استراق السمع
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعني
الاستماع مستخفيا .
الاستراق- لغةً- من
السرقة ، أي أخذ الشيء في
الخفاء والستر ، واستراق السمع هو الاستماع مستخفياً،
ومنه قوله عزّ من قائل: «وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ• إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ».
وليس للعنوان
معنى اصطلاحي في
الفقه .
وهو- لغةً- تتبّع
الأخبار والتفتيش عن بواطن الامور،
ولا يخرج استعمال
الفقهاء عن
المعنى اللغوي .
والتجسّس يكون
بالسمع وغيره، وأمّا استراق السمع فلا يكون إلّا بالسمع.
وقال بعض
اللغويين : إنّ التجسّس أكثر ما يقال في
الشرّ .
ولكن استراق السمع يعمّ الشرّ
والخير ، كما هو ظاهر إطلاق كلامهم.
ويمكن الفرق بينهما بأنّ التجسّس إنّما يستعمل- ولو غالباً- فيما يتوقّف على
الصبر والتأنّي ، بينما استراق السمع يستعمل في مورد
السرعة والتعجيل .
اختلف في معنى التحسّس لغة، فقيل: هو نفس معنى التجسّس بالجيم،
فيكون الفرق بينه وبين استراق السمع نفس الفرق بين التجسّس واستراق السمع.
وقيل: إنّ التحسّس هو طلب الشيء
بالحاسّة ،
فيكون أعمّ من استراق السمع؛ لأنّ التحسّس قد يكون بغير استراق السمع
كإبصار الشيء خفيةً.
وقيل: إنّ التحسّس هو الاستماع لحديث القوم لطلب خبرهم في الخير،
فيكون أعمّ من استراق السمع من جهة أنّ الاستماع يكون سرّاً
وجهراً ، وأمّا استراق السمع فلا يكون إلّا سرّاً، ولكنّه أخصّ من استراق السمع من جهة أنّ التحسّس لا يستعمل إلّا في الخير بينما استراق السمع يستعمل في الخير والشرّ معاً.
وقيل: إنّ التحسّس هو طلب الخبر لنفسه فقط،
فيكون أخصّ من استراق السمع؛ إذ استراق السمع يكون لنفسه ولغيره.
يحرم استراق السمع والاستماع خفيةً إلى حديث الناس بقصد معرفة أسرارهم وخفاياهم التي لا يرضى
الشارع بكشفها للآخرين؛ لشمول أدلّة
النهي عن
التجسّس والتفحّص عن عورات الناس، قال اللَّه تعالى: «وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً».
وروي عن
إسحاق بن عمار أنّه قال: سمعت
أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: يا معشر من أسلم
بلسانه ولم يخلص
الإيمان إلى
قلبه لا تذمّوا
المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع اللَّه عورته، ومن تتبّع اللَّه تعالى عورته يفضحه ولو في بيته».
وقد وردت بهذا المضمون
روايات كثيرة.
والتجسّس والتتبّع يشمل ما إذا كان باستراق السمع أيضاً.
وورد في
حديث عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «... ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون يصبّ في
اذنيه الآنك
يوم القيامة ».
نعم، لو لم يترتّب على استراق السمع
فساد ولم يكن المسموع من الأسرار والعورات التي لا يرضى الشارع بكشفها فلا يحرم؛ لعدم الدليل على
الحرمة في هذه الصورة.
ثمّ إنّه يستثنى من حرمة استراق السمع والتجسّس عن أسرار الناس ما إذا توقّف غرض أهمّ لا يرضى الشارع
بتركه بوجه على استراق السمع والتجسّس عن
حريم مسلم ، كما إذا خلا بمن كان دمه محترماً ليقتله ظلماً فإنّه يجوز حينئذٍ استراق السمع والتجسّس عن حريمه للمنع من
القتل ؛ لأنّ إنقاذ
النفس المحترمة من
الهلاك أهمّ من استراق السمع فترتفع بذلك حرمته.
ومن ذلك أيضاً ما إذا توقّف
إصلاح المجتمع المسلم وحسم مادّة الفساد عنه أو حفظ
النظام الإسلامي والدولة الحقّة
العادلة على استراق السمع والتجسّس، ففي هذه الصورة يجوز
للحاكم الشرعي أو من ينوب عنه استراق السمع والتجسّس على من يظنّ أنّه بصدد الإطاحة بالحكومة الشرعيّة أو تضعيفها أو نشر الفساد بين المسلمين ونحو ذلك لأهميّة هذه الامور، فترتفع بذلك حرمة استراق السمع والتجسّس عن حريم الأشخاص.
والتفصيل موكول إلى محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۳۱۶-۳۱۸.