وغيرهما
اتفاق الأصحاب.
واستغرب هذا التردّد منه جماعة.
وهو كذلك، كتردّده في
الشرائع في ثبوت الوصية بالولاية بهما بعد قطعه بالثبوت بهما في الوصية بالمال.
فإن النصوص المزبورة كالاتفاق المحكي في المسالك وغيره متفقة الدلالة على
انحصار قبولهما في الحقوق المالية.
وربما جعل منشؤه مما ذكر، ومن أنها قد تتضمّن المال، كما إذا أراد أخذ
الأجرة أو الأكل بالمعروف بشرطه، ولما فيه من
الإرفاق والتيسير فيكون مراداً للآية والرواية.
وهو كما ترى، ولذا قطع بخلافه هنا فقال :
(وأما
الولاية فلا تثبت إلاّ بشهادة رجلين) مسلمين، ومقتضاه عدم ثبوتها بشهادة النساء مطلقاً، ونفى عنه الخلاف في المسالك وغيره
إذا كنّ منفردات؛ وهو الحجة فيه.
مضافاً إلى أنها ليست وصية بمال، بل هي تسلّط على تصرف فيه، وليست مما يخفى على الرجال غالباً، وذلك ضابط محل قبول شهادتهنّ منفردات فتوًى وروايةً.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۷۴- ۳۷۸.