الإيمان (أماراته)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإيمان (توضيح).
تختلف علامات الإيمان وأمارته، ويمكن بيانها كما يلي:
فإنّه حجّة ذاتيّة للعالم به، كما ثبت في محلّه من علم الاصول، بل وكذلك
الاطمئنان البالغ مرتبة العلم العادي الذي لا يعتني العقلاء معه
باحتمال الخلاف؛ لجريان
السيرة العقلائيّة على
الاعتماد عليه في امورهم من غير ردع عنها في
الشريعة المقدّسة.
قال السيّد الخوئي: «ولا تشمله (الاطمئنان) الأدلّة الناهية عن العمل بالظنّ؛ لخروجه عن موضوعها في نظرهم؛ لأنّه علم عندهم، ومن هنا يعاملون معه
معاملة العلم الوجداني». ثمّ قال: «إنّه لا فرق في
حجّية العلم الوجداني أو الاطمئناني العادي بين أسبابه، فلا فرق بين حصوله من
الشياع أو من غيره؛ لأنّه متى ما حصل للمكلّف علم عاديّ أو وجداني
بالعدالة أو غيرها جاز له أن يرتّب عليه
آثار العدالة أو غيرها ممّا تعلّق به علمه».
وهي أيضاً من الحجج الشرعيّة من دون خلاف ولا إشكال، فإنّهم وإن اختلفوا في وجه حجّيتها بين من استدلّ عليها بالإجماع، ومن استدلّ بفحوى ما يدلّ على حجّيتها في المرافعات والخصومات، حيث قدّمها الشارع على غير
الإقرار من معارضاتها، فهو في غير
القضاء أولى.
ومن استدلّ لها بالأخبار، كموثقّة
مسعدة ابن صدقة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة»،
ورواية عبد اللَّه بن سليمان عنه عليه السلام أيضاً في الجبن، قال: «كلّ شيء لك
حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه
ميتة ».
ومن استدلّ لحجّيتها ببناء
العقلاء ، بالقول بأنّها حجّة عقلائية قد أمضاها
الشارع بعمله؛ وذلك لأنّ البيّنة بمعنى ما يتبيّن به الشيء، وقد استعملت بهذا المعنى في غير واحد من الآيات وكلمات
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في قوله صلى الله عليه و
آله وسلم في حديث
هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان»،
أي لمطلق ما يتبيّن حجّيتها بمعناها المصطلح إلّافي موارد خاصّة دلّ
الدليل على عدم كفايتها ولزوم
التعدّد بأكثر من ذلك كما في
الزنا ، حيث حكم بلزوم كونها أربعة رجال. ومع هذا الاختلاف كلّه في
مدرك حجّية البينة، إلّاأنّه لا خلاف بينهم في
أصل حجّيتها.
نعم، قد يستشكل في شمولها لمثل العدالة والإيمان لكونهما من الامور غير الحسّية؛ وذلك لأنّ أدلّة
الشهادة إنّما تدلّ على حجّيتها فيما شهد به الشاهد عن حسّ
كما ثبت في محلّه. ولكن اجيب عنه بأنّ ذلك إنّما يصحّ في
الأمور الحدسية النظرية الصرفة، وأمّا الحدسيّات القريبة من الحسّ بحيث يمكن
إدراكها بإدراك آثارها- كملكة
الشجاعة و
الجبن والعدالة و
السخاوة ، وكذا الإيمان إن فسّرناه بالاعتقاد وكون اللفظ كاشفاً عنه محضاً- فتجري فيها الشهادة أيضاً وتشملها أدلّة حجّية الخبر.
نعم، إذا تمّ
الالتزام بعدم حجّية خبر الثقة في الموضوعات أشكل
الاعتماد عليه هنا.
فقد جعله
المحقّق الحلّي من طرق
إثبات إيمان الشاهد قائلًا: «يثبت الإيمان بمعرفة
الحاكم أو قيام البيّنة أو الإقرار»،
وكذلك فعل العلّامة الحلّي،
بل ظاهر
الدروس انحصار الطريق فيه حيث قال: «يعلم الإسلام والإيمان بالإقرار».
وعلّله الشهيد الثاني بأنّ الإيمان حيث يكون ممّا لا يعلم إلّامن قبله فلا طريق لإثباته إلّاإقراره؛ ولذلك حكم برجوع العلم والبيّنة أيضاً إلى الإقرار؛ لأنّ علم
الحاكم وكذا علم الشاهدين لا يحصل لهم إلّا من طريق إقرار المُقرّ، فمرجع الثلاثة إلى شيء واحد وهو الإقرار.
واجيب عنه بما مرّ من أنّ الإيمان كالعدالة ونحوهما من الملكات لها آثار قابلة للإدراك، فهي مدركة بإدراك آثارها، فيمكن للغير العلم بها من طريق العلم بالآثار، فلا وجه
لإرجاع الثلاثة إلى الإقرار، قال
المحقّق النجفي : «بل السيرة القطعيّة عليه كغيره من الامور
الباطنة ، ولهذا قال المصنّف: ما سمعت، لا لما ذكره».
وكيف كان، فالإقرار المذكور في كلام المحقّق وغيره قد يحتمل أن يكون المراد منه هو الإقرار بالإيمان بأن يقول: إنّي
مسلم أو
مؤمن ، وحينئذٍ قد يستشكل في حجّية الإقرار وطريقيّته هنا؛ وذلك لأنّ الإقرار إنّما يكون حجّة في موردين:
۱- فيما لا يعلم إلّامن قبل المقرّ ككون
المرأة ذات عدّة أو حامل ونحوها، لكنّه حينئذٍ حجّة من حيث كونه خبراً يجب الأخذ به في بعض المواطن لا إقراراً، فهو خارج عن الإقرار حقيقة. ۲- ما إذا كان الإقرار على نفس المقرّ؛ لما دلّ على أنّ إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز .
والإيمان ليس من الأوّل؛ لما مرّ عن المحقّق النجفي والسيّد الخوئي وغيرهم من أنّ للإيمان والعدالة ونحوهما آثاراً، فهي مدركة بتبع آثارها، وليس ممّا لا يعلم إلّا من قبله. كما أنّ كونه من الثاني يبتني على كون الإقرار على نفسه، لا لنفسه ولا لغيره. (كما إذا أقرّ بالإسلام أو الإيمان مع ثبوت تحقّق
شرب الخمر عنه بإقراره أو قيام البيّنة أو العلم، فإنّ عند ذلك يؤخذ بإقراره بإسلامه وإيمانه وشربه؛ لأنّه عليه لا له، وأمّا إذا كان الإقرار لنفسه كما إذا كان بعد
إحراز منصب القضاء أو
إمامة الجماعة أو
الجمعة أو أخذ
الزكاة أو ليعتقد
الناذر بعتق
رقبة مسلمة أو مؤمنة، فإنّ أدلّة نفوذ الإقرار غير شاملة لمثل ذلك؛ لأنّه لنفسه لا عليها. ) ولذلك نرى الفقهاء لا يقولون بطريقيّة الإقرار لإثبات العدالة والاجتهاد و
الأعلميّة ونحوها؛ لعدم كونها من الأوّل ولا من الثاني.
قال
السيّد اليزدي : «يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني، كما إذا كان المقلّد من أهل الخبرة وعلم باجتهاد شخصٍ، وكذا يعرف بشهادة
عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد، وكذا يعرف بالشياع المفيد للعلم، وكذا الأعلميّة تعرف بالعلم أو البيّنة غير المعارضة، أو الشياع المفيد للعلم».
وقال في طرق إثبات العدالة: «يجب في
المفتي و
القاضي العدالة، وتثبت العدالة بشهادة عدلين و
بالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة أو
الاطمئنان بها، وبالشياع المفيد للعلم».
نعم، زاد بعضهم إليها طرقاً اخرى كالخبر الواحد الموثّق مطلقاً، وحسن
الظاهر في خصوص العدالة،
ولكنّهم لم يتعرّضوا في هذا
المجال للإقرار. فالصحيح كون المراد من هذا الإقرار خصوص
إظهار الشهادتين أو هما مع
الولاية باللسان عند الحاكم أو عند الشاهدين، فيكون ذلك إسلاماً أو إيماناً ظاهريّاً يعامل
معاملة الواقعي، ويجوز لمن سمع ذلك منه وعلم به الشهادة به كما يجوز له
ترتيب آثاره عليه، سواء جعلنا هذا الإقرار باللسان جزءً للإيمان أو شرطاً له، أو جعلناه كاشفاً عنه كما اختاره
المشهور .
وكيف كان، فلو كان المراد من الإقرار الوارد في كلمات المحقّق والعلّامة وغيرهما إظهار الشهادتين والولاية لساناً، فلابدّ من
إقامة الدليل على طريقيّته إلى
الاعتقاد الذي هو الإيمان حقيقة، وظاهر
المسالك الاستدلال له بأنّه ممّا لا يعلم إلّا من قبله، ولكن قد مرّ
الإشكال فيه صغرويّاً بأنّه ليس كذلك؛
لإمكان الشهادة على آثاره، مضافاً إلى الإشكال في عموم هذه
الكبرى وشمولها للمقام. (إذ هو قاعدة مستفادة من الأخبار الواردة في أبواب مختلفة كالعدّة و
الحيض كما وردت في صحيحة
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام : «العدّة والحيض للنساء إذا ادّعت صدّقت». )
(وفي باب الدعاوى مع
اليمين وكذا قول
الأمين مع عدم
التهمة ، وإلّا فيستحلف.نعم، قد يدّعى كون هذه القاعدة من القواعد المعوّل عليها عند العقلاء في كلّ ما لا طريق لإثباتها كما ادّعاه
السيّد الحكيم ، فيبقى الإشكال حينئذٍ في الصغرى خاصّة.)
وقياس الإسلام بالإيمان غير صحيح كما لا يخفى؛ ضرورة أنّ
حقيقة الإسلام نفس الشهادتين لساناً بخلاف الإيمان، فبقي الإقرار بلا دليل عليه في هذا المقام، أي إثبات الإيمان، ونتيجته
انحصار طرق إثبات الإيمان في العلم والبيّنة.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۴۱۵- ۴۲۰.