الإفضاء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي بمعنى
الخلوة بالمرأة، مع
مجامعتها أو بدونها، وعلى مسّ الأرض براحة اليد، وعلى جعل مسلكي المرأة واحداً بسبب
الوطء .
الإفضاء: مصدر أفضى بمعنى جعل المكان واسعاً، وبمعنى
الانتهاء والوصول، ومنه قوله تعالى: «أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ»
أي: انتهى إليه فلم يكن بينهما حاجز عن
الجماع .
وبهذه المناسبة اطلق الإفضاء على الخلوة بالمرأة، مع
مجامعتها أو بدونها، وعلى مسّ الأرض براحة اليد، وعلى جعل مسلكي المرأة واحداً بسبب
الوطء .
استعمله
الفقهاء في نفس المعاني اللغوية، ولكن المستعمل كثيراً والذي هو متعلق حكم بعنوانه هو المعنى الأخير؛ فلذا يكون هو المقصود بالبحث هنا.
وأمّا المعاني الاخرى فمتعلّق الحكم هو عناوين اخرى كالجماع
والخلوة وغير ذلك.
هذا وقد اختلفوا في حقيقة إفضاء المرأة على قولين:
الأوّل: أنّه جعل مسلك
الحيض والبول واحداً، ذهب إليه
الشيخ الطوسي حيث قال: «الإفضاء: أن يجعل مدخل
الذكر - وهو مخرج
المني والحيض والولد- ومخرج البول واحداً... وبين المسلكين حاجز دقيق، والإفضاء إزالة ذلك الحاجز».
ووافقه على ذلك جماعة،
بل نسب إلى
المشهور بينهم.
الثاني: جعل مسلك الحيض
والغائط واحداً، وهو ظاهر
يحيى بن سعيد .
وصرّح
فخر المحققين بصدق اسم الإفضاء على كلّ واحد من المعنيين حقيقةً.
وهو مختار بعض المعاصرين.
قال
السيد اليزدي : «والإفضاء أعم من أن يكون
باتّحاد مسلكي البول والحيض أو مسلكي الحيض والغائط أو اتّحاد الجميع وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأوّل».
وعلّله
السيد الخوئي بأنّ تفسير الإفضاء لم يرد في
النصوص حتى تكون له
حقيقة شرعية ، فلابدّ من حمله على معناه اللغوي، وهو جعل الموضع واسعاً، وهو يتحقّق بكلّ من المعنيين.
تترتّب على الإفضاء أحكام تختلف باختلاف الموارد، فالإفضاء قد يكون بسبب
وطء الزوج، وقد يكون بسبب وطء الأجنبي، والزوجة قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة، فهنا صور:
لا خلاف في
حرمة وطء الزوجة التي لم تبلغ تسع سنين، سواء أدّى ذلك إلى الإفضاء أو لا.
وإذا أثم الزوج وعصى ودخل بها فأفضاها تترتّب عليه أحكام وقع الخلاف في بعضها
والاتّفاق في بعضها الآخر، أهمّها ما يلي:
اختاره بعض
الفقهاء قال
الشيخ الطوسي : «إذا تزوّج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين، فوطأها فرّق بينهما، ولم تحلّ له أبداً».
واختار كثير منهم عدم خروجها من حباله، بل تبقى على الزوجية، وكان عليه القيام بها حتى يفرّق
الموت بينهما.
وتوقّف فيه
العلّامة الحلّي والمحقّق الكركي .
لا موضوع لهذا البحث على مبنى البينونة، وإنّما يبحث فيه بناءً على عدم بينونتها، فنقول: لا خلاف في حرمة وطئها قبل
الاندمال ، وإنّما وقع الخلاف بين الفقهاء في الحرمة بعد الاندمال
والبلوغ على قولين:
القول الأوّل: الحرمة مؤبّداً، وهو المشهور،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
وبناءً على الحرمة فهل هي مقيّدة بالإفضاء أو أنّها تتحقّق بمجرّد
الدخول ؟
قال الشيخ بالثاني.
وصرّح المحقّق الحلّي بالأوّل، حيث قال: «إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم تخرج من حباله، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصحّ».
وقال
الشهيد الثاني في
المسالك : «ولم نقف على خبر واحد يدلّ على اشتراط
التحريم بالإفضاء، ولكنّ الأصحاب قيّدوه بذلك».
وقال العلّامة الحلّي: «التحريم منوط بالإفضاء، وإطلاق الشيخ في
النهاية مشكل، والظاهر أنّ مراده ذلك».
فحمل كلام
الشيخ الطوسي على فرض تحقّق الإفضاء.
القول الثاني: عدم الحرمة، وأنّه يحلّ وطؤها بعد الاندمال. اختاره
القاضي ابن البراج ،
ويحيى بن سعيد في
النزهة ،
والفاضل الأصفهاني ، وقوّاه في
الجواهر والعروة ،
قال
المحقق النجفي : «الإنصاف... عدم خلوّه (القول بعدم الحرمة المؤبدة) عن القوّة؛ للعمومات، وخلوّ جميع النصوص المعتبرة مع التصريح في بعضها
بالبقاء على الزوجيّة،
كخبر بريد العجلي عن
الباقر عليه السلام في رجل اقتضّ ( اقتضّ
جاريته : أزال قِضّتها، أي
بكارتها . )
جاريته- يعني امرأته- فأفضاها، قال: «عليه
الدية إن كان دخل بها فأفضاها قبل أن تبلغ تسع سنين، فإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شيء عليه».
وصحيح
حمران عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك، فلمّا دخل بها اقتضّها فأفضاها؟
فقال: «إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضّها، فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج، فعلى
الإمام أن يغرّمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلّقها حتى تموت فلا شيء عليه».
وغيرهما من النصوص التي لا ينبغي
ترك بيان الحرمة المؤبّدة فيها التي هي أولى بالبيان من غيرها من الأحكام، بل لعلّ قوله عليه السلام: «أمسكها» في الخبرين ظاهر في ذلك أيضاً».
وقال
السيد اليزدي : «الأقوى بقاؤها على الزوجيّة وإن كانت مفضاة، وعدم حرمتها عليه أيضاً»، وإن احتاط قبل ذلك بالحرمة عليه لمجرّد الدخول وإن لم يفضها.
لا
إشكال ولا خلاف في
وجوب الإنفاق على الزوجة الصغيرة التي أفضاها الزوج ما دامت
حيّة ،
بل قد ادّعي
الإجماع عليه.
واستدلّ له
برواية الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع عليها فأفضاها، قال: «عليه الإجراء ما دامت حيّة».
وهذا
الوجوب ثابت على القولين- أي القول بخروجها من حبالة الزوج وبينونتها عنه، والقول ببقائها على الزوجية- قال
الشهيد الثاني : «وعلى القولين يجب الإنفاق عليها حتى يموت أحدهما».
وإنّما الخلاف في موردين:
أحدهما: في المطلّقة- بناءً على القول ببقائها على الزوجية- فهل تسقط بذلك
النفقة أو لا؟ ذهب جملة من
الفقهاء إلى عدم سقوطها، فيجب على الزوج الإنفاق عليها حتى بعد
الطلاق وأنّه
المشهور ، وادّعي عليه الإجماع
أيضاً.
واستدلّ له بإطلاق الرواية المتقدّمة، والمحكي عن
الإسكافي سقوط النفقة لها بعد طلاقها.
ثانيهما: في المتزوّجة بآخر فهل تسقط النفقة عليها لو قلنا بعدم سقوطها بالطلاق أو أنّها لا تسقط بل يجب عليه الإنفاق حتى لو تزوّجت؟
ذهب بعض الفقهاء إلى تقييد الحكم بوجوب الإنفاق بما إذا لم تتزوّج بغيره، وحينئذٍ تسقط النفقة؛
نظراً إلى
زوال علّة الوجوب وهي
الزوجية ، والتعطيل على الأزواج،
وامتناع وجوبها بالزوجية على أكثر من واحد.
ونوقش فيه بمنع
التعليل بالزوجية، ومن ثمّ وجبت حال الصغر وبعد البينونة قبل التزويج، وكذا التعليل بالتعطيل لاحتمال كون وجوب الإنفاق
للعقوبة ، ووجوبها عليهما ليس للزوجية فيهما حتى يقال بامتناعه بالزوجية على أكثر من واحد، بل وجوبها على الأوّل للإفضاء، وعلى الثاني للزوجية.
ونسب إلى
فتوى المعظم عدم سقوط النفقة حتى لو تزوّجت.
وجعله بعضهم
أحوط ،
وبعض آخر أقوى.
لا إشكال ولا خلاف في وجوب
الدية بإفضاء الزوجة قبل بلوغها التسع،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
واستدلّ له بإطلاق
خبر سليمان بن خالد عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟ فقال: «الدية كاملة».
فتجب الدية بالإفضاء مطلقاً إلّا في صورة واحدة، وهي إفضاء الزوجة بعد البلوغ؛ لخروجها عن الإطلاق بالإجماع.
وهل تكون الدية ثابتة مطلقاً وإن أمسكها ولم يطلّقها؟
ظاهر المشهور ذلك
تمسكاً بإطلاق بعض الأخبار كصحيح سليمان بن خالد المتقدّم.
وحكي عن
ابن الجنيد سقوط الدية إذا لم يطلّقها،
وهو ظاهر
المحقق البحراني ،
واختاره
السيد الخوئي أيضاً.
واستدلّ
له بظاهر خبر
بريد بن معاوية عن
الإمام الباقر عليه السلام في رجل اقتضّ جارية- يعني امرأته- فأفضاها، قال: «عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين»، قال: «وإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شيء عليه».
ونحوه خبر
حمران .
ونوقش فيه: أوّلًا بحملهما على سقوط الدية
صلحاً ، بأن تختار المقام معه بدلًا عن الدية، فإنّ الدية قد لزمته بالإفضاء بدلالة النصّ والفتوى، فلا تسقط مجّاناً ومن غير
عوض ،
فالمتّجه الحمل على التزامه بوجه
شرعي في مقابلة
إسقاط الدية.
وثانياً بأنّهما مهجوران عند الأصحاب، فلا مجال
للاعتماد عليهما.
أمّا مقدار الدية فقد ذكروا أنّ عليه دية نفسها، ففي الحرّة نصف دية الرجل، وفي
الأمة أقلّ الأمرين من
قيمتها ودية الحرّة.
لا إشكال في وجوب
المهر بالإفضاء.
قال
المحقق النجفي : «إنّ حكم المهر في المفضاة حكمه في غيرها، وإنّما تعرّض له
الفقهاء هنا لئلّا يتوهّم دخوله في الدية، فيختلف حينئذٍ في التسمية وعدمها، وبالنسبة إلى
عقر الأمة وإن كانت
بغياً ، هل هو
مهر المثل أو عشر القيمة في
البكر ونصف العشر في
الثيّب ؟ إلى غير ذلك من الأحكام التي لا فرق فيها بين المفضاة وغيرها.
نعم، هذا كلّه إذا أفضاها
بالوطء ، أمّا لو أفضاها بغيره لم يستقرّ المهر به في
الزوجية ولم يلزمه مهر في الأجنبية؛ لأنّه منوط بالدخول، وهو مفقود».
لا إشكال في ترتّب أحكام الزوجية على المفضاة بناءً على القول
ببقائها على الزوجية، فإن كانت هي الرابعة فلا يجوز لزوجها
التزوّج بخامسة، كما لا يجوز التزوّج باختها، ولا بنت اختها أو أخيها من دون رضاها، وهكذا سائر الأحكام المتعلّقة بالزوجة كثبوت
التوارث بينهما وجواز
طلاقها ونحوهما.
وكذلك لا إشكال في جواز طلاقها، ولا يشترط فيه شرط زائد على غيره من أفراد الطلاق،
خلافاً للبعض الذي يظهر منه اشتراطه
بإغرام الدية،
ولكن يحتمل أنّ مراده توقّف الدية على الطلاق لا العكس وهو يتم بناءً على ثبوت الدية لها إذا طلّقها لا على ما عليه المشهور
من ثبوت الدية لها على كلّ حال.
ويلحق به الولد لو حملت منه بوطئها ولو كان يحرم عليه ذلك وكان عالماً به
كالحائض .
ولو طلّقها جاز له
العود برجعة أو
نكاح مستأنف وكانت عنده كما كانت قبل.
نعم، لا يثبت
الإحصان بها؛ لأنّ من شرطه
التمكّن من الوطء، وهو مفقود هنا، فلو زنى الزوج المفضي أو زنت هي وجب
الحدّ دون
الرجم .
وأمّا بناءً على القول بعدم بقاء الزوجية فلا يترتّب شيء من هذه الآثار.
إذا كانت الزوجة كبيرة بالغة تسع سنين فأفضاها زوجها فهل تحرم عليه بإفضائها مؤبداً أم لا؟
صرّح جماعة من
الفقهاء بعدم
التحريم المؤبّد.
وقال
الشهيد الثاني : «ولو أفضى الزوجة بعد التسع ففي تحريمها وجهان، أجودهما العدم».
وكذا صرّح الفقهاء بعدم
الضمان على الزوج،
بل قال بعضهم: «أطبق الأصحاب
والروايات أنّه لا شيء فيه».
وقال
العلّامة الحلّي : «لو أفضى الزوجة بعد
بلوغها لم يكن عليه شيء، ولو قيل:
يجب عليه الضمان مع
التفريط كان وجهاً».
واستدلّ لعدم الضمان بأنّه
مباح فلا يؤخذ به،
وبصحيحة
حمران عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سئل عن رجل تزوّج
جارية بكراً لم تدرك، فلمّا دخل بها اقتضّها فأفضاها؟ فقال: «إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه».
ثمّ إذا أراد
جماعها ثانياً نظرت، فإن كان الموضع قد اندمل فصار بحيث لا يستضرّ بالجماع كان عليها
التمكين منه، وإن لم يندمل ويخاف عليها أن ينفتق ما اندمل، أو يلحقها مشقّة من جماعه منعته حتى يتكامل
البرء ، فإن اختلفا فالقول قولها؛ لأنّه ممّا لا يمكنها إقامة البيّنة عليه.
الإفضاء بغير وطء الزوج- سواء كان بوطء الأجنبي أو بغير الوطء- يترتّب عليه بعض الأحكام المتقدّمة لا جميعها.
أمّا
الدية فلا إشكال في أنّها تترتّب عليه؛ لأنّها
جناية محرّمة، فوجب ضمانها،
وقد أطلق بعضهم في باب الديات القول بوجوب الدية بالافضاء.
وصرّح آخرون بثبوتها بالإفضاء بغير الوطء أيضاً.
وأمّا التحريم
ووجوب الإنفاق فصرّح بعضهم بعدم ترتّبهما على الإفضاء بغير الوطء:
قال العلّامة الحلّي: «وهل تتعلّق أحكام الإفضاء لو فعله بغير الوطء؟
الأقرب: لا، إلّا الدية فإنّها تجب».
وقال
المحقق النجفي : «الظاهر قصر الحكم على الزوجة الصغيرة المفضاة بالوطء، فلا تحرم الكبيرة ولا المفضاة بالإصبع... للأصل السالم عن المعارض».
وقال
السيد اليزدي : «ولا يلحق بالدخول الإفضاء بالإصبع ونحوه، فلا تحرم مؤبّداً».
واستقرب العلّامة في موضع آخر من كلامه التحريم بالنسبة إلى وطء الأجنبية قائلًا: «وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم، وفي
النفقة إشكال».
وقال ولده في توضيح كلامه: «هذه الأحكام إشارة إلى أحكام ثلاثة:
أ- التحريم المؤبّد.
ب- وجوب الإنفاق دائماً إذا لم تتزوّج.
ج- أنّه لو تزوّجت بغيره هل يجب عليه النفقة أو لا؟».
ثمّ وافقه في الحكم الأوّل- أي التحريم المؤبّد- كما وافقه فيه
المحقق الثاني أيضاً. وأمّا المهر فإن كانت المرأة مطاوعة فلا تستحقّه؛ لأنّه لا مهر لبغيّ، كما أنّه لو كانت
مكرهة تستحقّه.
وقال بعضهم: إذا كانت بكراً استحقّت
أرش البكارة زائداً على
المهر ،
بينما ذهب بعض آخر إلى عدم
وجوبه ؛
لأنّه داخل في ضمن المهر، فلا مجال لوجوب الأرش مع وجوب المهر.
من جملة
العيوب الموجبة
لفسخ عقد النكاح من غير
طلاق الإفضاء، فقد ذكر الفقهاء أنّه إذا ظهر للزوج أنّ المرأة كانت مفضاة فهو
بالخيار ، إن شاء فسخ العقد أو أقام معها،
وقد ادّعي نفي الخلاف في ذلك.
واستدلّ له بصحيح
أبي عبيدة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا دلّست
العفلاء (العَفَل: لحم ينبت في قُبل المرأة، وهو القرن.)
والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنّها ترد على أهلها من غير طلاق».
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۳۰۷-۳۱۸.