الأم النسبية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي التي تكون الصلة بينها وبين ولدها هي الولادة شرعاً،
وهو ما يثبت عند الفقهاء بأمور، هي:
يثبت نسب الأمومة بإيلادها
ابنها عن
نكاح الصحيح، والمراد به الوطء المستحقّ شرعاً، دائماً كان أو منقطعاً أو ملك يمين وإن حرم بعارض، كالوطء في
الصوم أو
الحيض أو
الاعتكاف .
فالامّ التي ولدت
الإنسان بنكاح صحيح تسمّى امّاً نسبية.
وكذا يثبت نسب الأمومة
بإيلادها الطفل عن وطء الشبهة،
وهو الوطء الذي ليس بمستحقّ في نفس الأمر مع
اعتقاد فاعله
الاستحقاق ، أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع كالتعويل على إخبار المرأة بعدم الزوج أو بانقضاء العدّة، أو مع
ارتفاع التكليف بسبب غير محرّم كوطىء النائم والمجنون ونحوهما. وتسمّى المرأة الوالدة الموطوءة شبهة امّاً أيضاً.
وعلى هذا فلو تزوّج امرأة في عدّتها، أو تزوّج المفقود زوجها من دون فحص ولا رفع إلى حاكم، ولكن ظنّ وفاته لطول المدّة، أو تعويلًا على إخبار من لا يوثق به، أو شهادة العدل الواحد، وغير ذلك من الصور التي يجب فيها الفحص والسؤال، فإنّ الظاهر أنّ ذلك كلّه
زنا لا يثبت معه النسب شرعاً، إلّاإذا اعتقد جواز النكاح في تلك الصور لشبهة محتملة في حقّه، فإنّه حينئذٍ يكون وطء شبهة، ويصدق عليه حدّه؛ نظراً إلى اعتقاده الاستحقاق، لا لأنّ جهالته مغتفرة في الشرع؛ لأنّ الفروج لا تستباح إلّابسبب شرعي، فما لم يتحقّق فيه السبب المبيح فهو محرّم داخل في الزنا، ومن المعلوم أنّ الشارع لم يبح الوطء بمجرّد الاحتمال أو الظنّ، وإنّما أباحه بشرط العلم بالاستحقاق، أو حصول ما جعله أمارة للحلّ.
قال
العلّامة الحلّي : «النسب يثبت مع النكاح الصحيح... ومع الشبهة، فلو وطأ امرأة ظنّها زوجته فحملت لحق به النسب، ولحقه حكم
أولاد النكاح الصحيح، وكذا لو نكح نكاحاً فاسداً بظنّ
الإباحة - كنكاح الشغار- فحملت المرأة منه لحق به النسب أيضاً».
وأمّا التولد من الزنا فلا يثبت به النسب، وادّعي عليه
الإجماع .
قال العلّامة الحلّي: «لا يثبت النسب مع الزنا، فالواطي امرأة بالزنا لو حملت لم يلحق به الولد . نعم، تحرم على الزاني والزانية؛ لأنّه مخلوق من مائه فهو ولده حقيقة».
نعم، يعدّ ذلك ولداً لغةً لا شرعاً، كما صرّح به جماعة من الفقهاء.
قال
المحقّق الحلّي في مقام بيان وجه حرمة الولد على الزاني والزانية: «لأنّه مخلوق من مائه، فهو يسمّى ولداً لغةً»».وقال
المحقّق الكركي : «فإنّ ذلك يعدّ ولداً لغة وإن كانت تسميته ولداً منتفية شرعاً، فيتبع التحريم اللغة».
وعلى هذا فلا تترتّب عليهما آثار الامومة والولديّة من حيث التوارث وغيره، غير حرمة النكاح.
واحتمل
المحقّق العراقي أن يكون نفي الولدية عن ابن الزنا مختصّاً بباب التوارث لا غير،
كما شكّك
السيّد الحكيم في وجود إطلاق يتضمّن نفي بنوّة ولد الزنا مطلقاً مع اعترافه بكون ذلك مشهوراً.
من هنا فالأقرب ما ذهب إليه السيّد الخوئي من أنّ الشارع لم يضع اصطلاحاً خاصّاً للولد، وإنّما أخذه بمعناه اللغوي، وابن الزنا ولد- لغةً وعرفاً- فيكون كذلك شرعاً وتترتّب عليه تمام أحكام الولد باستثناء
الإرث ؛ لقيام الدليل على عدم التوارث بينه وبين والديه، ومجرّد عدم التوارث لا ينفي ولديته لُامّه أو أبيه، كيف؟ ولم يورّثوا القاتل لأبيه، أو الولد
الكافر .
وقع بحث بين الفقهاء المتأخّرين في
إلحاق الطفل المولود عن التلقيح الصناعي وتحديد هويّة والديه، وقد ذكرت هنا صور نشير إلى أهمّها فيما يلي:
لا إشكال في إلحاق الولد بهما في هذه الصورة، والزوجة امّ لهذا الولد؛ لأنّه ولد لهما حقيقة، ولا شبهة فيه عرفاً وشرعاً.
بل ذكر بعض الفقهاء أنّ
الأمر كذلك لو كانت الزوجة مطلّقة وزرعت المني المحفوظ لزوجها في رحمها دون
إذنه فصار ولداً، فإنّه تترتّب عليه تمام أحكام الولد من النسبية والسببية، فتكون المرأة المطلّقة امّاً له، ولا فرق في ذلك بين كون الزرع في العدّة أو بعد انقضائها، كما لا فرق بين كونها مطلقة طلاقاً رجعياً أم بائناً، سوى أنّها لو كانت في غير العدّة أو كانت مطلقة طلاقاً بائناً فلا يجوز لها استعمال منيّ زوجها السابق؛ لأنّها
أجنبية عنه، لكن لو خالفت واستعملته فإنّه يترتّب عليه النسب.
ذهب بعض
الفقهاء إلى حرمة تلقيح المرأة بماء رجل لا يحلّ له وطؤها وإن رضي الزوج بذلك.
وذهب بعض المعاصرين إلى جواز ذلك، حيث قال: «لا مانع شرعاً من تلقيح المرأة بنطفة رجل أجنبي في نفسه».
ولكن إذا حملت المرأة من هذا
التلقيح فالولد ملحق بصاحب الماء، وهذه المرأة امّ له أيضاً، وإن أثمت المرأة بالتلقيح إذا كانت مختارة في اجرائه، وأثم صاحب النطفة إذا كان عالماً مختاراً في ذلك.
الظاهر أنّه في هذه الصورة لا إشكال في ابوّة الرجل، أمّا
الامّ فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال:
أنّ الامّ من ولدت الولد وحملته وربّته في بطنها من بدو التكوّن حتى
الولادة ، فهي امّ له عرفاً وشرعاً. وقد ذهب إليه
السيّد الخوئي ، حيث قال: «المرأة المذكورة التي زرع
المني في رحمها امّ للولد شرعاً؛ فإنّ الامّ هي المرأة التي تلد الولد ، كما هو مقتضى قوله سبحانه وتعالى: «الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِن نِسَائِهِم مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَائِي وَلَدْنَهُمْ»،
وصاحب النطفة
أب له، وأمّا زوجته فليست امّاً له».
أنّ الامّ هي صاحبة البويضة، كما قال
السيّد الخامنئي : إذا تولّد طفل من طريق تلقيح نطفة رجل أجنبيّ ببويضة امرأة أجنبية، ثمّ زرع في رحم زوجته يلحق الطفل بصاحب النطفة وبالمرأة صاحبة البويضة، ويشكل إلحاقه بالمرأة التي تكون صاحبة الرحم فقط، فينبغي لهما مراعاة
الاحتياط بالنسبة للأحكام الشرعيّة الخاصّة بالنسب.
وهذا ما مال إليه
السيّد السيستاني أيضاً.
نعم، ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أنّ الولد وإن كان لصاحبة البويضة إلّاأنّ التي حملت في بطنها تكون بمنزلة امّه الرضاعية، وقرّب ذلك بما يمكن
إرجاعه إلى الأولوية؛ فإنّه إذا كان الرضاع موجباً للُامومة مع كونه يشتدّ به العظم ويزيد به اللحم، فالحمل أولى بذلك بعد أن كان الجسد كلّه تقريباً قد أخذه الولد من الامّ.
هذا، وقال
الإمام الخميني : «لو انتقل
الحمل في حال كونه علقة أو مضغة أو بعد ولوج الروح من رحم امرأة إلى رحم امرأة اخرى فنشأ فيها وتولّد، هل هو ولد الاولى أو الثانية؟ لا شبهة في أنّه من الاولى إذا انتقل بعد تمام الخلقة وولوج الروح، كما أنّه لا إشكال في ذلك إذا اخرج وجعل في رحم صناعية وربّي فيها، وأمّا لو اخرج قبل ذلك حال مضغته- مثلًا- ففيه إشكال.نعم، لو ثبت أنّ نطفة الزوجين منشأ للطفل فالظاهر إلحاقه بهما، سواء انتقل إلى رحم المرأة أو رحم صناعية».
هذا، وتفصيل الكلام في مسائل التلقيح
والرضاع يراجع في مصطلح (تلقيح، رضاع، نسب).
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۴۱۲-۴۱۷.