الاختلاف في مدة عقد الإجارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إذا اختلفا في قدر المدة التي وقع عليها عقد
الإجارة ففيه صورتان: أ- قال المؤجر: (إنّها شهر بمائة) وقال
المستأجر : (هي شهران مثلًا بمائة) فإن لم يكن للمستأجر بينة قدّم قول منكر الزيادة، ب- قال المالك مثلًا: (آجرتك كلّ شهر بدرهم) من غير تعيين فقال المستأجر: (بل سنة بدينار) فانّه بناءً على
بطلان الإجارة مشاهرةً.
إذا اختلفا في قدر المدة التي وقع عليها عقد الإجارة فقال المؤجر: (إنّها شهر بمائة) وقال المستأجر: (هي شهران مثلًا بمائة) فإن لم يكن للمستأجر بينة قدّم قول منكر الزيادة. وقد استدلّ عليه بموافقة قول المالك- منكر الزيادة في المدة- للأصل ومخالفة قول المستأجر له، فيكون قول المدعي بحاجة إلى بيّنة.
هذا، ولكن ذكر الشيخ في موضع بأنّه مع اختلاف المكتري والمكري في قدر المنفعة أو
الأجرة فالمرجع هو القرعة، فمن خرجت باسمه حلف وحكم له به؛ لإجماع الفرقة على ردّ كل مشتبه إلى القرعة.
وقال في موضع آخر بالتحالف: «إن لم يكن بيّنة أصلًا فلا يخلو إمّا أن يكون
التحالف عقيب العقد أو بعد المدّة، فإن تحالفا عقيب العقد ينفسخ العقد بحكم الحاكم، وإن تحالفها بعد
انقضاء المدة فيجب على المكتري
أجرة المثل ».
وهذا ظاهر في أنّه من التداعي والتحالف، وقد ذهب إليه جملة من الفقهاء نظراً إلى أنّ
الإجارة أمر وجودي يدّعي كل منهما تحققها ضمن حدّ معين وفي كمية خاصة من المنفعة فيندرج في باب التداعي المحكوم بالتحالف.
قال العلّامة في بعض كتبه: إذا ادعى المالك أنّها سنة واحدة بدينار وقال المستأجر بأنّها سنتان بدينار فالأقرب التحالف؛ لأنّ كلّ منهما مدعٍ ومنكر، ولا
اتفاق بينهما على
أمر واحد، فإن تحالفا قبل مضي شيء من المدة فسخ العقد ورجع كلّ منهما في ماله، وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر اقرّ العقد الذي يدعيه الحالف، وإن كان التحالف بعد المدة أو شيء منها سقط المسمّى ووجبت اجرة المثل ما لم تزد عمّا يدعيه المالك أو تنقص عما يدعيه المستأجر.
وذهب إلى التحالف أيضاً
المحقق الكركي و
الشهيد الثاني .
واحتمل في القواعد في فرض التحالف
استحقاق المستأجر المنافع سنة بالنسبة لفرض الدينار؛ لتوافقهما على وقوع الإجارة سنة، ولأنّ اجرتها لا تنقص عن نصف دينار، فإن ثبت ذلك فلا دليل على نفيه.
قال في
كشف اللثام بأنّه إذا نكلا معاً عن التحالف: «اقتسما شهراً من شهرين، بأن تكون الدار عند المستأجر شهراً ونصفاً ويسقط ربعها من المستأجر، وإن كان النزاع بعد الشهرين المذكورين فإنّ للمالك في نصف شهر اجرة المثل».
واحتمل
المحقق النجفي القول بالقرعة بلا يمين، وعدم الرجوع إلى التنصيف؛ لعدم شمول دليله للفرض.
ولكن مشهور المتأخّرين ما تقدم من أنّه ليس من التحالف بل من المدعي والمنكر، حيث إنّ الإجارة على المدة والمنفعة أو العمل الأقل متيقن وكذلك ملكية المستأجر للمنفعة الأقل، وإنّما الخلاف في ملكية الزائد على هذا المقدار فيدعيها المستأجر وينكرها المالك فيكون من المدعي والمنكر. نعم لو كان المالك مدّعياً للزيادة في المدّة والمستأجر مدّعياً للأقل بنفس الاجرة- وإن كان هذا الفرض نادراً- كان من تعارض
الإقرارين و
الاعترافين ولم يكن من المدعي والمنكر كما تقدم بيان مثله سابقاً.
لو اختلفا في مدة العقد من حيث التعيين وعدمه بأن قال المالك مثلًا: (آجرتك كلّ شهر بدرهم) من غير تعيين فقال المستأجر: (بل سنة بدينار) فانّه بناءً على
بطلان الإجارة مشاهرةً، فالمسألة ترجع إلى الخلاف في فساد العقد وصحته فهل يقدّم قول المستأجر بلحاظ كونه مدّع للصحة ولموافقتها للأصل، أو يقدّم قول المالك
لادعاء المستأجر أمراً زائداً وهو
استئجار سنة بدينار والمالك ينكره؟
قال العلّامة: «في تقديم قول المستأجر نظر، فإن قدّمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأوّل، وكذا
الإشكال في تقديم قول المستأجر لو ادّعى اجرة معلومة أو عوضاً معيّناً وأنكر المالك التعيين فيهما- بحيث لزم الغرر والجهالة- فالأقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى».
ولعلّ الوجه في صحة العقد في الشهر الأوّل هو
اشتمال دعوى المستأجر على أمرين: الصحة وخصوص ذلك التعيين- أي السنة مثلًا- فإذا قدّمنا قول المالك في دعواه ذلك وجب انتفاءه بيمينه. وأمّا القدر المتفق عليه بينهما وهو تعيين الاجرة كشهر بدرهم- إن كان تصريف الدينار اثنا عشر درهماً- فإنّ
الاختلاف لا يكون إلّا في صحة وفساد العقد، فيقدّم قول المستأجر بيمينه.
هذا، ولكن ضعّف
الاحتمال المذكور بأنّ المتنازع فيه عقد واحد، فإذا حكم بفساده لحلف المالك على عدم تعيين المدة فيه انتفى، وتنتفي معه الامور التي تضمّنها وهي إجارة الشهر وغير ذلك.
ويمكن أن يقال: أنّ كلا الطرفين متفقان على وقوع الإجارة على سنة بدينار، إمّا
ابتداءً أو من خلال الإجارة مشاهرةً، فإنّها تشمل السنة أيضاً كل شهر منها بدرهم، والذي يكون مجموعه بدينار فانشاء الإجارة على هذه المدة بدينار أصله مسلّم، وإنّما الاختلاف في أنّه هل وقع ضمن عقد صحيح أو فاسد فيكون المقام من مصاديق الفرع الرابع المتقدم، والذي حكم فيه بأنّ القول قول المستأجر المدعي للصحة.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۴۲۴- ۴۲۶.