الإحصار (أثره)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإحصار (توضيح).
يترتّب على
تحقّق الإحصار في الحجّ والعمرة
أثر واحد هو
جواز التحلّل للمحرم بهما قبل إتمامهما، وهو ما يقع
البحث عنه في جملة امور:
لو تلبّس
المحرم بإحرام الحجّ أو العمرة وجب عليه
إكمال نسكه إجماعاً،
فلا يجوز له رفع
اليد عنهما
اختياراً . نعم، لو تحقّقت
أسباب الإحصار والصدّ بحيث لم يتمكّن عن
إتمام نسكه، جاز له التحلّل والخروج عن
إحرامه لما سيأتي. هذا ما صرّح به الفقهاء
كالشيخ الطوسي و
ابن إدريس و
العلّامة الحلّي وغيرهم،
ولا
خلاف بينهم في ذلك،
بل عليه
الإجماع .
ويدلّ عليه ما ورد في جواز التحلّل عند طروّ الموانع، كقوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»،
فإنّ
المستفاد منها
وجوب إتمام الحجّ والعمرة، وعدم جواز
رفع اليد عنهما اختياراً. نعم، لو احصر ومنع عن
إتيان الحجّ والعمرة يتحلّل من الإحرام بالهدي كما سيأتي، فلا
إشكال في دلالة الآية على حكم من احصر عن إتمام نسكه لمرض. نعم، قد وقع البحث في عمومها للصدّ أيضاً، حيث ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّ
المراد من الإحصار في الآية هو المعنى اللغوي الشامل للصدّ بقرينة ورود الآية في قضيّة صدّ المشركين
للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، كما سوف يأتي تفصيله في مصطلح (صدّ). وكيف كان، لا إشكال في دلالة الآية على جواز التحلّل لمن احصر لمرض، سيّما مع ما ذكر في ذيلها من عدم جواز الحلق إلّا بعد
بلوغ الهدي محلّه- أي منى- وهذا حكم خاص بالمحصور المصطلح.
كما يستفاد ذلك من النصوص الكثيرة أيضاً
: منها: صحيحة
معاوية بن عمّار عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «المحصور غير المصدود، والمصدود تحلّ له النساء، والمحصور لا تحلّ له النساء».
وكذا
الصحيحة الاخرى لمعاوية بن عمّار و
موثّقة زرعة وغيرهما من الروايات التي سيأتي ذكرها.
صرّح الفقهاء بعدم الفرق في جواز التحلّل عند طروّ المرض بين الحجّ الصحيح و
الفاسد ، فإذا أفسد حجّه ثمّ احصر أو صدّ كان له التحلّل
وسقط عنه وجوب إتمام الحجّ الفاسد بلا خلاف عندهم؛
نظراً إلى عموم النصوص كتاباً وسنّة، أو إطلاقهما الرافع
لاحتمال الاختصاص بالصحيح، فيلزم العمل بأحكام الإحصار، مضافاً إلى ما يترتّب على
فساد حجّه من
البدنة والحجّ من قابل.
ومرادهم من الحج الفاسد الذي تجري فيه أحكام الصدّ والحصر هو ما جامع فيه الرجل
المرأة حال الإحرام، دون ما فسد بغيره، كما لو ترك
طواف عمرة التمتع عامداً عالماً حتى ضاق به وقت الحج عن
إدراك الوقوفين ، وكذا ما لو ترك الوقوفين متعمّداً فإنّ الحجّ يفسد بذلك، لكن لا يجب على صاحبه إتمامه بخلاف الحجّ الذي جامع فيه فإنّه يجب إتمامه.
وقد اختلف
الفقهاء في وجه
تخريج وجوب
الإتمام فيه، فبناءً على ما ذهب إليه
السيد الخوئي وبعض
تلامذته من أنّ إطلاق لفظ الفساد عليه مجاز
كناية عن عدم
إمكان الاكتفاء به ووجوب
إنشاء حجّ جديد في العام القابل عقوبةً له على ما أتى به حال الإحرام فوجه تخريج وجوب الإتمام واضح فيه؛ إذ هو حجّ صحيح ينطبق عليه
الأمر بوجوب إتمام الحجّ والعمرة. وأمّا بناءً على فساد الحجّ المذكور حقيقة و
ابتناء الإجزاء على ما يأتي به في العام المقبل فلا يتّجه
التمسّك بالأمر بإتمام الحجّ والعمرة فيه لعدم صدق عنوان الحجّ والعمرة على الفاسد منهما أو إن صدق لم يجب الإتمام لكون المراد ممّا يجب إتمامه خصوص الصحيح، وحينئذٍ فلا يمكن تخريجه إلّا
بافتراض أنّ الإتمام فيه جاء عقوبة وأنّه وجب بأمر جديد، فمع الصدّ عنه أو الإحصار يشمله قوله تعالى: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ» وتجري فيه أحكامهما.
تقدّم آنفاً جواز التحلّل لمن منعه المرض من إتمام النسك، لكن ذلك من باب
الرخصة لا
العزيمة ، فيجوز له
الصبر و
البقاء على إحرامه رجاء
زوال المانع،
فالأمر بالإحلال في النصوص والفتاوى وإن كان ظاهراً في
الوجوب بدواً، إلّا أنّه حيث كان في مقام توهّم
الحظر فيحمل على
الإباحة ، بل ظاهر الفقهاء
الاتّفاق عليه.
فللمحصر التحلّل عند طروّ المرض، وله أن يؤخّره حتّى ييأس من زوال العذر فيتحلّل بالهدي أو بالعمرة بعد تحقّق
الفوت . وممّا تقدّم يظهر أنّه لا يعتبر في الحكم بجواز التحلّل،
اليأس من زوال المرض، بل يجوز التحلّل حتى مع الظنّ بزوال العذر، كما سيأتي تفصيل ذلك في أسباب الحصر.
قال في ذيل
الآية المباركة المتقدّمة: «إذا احصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي؛ لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هدياً».
قال: «لو أخّر التحلّل حتى تحقّق الفوات فله ذلك، وحينئذٍ يتحلّل بالعمرة ويتحلّل
بالهدي منها لو تعذّرت».
قال - ضمن بيان أحكام الصدّ الذي يشترك مع الإحصار: «إنّ الأمر
بالإحلال في النصّ و
الفتوى وإن أفاد الوجوب إلّا أنّ الظاهر
إرادة الإباحة منه؛ لأنّه في مقام توهّم الحظر كما صرّح به غير واحد، بل ظاهرهم الاتّفاق عليه كما عن بعض
الاعتراف به، فإذا بقي على إحرامه حينئذٍ للحجّ حتى فات الحجّ كان عليه التحلّل بعمرة إن تمكّن منها كما هو شأن من يفوته الحجّ، ولا دم عليه لفوات الحج كما صرّح به المصنّف في الفرع الثاني و
الفاضل وغيرهما، بل في
كشف اللثام أنّه المشهور؛
للأصل وغيره».
كذا قال: «التحلّل بالهدي للمصدود رخصة لا أن يكون واجباً عليه فيصحّ له التحلّل بالعمرة في كلّ مورد يجوز له ذلك، كما يجوز التحلّل بالهدي لأجل الصدّ ولا دم عليه حينئذٍ لفوات الحجّ وإن كان
أحوط ».
وحيث ثبت جواز التحلّل بالإحصار أو البقاء على إحرامه
رجاء زوال المانع وقع البحث في ما هو
الأفضل منهما، فذهب جماعة من الفقهاء- كالمحقق والعلّامة والشهيدين وغيرهم
ولا فرق في ذلك بين المصدود والمحصور. إلى أفضليّة المصابرة عند الظن أو الرجاء
بارتفاع المانع، حتى أنّ
المحقق السبزواري ادّعى عدم نقل الخلاف فيه؛
لأنّ فيه مظنّة
إدراك المناسك الذي هو مطلوب شرعاً.
قال: «يستحب له
تأخير الإحلال؛ لجواز زوال العذر، فإذا أخّر وزال العذر قبل تحلّله وجب عليه إتمام نسكه إجماعاً... ولو غلب على ظنّه
انكشاف العدوّ قبل الفوات جاز له أن يتحلّل؛ للعموم، لكنّ الأفضل البقاء على إحرامه، فإن فات
الوقوف أحلّ بعمرة».
وأمّا ما يترتّب على
المصابرة فسيأتي
التعرّض له في
أسباب الإحصار .
إذا احصر المحرم أو صدّ فتحلّل ثمّ انكشف الخلاف وعدم وجود
المانع أو زواله هل يمضي في نسكه الذي كان قد بدأ به أم لا بدّ من
إنشاء إحرام جديد؟ يختلف الجواب
باختلاف المبنى في حكم التحلل المذكور. فبناءً على أنّه حكم ظاهري يجب عليه
الإتيان بمناسكه بعد انكشاف الخلاف؛ لبقاء حكم الإحرام عليه، وبناءً على أنّه حكم واقعي فهو حلّ واقعاً ولو انكشف الخلاف، وحينئذٍ قد يجب عليه أن يحرم ثانياً بإحرام الحجّ من ميقاته أو بإحرام العمرة من
ميقاتها . وتفصيل ذلك متروك إلى محلّه في مصطلح (حج).
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۵۰-۵۵.