اختلاف الودعي والمستودع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هنا يأتي اختلاف الودعي والمستودع في التف والقيمة والرد و...
(وإذا) اختلفا فادّعى الودعي التلف وأنكره المالك أو اتّفقا عليه ولكن (ادّعى المالك التفريط فالقول قول المستودع مع يمينه) بلا خلاف في الأخير إلاّ من حيث لزوم اليمين، فيأتي فيه خلاف من أنكره في الأوّل؛ لعموم دليله، ولكن المشهور خلافه، لعموم : «البيّنة على المدّعى، واليمين على من أنكر».
وعلى الأشهر الأظهر في الأوّل مطلقاً، أطلق التلف أو ادّعاه
بأمر خفيّ أو ظاهر، بل عن التذكرة
الإجماع عليه وعلى لزوم اليمين.خلافاً للمبسوط
في دعوى التلف بأمر ظاهر، فلم يقبل قوله حينئذٍ إلاّ ببيّنة؛
لإمكان إقامتها.
وهو شاذّ، ومستنده غير واضح، وعموم البينة على المدّعى وإن ساعده إلاّ أنه لا
اختصاص له بالفرد الذي ذكره، بل يجري في الفردين اللذين تقدما، والحال أنه لم يلتزمه.
وللمقنع، فقدّم قوله مطلقاً من دون يمين كذلك؛ لما رواه مرسلاً عن مولانا
الصادق عليه السلام ، أنه سئل عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال : «نعم، ولا يمين عليه» ولم نعثر عليه في المقنع المطبوع، ولكن أورده عنه في الوسائل
ونسبه في الفقيه إلى مشايخه.
وهو مشعر بشهرة ذلك في الزمن الأوّل، وربما اعتضد بالنصوص الناهية عن اتّهام المستأمن ولا ينفك
الإحلاف عنه؛ مضافاً إلى
الأصل النافي للزومه.
لكن الإجماع المتقدم الذي هو في حكم خبر صحيح معتضد بالشهرة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً أوهن المصير إليه، مع عدم وضوح سند الأحاديث الدالّة عليه، ومعارضتها بمفهوم المرسلة المروية في الغنية قال بعد الحكم بما في العبارة في الصورة الثانية ـ : وروى أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب.
وبمضمونها في المسألة أفتى
الإسكافي والحلبي كما حكي.
لكنها في ضعف السند كما مرّ، فليس عليهما المعتمد والمعوّل، بل العمل على الأوّل، فإنه أظهر وأحوط.
(ولو اختلفا في مال) هو في يد المستودع ولو
بإقراره أنه (هل هو وديعة) عنده (أو دين) عليه (فالقول قول المالك بيمينه) على (أنه لم يودع) بلا خلاف؛ عملاً بعموم على اليد الموجب لضمان ما أخذته، خرجت عنه
الأمانة حيث تكون معلومة بالإجماع فتوى ورواية، وبقي الباقي يشمله عموم الرواية.
والموثق كالصحيح : عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل : كانت عندي وديعة، وقال الآخر : إنما كانت عليك قرضاً؟ قال : «المال لازم إلاّ أن يقيم البينة أنها كانت وديعة».
والرواية كما ترى صريحة، إلاّ أنها كالعبارة مطلقاً غير مقيّدة بثبوت وقوع المال في يد المستودع، إلاّ أن
الإطلاق منصرف إليه
بالتبادر والغلبة، فإن الوديعة لا تكون إلاّ به غالباً في العادة، وما عداه يرجع فيه إلى أصالة براءة الذمة.وبما ذكرناه من التقييد صرّح الحلّي، وقال بعده : والمسألة غامضة.
وأمارة الغموض بعد التقييد بذلك غير واضحة؛ لتظافر الأدلّة من
الاعتبار والسنة بوضوح المسألة، ولعلّه لهذا ردّه الفاضل في المختلف،
وتبعه المقداد في التنقيح،
أو لدعواه التقييد المتقدم. وبيانه الفرق بين دعوى الوديعة مع الإقرار بوقوعها في يده فما ذكره، وبدونه كأن قال : ما عندي وديعة، فالقول قوله، للأصل، وعدم المخرج عنه، فإن الإقرار بالوديعة أعم من الإقرار بالأخذ باليد الموجب للضمان المسقط لدعواه.
ووجه الردّ حينئذٍ ما تقدّم من النص المطلق؛ مضافاً إلى ظهور لفظة «عندي» في الإقرار بتسليط اليد، بناءً على الغالب كما مرّ، فيحكم به بالإقرار باليد على الظاهر. ولا بأس به، وفاقاً لظاهر إطلاق الأكثر، كالإسكافي والطوسي.
ويفهم من قوله : (إذا تعذّر الردّ أو تلف العين) أن مع عدم التعذّر القول قول الودعي. ولا ريب فيه؛ لأصالة عدم
القرض ، فله ردّ نفس العين، والخبر المتقدم صريح في التلف، فلا يعمّ غيره.
(ولو اختلفا في القيمة) بعد
الاتفاق على التلف بالتفريط (فالقول قول المالك مع يمينه) كما عن الشيخين وفي الغنية؛
لخروجه بالتفريط عن الأمانة.ويضعف بأنه ليس مأخذ القبول حتى يقال : إنه خرج عن الأمانة، بل لأنه منكر للزيادة فيشمله عموم الرواية : «البينة على المدّعى واليمين على من أنكر».
(و) لذا (قيل :) كما عن الحلبي والحلّي وابن حمزة
إن (القول قول المستودع وهو أشبه) وأشهر، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر، والرواية المدّعاة على الأوّل مرسلة خارجة بذلك، مع عدم جابر لها بالمرّة عن الحجية.
(ولو اختلفا في الردّ) فأنكره المالك (فالقول قول المستودع) وإن كان مدّعياً بكل وجه، على المشهور، بل في المختلف في كتاب
الوكالة حكى عن الحلّي الإجماع عليه،
ونسبه المفلح الصيمري إلى الجميع، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه وعلى اعتبار اليمين هنا، قال بعد الحكم : وعليه فتوى الجميع وإن استشكله بعضهم بعد
الفتوى لاحتمال أن يكون القول قول المالك؛ لأنه منكر وقد قال
رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم : «البينة على المدّعى واليمين على من أنكر» ولم أجد قائلاً بهذا
الاحتمال ، بل الفتاوى متطابقة على أن القول قول الودعي؛ لأنه أمين قبض المال لمصلحة المالك، فيكون قوله مقبولاً بالردّ، وهو المعتمد. انتهى.
ويعضد الإجماع الذي ادّعاه ما مرّ في
المضاربة من جواب المشهور عمن يدّعي قبول قول العامل بالردّ قياساً على المقام بأنه مع الفارق، لكونه فيه قبض المال لنفع المالك
والإحسان إليه فلا سبيل له عليه دون العامل، لعدم قبضه إيّاه كذلك، بل لنفع نفسه، فلا إحسان
بالإضافة إليه. فلولا الإجماع لأُشير ولو في كلام بعضهم بمنع المقيس عليه، ولم يُشَر إليه في كلامٍ أصلاً، بل ظاهر
الاستدلال يقتضي الوفاق على الحكم هنا، مع أن بالإجماع على قبول دعوى الرد ممن قبل الأمانة لمجرد الإحسان بالمالك صرّح في المهذب في كتاب الوكالة، وسننقل كلامه المصرّح به ثمّة.
ومن بيان الفارق ثمّة يظهر حجة أُخرى في المسألة؛ مضافاً إلى حكاية الإجماع المتقدمة، مع أن ظاهرهم الاتفاق على تقديم قوله في التلف ولو في الجملة،
استناداً إلى مجرّد الأمانة، وهي جارية في المقام بلا شبهة، فكما يخصّص بها الأصل وعموم الرواية المتقدمة بالإضافة إلى تلك المسألة، فليخصّصا بها هنا لا محالة، هذا.
مضافاً إلى التأيّد بالنصوص المتقدم إليها
الإشارة الناهية عن رمي الأمين بالتهمة، وتكليفه بالبينة على الردّ يلزمه، لكن فيه مناقشة.وكيف كان فلا مذهب عن هذا القول ولا مندوحة.
هذا إذا ادّعى ردّها على من ائتمنه. أما لو ادّعاه على غيره كالوارث فكغيره من الامناء يكلّف بالبينة؛ لأصالة عدمه وهو لم يأتمنه، فلا يكلّف تصديقه، بلا خلاف فيه، وفي أن دعوى ردّها على الوكيل كدعوى ردّها على الموكّل، لأن يده كيده.
رياض المسائل، ج۹، ص۴۳۳-۴۳۸.