الامتثال الإجمالي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا شبهة ولا خلاف في جواز
الامتثال الإجمالي بمعنى ترك طريقي
الاجتهاد والتقليد والعمل على ما هو مقتضى
الاحتياط في المعاملات بالمعنى الأعم كتطهير المتنجّس بالغسل مرتين عند الشكّ في
اعتبار التعدد وعدمه، سواء كان المكلّف متمكّناً من الامتثال التفصيلي- اجتهاداً أو تقليداً- أم لا، وسواء كان مستلزماً للتكرار أم لا.
وأمّا المعاملات بالمعنى الأخص- أي العقود والإيقاعات- فالظاهر أنها كذلك، كما إذا شُكّ في
اعتبار العربية في صيغة العقد وعدمه أو اعتبار كونها جملة اسمية كما في
الطلاق وعدمه، فلا مانع من أن يُجمع بين الصيغتين ويحتاط بالتكرار، وإن كان قد يستشكل فيه
باخلاله بالجزم المعتبر في
الإنشاء .
وأمّا العبادات فقد ينسب إلى المشهور
بطلان عبادة تارك طريقي
الاجتهاد والتقليد
ويستشكل تارة في كفاية
الامتثال الإجمالي فيها مطلقاً، نظراً إلى
احتمال وجوب قصد الوجه والتمييز، ولا يمكن
إتيان العبادة متميّزة عن غيرها في موارد الامتثال الإجمالي بالاحتياط، بدعوى أنّ العقل يستقل بحسن الإتيان بالمأمور به بقصد الوجه متميّزاً عن غيره، وأنّه لا حسن في العمل الفاقد لهما.
واجيب عنه بعدم اعتبار قصد الوجه أو التمييز في العبادات تمسّكاً باطلاق أدلتها، بل ذلك في جملة من العبادات يقطع بعدم اعتباره لكثرة
ابتلاء الناس بها، فلو كان الوجه أو التمييز معتبراً فيها لورد عليه دليل عن المعصومين عليهم السلام، وهذا بنفسه دليل قطعي على عدم الاعتبار.
واخرى يستشكل في خصوص المستلزم للتكرار، ويحكم بلزوم
الامتثال التفصيلي مع
الإمكان مستدلًا له بأنّ الامتثال الإجمالي في العبادات يعد عند العقلاء لعباً وعبثاً بأمر المولى؛ إذ المكلّف مع قدرته على تحصيل العلم بواجبه من دون الضمائم والتكرار يأتي بها معها وفي ضمن أفعال متعدّدة، وما كان لعباً بأمر المولى لا يمكن أن يقع مصداقاً لمحبوبه.
واجيب عنه أيضاً
بانكار اللعبيّة إذا كان التكرار بغرض عقلائي، كما إذا كان في تحصيل العلم بالامتثال التفصيلي كلفة زائدة وكان يأتي بها مكرراً فراراً عن تحمل الكلفة الزائدة،
بل حتى إذا لم يكن فيه كلفة زائدة؛ لعدم كون التكرار لعباً بأمر المولى أصلًا.
وتفصيل هذا البحث أكثر من هذا المقدار متروك إلى البحث الاصولي.
ثمّ انّ لهذه القاعدة تطبيقات فقهية كثيرة نشير إلى أهمها فيما يلي:
ثمّ الصلاة أو
الطواف معها ثمّ غسل الأعضاء أو الثياب بثاني الماءين والتطهّر منه ثانياً ثمّ تكرار العمل معها فإنّ هذا النحو من العمل يحصل للمكلّف العلم باتيانه للصلاة المشروطة بالطهارة الحدثية والخبثية إجمالًا، ولا شك في عدم جواز
الاكتفاء بهذا الامتثال
الإجمالي بناء على القول بلزوم الامتثال التفصيلي مع التمكن منه، وأمّا مع عدم التمكن منه أو القول بكفاية الامتثال الإجمالي في العبادات على القاعدة يقع الكلام في جوازه في خصوص المقام بمقتضى الروايات الواردة فيه، مثل قوله عليه السلام: «يهريقهما ويتيمّم».
وأنّ المراد من الرواية هل هو لزوم العدول إلى التيمّم أو جوازه؟ ظاهر أكثر المتقدمين والمتأخّرين اللزوم، وظاهر المعاصرين الجواز مع
الاحتياط استحباباً.
قال الشيخ: «إذا كان معه اناءان فاشتبها وكان معه إناء طاهر متيقن وجب أن يستعمل الطاهر، ولا يجوز
استعمال المشتبهين».
وقال العلّامة: «لو استعمل
الإناءين وأحدهما نجس مشتبه وصلّى لم تصح صلاته ولم يرتفع حدثه سواء قدّم الطهارتين أو صلّى بكلّ واحد صلاةً؛ لأنّه ماء يجب اجتنابه فكان كالنجس، وكذا لو استعمل أحدهما وصلّى به».
وقال
السيد اليزدي : «الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل وغسل
بدنه من الآخر ثمّ توضّأ به أو اغتسل صحّ وضوءه أو غسله على الأقوى، لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة، ومع
الانحصار الأحوط ضمّ التيمم أيضاً».
وقال أيضاً: «إذا انحصر الماء في المشتبهين يتعيّن التيمم، وهل يجب
إراقتهما أو لا؟ الأحوط ذلك، وإن كان الأقوى العدم».
هذا في المشتبه من حيث النجاسة ونحوها، وأمّا الماءين المشتبهين من حيث
الإطلاق وعدمه فالمحكي من الشيخ أنّه لا بأس به
واستحسنه العلّامة.
قال في
المنتهى : «أمّا لو كان أحدهما ماء والآخر مضافاً قال الشيخ: يتطهّر بهما، وهو حسن، خلافاً لابن إدريس».
فانّه بناء على عدم كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكّن من التفصيلي لا يجوز تكرار الصلاة فيهما، وأمّا بناء على كفايته- على القاعدة- يجوز ذلك، ولكن حكم بعضهم بلزوم الصلاة عارياً،
ولعلّه لما مرّ من الرواية في الماء.
قال العلّامة: «لو وجد المتيقن طهارته مع الثوبين المشتبهين صلّى في المتيقن؛ لأنّ وجه الوجوب وهو التمكّن في ثوب طاهر موجود في الثوب فيتعيّن».
وقال
المحقق الكركي : «إنّما اشترط ذلك لأنّ الجزم في النية شرط الصحة، ومع الصلاة في الثوبين لا جزم؛ إذ لا يعلم أيّ الصلاتين فرضه لعدم علمه بالثوب الطاهر، وأمّا مع فقد غيرهما فلا مانع، لأنّ الجزم إنّما يجب بحسب الممكن. وخالف
ابن إدريس فمنع من الصلاة فيهما مطلقاً وحتم الصلاة عارياً مع فقد غيرهما».
وكذا الكلام بالنسبة للمشتبه من جهة الغصبية، إلّا أنّ فيه مزيد
الإشكال من ناحية عدم الجواز التكليفي أيضاً كحرمة التصرف الفعلي في
أطراف الشبهة فيجب طرحهما قطعاً.
والكلام في مقتضى القاعدة كما مرّ ولكن خارجاً عن مقتضى القاعدة قد وردت روايات هنا أيضاً في خصوص المسألة لا بدّ للفقيه من لحاظها، مثل: خبر
خراش الظاهر في لزوم الصلاة إلى أربع جهات ونفي اعتبار الاجتهاد والتحرّي، وأخبار
ظاهرة في حجّية الظن الحاصل بالاجتهاد والتحرّي عند الجهل حاصلها جواز الاكتفاء بالظنّ الحاصل من الاجتهاد عن الصلاة إلى الجهات.
قال
المحقق الهمداني : «هل يجوز ترك الاجتهاد وتكرار الصلاة أربعاً إلى الجهات الأربع احتياطاً أم يجب بذل جهده في تشخيص جهة القبلة بالعلم إن أمكن وإلّا فبالظنّ؟ ظاهر كلماتهم
التسالم على الأخير، خصوصاً مع التمكن من تحصيل العلم، بل ربّما يظهر من بعض دعوى
إجماع المسلمين عليه، ولكن قد يقوى في النظر الأوّل؛ لعدم اعتبار الجزم في النية».
وقال
المحقق النائيني : «إنّ العلم والعلائم والبينة تكون في عرض واحد ومقدمة على الظنّ المطلق، كما أنّها مقدمة على الامتثال الإجمالي... بناء على أنّ الامتثال التفصيلي مقدّم على الامتثال الإجمالي كما بيّن في محلّه...». ثمّ قال: «الظنّ الحاصل بالاجتهاد في مورد اعتباره يكون مقدّماً على الامتثال الإجمالي؛ لأنّ الظنّ يكون حينئذٍ حجة شرعية والامتثال به يكون امتثالًا تفصيلياً فيقدّم، وأمّا ما يظهر من خبر خراش من أنّ الحكم عند تعذّر العلم التفصيلي هو الصلاة إلى أربع جهات فمأوّل أو مطروح؛ لصراحة الأخبار في أنّ الحكم عند تعذّر العلم التفصيلي هو
التحرّي والاجتهاد والعمل بما أدّى إليه الاجتهاد، وهذه الأخبار مع صراحتها وعمل المشهور عليها لا يمكن طرحها لأجل خبر يحتاج العمل به إلى جابر مفقود في المقام».
بل مطلق الدين- مرتين إلى المستحق وغيره عند
اشتباه المستحق.
عند الشك في اعتبار بعض القيود كالعربية والماضوية وكونها بجملة اسمية وغيرها كما في النكاح والطلاق وغيرهما.
الموسوعة الفقهية، ج۵، ص۳۵۹-۳۶۴.