الإكرام الراجح
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
حثّت
الشريعة على الإكرام في موارد عديدة، أهمّها:
•
إكرام الإنسان ، ثمّة
إكرام عام يتعلّق
بالإنسان على مستوى خلقته وتعظيم اللَّه تعالى له وتسخير كلّ شيء لأجله.
ورد في بعض الروايات الحثّ على إكرام بعض الحيوانات، مثل: البقر، والغنم،
والحمام ، والخطّاف.ففي مرسل
الصدوق قال: قال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «اتّقوا اللَّه فيما خوّلكم، وفي العجم من أموالكم، فقيل له: وما العجم؟ قال:
الشاة والبقر والحمام».
وورد عن
جميل بن أنس ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «أكرموا البقر فإنّها سيّد البهائم، ما رفعت طرفها إلى السماء حياءً من اللَّه عزّوجلّ منذ عبد العجل».
كما ورد إكرام بعض الحيوانات القاطنة في أماكن خاصّة كالحرم المكّي والمدني بحيث يحرم قتلها
والاعتداء عليها، وهو إكرام يرجع في روحه إلى إكرام الحرم نفسه.
ودلّت بعض الأخبار على رجحان إكرام بعض الأشجار كالنخلة، ففي مرسل مروك عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «استوصوا بعمّتكم النخلة خيراً، فإنّها خلقت من طينة آدم، ألا ترون أنّه ليس شيءٌ من الشّجرة يلقح غيرها؟».
كما ورد إكرام بعض النباتات الخاصة بمنطقة جغرافية معيّنة، مثل نباتات الحرم، لهذا يحكم بحرمة قطعها أو قلعها،
وكذلك الحال في أشجار الحرم المدني مع خلاف بينهم في حرمة قطعها أو كراهته.
وهذا الإكرام يرجع في روحه أيضاً إلى إكرام الحرم نفسه.
ورد في الشريعة الترغيب والحثّ على إكرام بعض الأشياء، وأبرزها ما يلي:
يظهر من كلمات الفقهاء أنّ إكرام
القرآن راجح، بل هو واجب في مقابل
الإهانة ؛ لهذا حكموا بحرمة إهانته؛
وذلك لبعض الروايات، التي منها: خبر
إسحاق بن غالب عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «إذا جمع اللَّه عزّوجلّ الأوّلين والآخرين إذا هم بشخص قد أقبل لم يُر قطّ أحسن صورة منه، فإذا نظر إليه المؤمنون- وهو القرآن- قالوا:هذا منّا، هذا أحسن شيء رأينا، فإذا انتهى إليهم جازهم، ثمّ ينظر إليه الشهداء حتّى إذا انتهى إلى آخرهم جازهم، فيقولون: هذا القرآن، فيجوزهم كلّهم حتّى إذا انتهى إلى المرسلين فيقولون: هذا القرآن، فيجوز حتّى ينتهي إلى
الملائكة فيقولون: هذا القرآن، فيجوزهم، ثمّ ينتهي حتّى يقف عن يمين العرش، فيقول الجبّار: وعزّتي وجلالي
وارتفاع مكاني، لُاكرمنّ اليوم من أكرمك، ولُاهيننّ من أهانك».
ومظاهر إكرام القرآن كثيرة، ومنها:
۱-
إزالة النجاسة عن ورق المصحف الشريف وخطّه، بل عن جلده وغلافه؛ إذ هي واجبة إذا كان تركها موجباً للهتك، كما أنّه معه يحرم مسّ خطّه أو ورقه بالعضو المتنجّس وإن كان متطهّراً من الحدث.وأمّا إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته.
۲-
الاستماع له
والإنصات حين القراءة في صلاة الجماعة، كما صرّح بوجوبه بعض الفقهاء.
ويدلّ عليه قوله تعالى: «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاستَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».
بل من الراجح مطلق الاستماع إليه والإنصات أيضاً.
۳- تجنّب بيعه وشرائه، فإنّه حرام؛ لما فيه من
الابتذال له وانتفاء التعظيم على رأي بعض الفقهاء.
وقد ذكر بعض الفقهاء أيضاً أنّه يجب إكرام أهل القرآن، ويحرم استضعافهم وإهانتهم؛
فقد روى
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ أهل القرآن في أعلى درجة من
الآدميّين ما خلا النبيّين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإنّ لهم من اللَّه العزيز الجبّار لمكاناً عليّاً».
وما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:«حملة القرآن هم المحفوفون برحمة اللَّه، الملبسون نور اللَّه، المعلّمون كلام اللَّه، من عاداهم فقد عادى اللَّه، ومن والاهم فقد والى اللَّه».
ورد في الأحكام الفقهية الكثير ممّا يتّصل بإكرام المساجد وتعظيمها، مثل حرمة إهانة
المسجد الحرام والكعبة، بل تحدّث الفقهاء عن الحكم بقتل من تغوّط فيهما، وقد وردت أحكام تحرّم تنجيس المساجد وهتك حرمتها، بل يجب إزالة النجاسة عنها، وفي ذلك منتهى التكريم لها والتعظيم.ويتميّز في هذه الأحكام الحرمان:المكّي والمدني. وتفصيل ذلك في محلّه.
ينبغي إكرام الخبز الذي لولاه لم يصلِّ الناس ولم يصوموا ولم يؤدّوا فريضة من فرائض اللَّه، ومن إكرامه أن لا ينتظر به غيره إذا وضع، ولا يوطأ، ولا يقطع،ولا يوضع تحت القصعة، بل هو مكروه كالقطع بالسكّين، والشمّ كشمّ السباع،
وإحصاؤه فإنّه يحصي على من أحصاه إلّا عند الضرورة.
ويدلّ على استحباب إكرام الخبز ما رواه عمرو بن جميع عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة فرأى كِسْرَةً كاد يطأها، فأخذها وأكلها، وقال: يا حميرا، أكرمي جوار نِعم اللَّه عليك؛ فإنّها لم تنفر عن قوم فكادت تعود إليهم».
وربما يستفاد من سائر الروايات أنّه ينبغي إكرام سائر نِعم اللَّه تعالى، وإن كان إكرام الخبز أشدّ طلباً من غيره.
من الراجح إكرام الشعر، فقد روى السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من اتّخذ شعراً فليحسن
ولايته ، أو ليجزَّه».
وما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال:«
الشعر الحسن من كسوة اللَّه فأكرموه».
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۲۳۰-۲۴۵.