إثبات اليد غير المشروع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر الفقهاء لما لا يجوز إثبات اليد عليه وضعاً وتكليفاً عدداً من الموارد، منها:
يحرم- عقلًا وشرعاً- إثبات اليد على مال الغير بدون
إذنه ورضاه ويُعدُّ المثبت يده غاصباً، ولو تلف ضمن.قال
ابن سعيد : «الغصب: إثبات يد التعدّي على مال الغير، ويجب ردّ المغصوب مضيّقاً مع بقائه بنمائه المتّصل والمنفصل، فإن تلف ردّ مثله، فإن لم يكن له مثل فقيمته».
وقال
العلّامة الحلّي : «الغصب: هو
الاستيلاء على مال الغير بغير حقٍّ، وهو محرّم بالنصّ
والإجماع ...وقد أجمع العقلاء كافّة على تحريم الغصب.(و) لا يكفي في (تحقّق) الغصب رفع يد المالك، بل لا بدّ من إثبات يد الغاصب».
وقال
الشهيد الأول : «الغصب، وتحريمه عقلي وإجماعي وكتابي وسنّي... وهو
الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدواناً، فلا يكفي رفع يد المالك من دون إثبات يد الغاصب، فلو منعه من القعود على بساطه أو من
إمساك دابّته المرسلة فاتّفق التلف فلا ضمان»».وقال
السيّد الخوئي : «الغصب، وهو حرام عقلًا وشرعاً ويتحقّق بالاستيلاء على مال الغير ظلماً وإن كان
عقاراً ، ويضمن تمامه بالاستقلال... ويضمن المنفعة إذا كانت مستوفاة، وكذا إذا فاتت تحت يده».
وقد وقع من الفقهاء بحوث مفصّلة في الغصب تأتي في محلّها.
يجوز أخذ الحيوان الضالّ إذا كان في معرض التلف نتيجة الضلال والضياع كما إذا كان في أرض لا ماء فيها ولا كلاء ولم يكن الحيوان قادراً على البقاء، وسيأتي مزيد
إشارة إلى ذلك.وأمّا الحيوان الضالّ القادر على
البقاء المملوك لمالك محترم فإنّه يحرم أخذه وإثبات اليد عليه، سواء كانت قدرته حاصلة بالخلقة كالبعير أو بسبب وجوده في أرض ذات ماء وكلاء كالبقر والغنم الضالّة إذا وجدت في العمران، فإن أخذه وتلف كان ضامناً، وهذا في الحقيقة من تطبيقات ما تقدّم في رقم
من حرمة إثبات اليد على مال الغير بدون رضاه فيكون غصباً.
قال
الشيخ الطوسي : «إن وجد شاة في برّيّة فليأخذها وهو ضامن لقيمتها.ويترك البعير إذا وجده في المفازة، فإنّه يصبر على المشي والجوع.فإن وجد بعيراً قد خلّاه صاحبه من جُهد وكان في كلاء وماء لم يجز له أخذه.فإن وجده في غير كلاء ولا ماء كان له أخذه، ولم يكن لأحد بعد ذلك منازعته.وكذلك إن وجد دابّة فالحكم فيها مثل الحكم في البعير سواء».
وقال العلّامة الحلّي: «يجوز لكلّ بالغ عاقل- على كراهيّة إلّا مع تحقّق تلفه... - التقاط كلّ حيوان مملوك ضائع لا يد لأحد عليه في الفلاة...أمّا العمران فلا يحلّ أخذ شيء من الضوالّ فيها وإن لم تكن ممتنعة كأطفال
الإبل والبقر...».
وقال
الإمام الخميني : «إذا وجد الحيوان في العمران لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه أيّ حيوان كان، فمن أخذه ضمنه، ويجب عليه حفظه من التلف
والإنفاق عليه بما يلزم...».
وقال السيّد الخوئي: «إذا وجد حيوان في غير العمران كالبراري والجبال
والآجام والفلوات ونحوها من المواضع الخالية من السكان فإن كان الحيوان يحفظ نفسه ويمتنع عن السباع لكبر جثّته أو سرعة عدوه أو قوّته كالبعير والفرس والجاموس والثور ونحوها لم يجز أخذه، سواء أ كان في كلاء وماء أم لم يكن فيهما إذا كان صحيحاً يقوى على السعي إليهما.فإن أخذه الواجد حينئذٍ كان آثماً وضامناً له، وتجب عليه نفقته ولا يرجع بها على المالك.وإذا استوفى شيئاً من نمائه كلبنه وصوفه كان عليه مثله أو قيمته.وإذا ركبه أو حمّله حملًا كان عليه أجرته ولا يبرأ من ضمانه إلّا بدفعه إلى مالكه...».
ونحوها عبارتا تحرير الوسيلة
وهداية العباد.
يحرم إثبات اليد على صيد الحرم، ويجب
إرساله ، سواء كان المثبت لليد محلًاّ أم محرماً، فإن أمسكه وأثبت يده عليه فهو ضامن لما يتلف منه.قال الشيخ الطوسي: «وكلّ من كان معه شيء من الصيد وأدخله الحرم وجب عليه تخليته... ومن أدخل طيراً الحرم كان عليه تخليته... ومن كان معه صيد فلا يحرم حتى يخلّيه، ولا يدخله معه الحرم،فإن أدخله وجب عليه أن يخلّيه حسب ما قدّمناه، فإن لم يفعل ومات كان عليه الفداء، فإن لم يكن الصيد معه حاضراً، بل يكون في منزله لم يكن عليه شيء».
وقال أيضاً: «صيد الحرم مضمون بلا خلاف بين الفقهاء إلّا داود فإنّه قال:لا يضمن. دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة
الاحتياط ... (و) المحلّ إذا صاد صيداً في الحلّ وأدخله الحرم ممنوع من قتله، وإذا قتله لزمه الجزاء... دليلنا: إجماع الفرقة المحقّة وطريقة
الاحتياط».
وقال المحقّق الحلّي: «يحرم من الصيد على المحلّ في الحرم ما يحرم على المحرم في الحلّ، فمن قتل صيداً في الحرم كان عليه فداؤه... ومن دخل بصيد إلى الحرم وجب عليه إرساله، ولو أخرجه فتلف كان عليه ضمانه سواء كان التلف بسببه أو بغيره».
وقال العلّامة: «من ملك صيداً في الحلّ وأدخله الحرم وجب عليه إرساله وزال ملكه عنه، ولو تلف في يده أو أتلفه كان عليه ضمانه... لأنّ الحرم سبب محرِّم للصيد ويوجب ضمانه فيحرم
استدامة إمساكه
كالإحرام ».
وقال
المحقّق النجفي : «ومن دخل بصيد حيّ إلى الحرم وجب عليه إرساله إجماعاً بقسميه ونصوصاً، بل لو أخرجه من الحرم فتلف كان عليه ضمانه سواء كان التلف بسببه أو بغيره، بل مات حتف أنفه، بلا خلاف أجده فيه؛ لكون يده عادية نحو يد الغصب».
وقال السيّد الخوئي: «إذا أدخل الصيد في الحرم يجب على من أدخله
إطلاقه وإرساله؛ لأنّ الحرم مأمن له، فإن أرسله فمات فليس على الذي أدخله أو صاده شيء، وإن مات عنده قبل الإرسال ولو لآفة سماويّة يكون ضامناً...ثمّ إنّ هذا الحكم لا يختصّ بالمحرم، بل لو أدخل المحلُّ الصيد في الحرم ولو كان طيراً أهليّاً يجب عليه إرساله وإطلاقه؛ لأنّ الحرم مأمن».
كما يحرم إثبات اليد على الصيد للمحرم في الحرم وخارجه غير أنّ الحرمة في الحرم أشدّ وأغلظ، ولو كان معه صيد وجب إرساله، بل لو أعطى المحلُّ المحرمَ صيده فأخذه منه وجب عليه الإرسال أيضاً وضمن للمالك قيمته، فإن أمسكه ولم يرسله فتلف بيده ضمن وإن لم يكن التلف بسببه.
قال الشيخ الطوسي: «إذا كان في يد رجل صيد حلال لم يجز للمحرم أن يستعير منه؛ لأنّه لا يجوز له إمساكه، فإن
استعاره منه بشرط الضمان ضمنه باليد، وإن تلف في يده لزمه قيمته لصاحبه والجزاء للَّه».
وقال المحقّق الحلّي: «ومن كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب إرساله، فلو مات قبل إرساله لزمه ضمانه».
وقال أيضاً في موضع آخر: «لا يجوز للمحرم أن يستعير من محلٍّ صيداً؛ لأنّه ليس له إمساكه، ولو أمسكه ضمنه وإن لم يشترط عليه».
وقال العلّامة الحلّي: «لا يجوز للمحرم أن يستعير الصيد، فإن استعاره من المحلّ لم يجز، فإن قبضه ضمنه؛ لله تعالى بالجزاء ولصاحبه بضمان العارية».
وقال أيضاً في موضع آخر: «وأمّا اليد فإنّ إثباتها على الصيد حرام على المحرم، وهي سبب الضمان، ولا يستفيد به الملك».
وقال كذلك: «إنّ إثبات يد المحرم على الصيد يوجب عليه الضمان، فإن وقع
ابتداء الإثبات في حال الإحرام فهو حرام غير مفيد للملك، ويضمنه كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده...ولو تقدّم ابتداء اليد على الإحرام فإن كان حاضراً معه وجب عليه إرساله...؛ لأنّ الصيد لا يراد للدوام، فتحرم استدامته كالطيب واللبس... ولو لم يرسله حتى تحلّل فهل عليه إرساله؟ وجهان...».
وقال
الفاضل الهندي : «وأمّا اليد فإنّ إثباتها على الصيد حرام على المحرم إجماعاً ونصّاً، وهي سبب الضمان إذا تلف قبل الإرسال ولو حتف أنفه كالغصب، ولا يستفيد به الملك وإن قصده
بالاصطياد أو
الاتّهاب ».
وقال المحقّق النجفي: «يعتبر في المستعير إثبات سلطنته على العين المستعارة، فلا يجوز للمحرم أن يستعير من محلٍّ صيداً؛ لأنّه ليس له إمساكه، بل يجب عليه إرساله، وحينئذٍ فلو أثم وأمسكه ثمّ أرسله ضمنه وإن لم يشترط عليه ذلك في العارية».
وقال المحقّق الأصفهاني: «المستفاد من الأدلّة أنّ إثبات يد المحرم على الصيد حرام حدوثاً وبقاءً، فوجوب الإرسال بملاحظة حرمة إثبات يده عليه بقاءً».
لكن بعض فقهائنا المعاصرين ناقش في تعلّق الضمان بالمحرم إن تلف الصيد بيده خارج الحرم، خلافاً للمشهور بين الفقهاء، وذلك لعدم الدليل عليه.
قال السيّد الخوئي: «إذا كان محرماً ولم يدخل الحرم فلا ريب في وجوب إرسال الصيد عليه وحرمة الإمساك عليه؛ لما تقدّم من حرمة الإمساك ووجوب الإرسال على المحرم وإن لم يدخل الحرم؛ للنصوص.إنّما الكلام فيما إذا لم يرسله ومات عنده حتف أنفه فهل يجب عليه الفداء أيضاً أم لا؟المعروف والمشهور وجوب الفداء وعدم الفرق بين ما إذا كان في الحرم أو في خارجه في حال الإحرام فكان ذلك من آثار الإحرام، بل ادّعي عليه
الإجماع ، ولذا احتاط شيخنا الاستاذ (الميرزا النائيني) في مناسكه في لزوم الفداء، بل قوّاه.
والظاهر أنّه قدس سره اعتمد على الإجماع المدّعى في المقام، وإلّا فلا نصّ في هذا المورد يستفاد منه الإطلاق
والتعميم.واستدلّ صاحب الجواهر- مضافاً إلى الإجماع- باليد، فإنّه بعد ما وجب عليه الإرسال وبعد الحكم بخروج الصيد عن ملكه يكون وضع اليد على الصيد حراماً، فتكون يده يداً عدوانيّة كاليد الغاصبة، فإذا تلف قبل
الإرسال ولو بحتف أنفه يكون ضامناً». ثمّ ناقشه ببعض المناقشات.
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۴۰۴-۴۱۰.