البئر (تطهير مائه)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
البئر (توضيح).
التطهير تارة يطلق ويراد به معناه
المصطلح - أي رفع عَرَض
النجاسة - واخرى يطلق ويراد به رفع
القذارة المعنوية أو المادّية وإن لم يكن نجساً في
الاصطلاح ، ومن
المعلوم أنّ التطهير بالمعنى المصطلح إنّما يبحث عنه بناءً على تغيّر الماء في أحد أوصافه؛ لتنجّسه به قطعاً عند الكلّ، أو
القول بتنجّسه بمجرّد الملاقاة وإن لم يتغيّر على ما مرّ تفصيله، وأمّا مع عدمهما فلا معنى للبحث عن التطهير بالمعنى المصطلح لفرض طهارة الماء، وعليه يكون النزح- وجوباً أو
استحباباً - حكماً تكليفياً محضاً بغرض رفع
الاستقذار العرفي.
وكيف كان، فلابدّ من البحث
الإجمالي في تطهير البئر على كلتا الصورتين:
أما بناءً على القول بتنجّس البئر بمجرّد الملاقاة، فإن كان مع التغيّر فالمنسوب إلى القائلين بهذا القول أقوال سبعة بعد
اتّفاقهم على عدم حصول الطهارة قبل زوال التغيّر، فالأقوال إنّما هي بالنسبة لاشتراط الزائد على ذلك، وهي:
الأوّل:
الاكتفاء بنزح ما يزيل التغيّر، سواء كانت النجاسة منصوصة أو غير منصوصة، وسواء كان نصّها نزح
الجميع أو لا، وسواء ساوى ما زال به التغيّر المقدّر أو زاد عليه أو نقص عنه، وهو
المنسوب جماعة؛
للأخبار الدالّة على طهارة المتغيّر بالنزح المزيل للتغيّر، كقول
أبي الحسن الرضا عليه السلام في صحيح
محمّد بن إسماعيل بن بزيع : «... إلّاأن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح منه حتى يذهب
الريح ويطيب طعمه؛ لأنّ له مادّة».
القول الثاني: وجوب نزح أكثر
الأمرين من المقدّر وما يزول به التغيّر، إلّافيما لا نصّ فيه وما يكون نصّه نزح الجميع ففيهما ينزح الجميع ومع
التعذّر فالحكم فيه
التراوح . وهذا القول منسوب إلى
ابن إدريس والشهيد في
المسالك ، واستوجهه
السيّد العاملي بناءً على القول بالنجاسة.
وقال
المحقّق النجفي : «وهو
الأقوى ؛ جمعاً بين
الأدلة ... بل ينبغي أن يجب تمام المقدّر بعد زوال
التغيير كما يظهر من بعضهم (ولعلّه المحقّق الحلّي في
المعتبر حيث قال: «حتى يزول التغيّر ويستوفى المقدّر». )
لولا ما يظهر من الأخبار أنّ
المقصود زوال التغيير على أيّ وجه يكون ولو
باستيفاء المقدّر، فإنّ قوله: (انزح حتى يزول التغيير) يصدق على نازح المقدّر أنّه نزح حتى زال التغيير، والنيّة غير معتبرة، فيتّجه حينئذٍ دعوى دخول الأقلّ هنا في الأكثر... وأمّا وجوب نزح الجميع فيما لا نصّ فيه فلأنّ له مقدّراً قطعاً قبل حصول التغيير، وذلك المقدّر غير معلوم، فأوجبنا من باب المقدّمة نزح الجميع...».
القول الثالث: نزح ما يزيل التغيّر وّلًا، ثمّ نزح المقدّر تماماً إن كانت النجاسة ممّا له مقدّر، وإلّا فالجميع، ومع التعذّر التراوح. وهو
منسوب إلى بعضهم.
واستدلّ له المحقّق النجفي بأنّها أسباب، و
الأصل عدم تداخلها بالنسبة إلى نزح الجميع. وأورد عليه بفهم
التداخل في خصوص المقام.
القول الرابع: الاكتفاء بأكثر الأمرين فيما له مقدّر، وفي غير المنصوص يرجع إلى زوال التغيّر؛ وكأنّ
المستند في الأوّل ما تقدّم، وفي الثاني أخبار التغيّر من دون معارض لها؛ لأنّ الفرض أنّه ليس له مقدّر منصوص فتبقى بغير معارض. وهذا ما استحسنه في
الحدائق .
القول الخامس: وجوب نزح الجميع، واحتمل المحقّق النجفي أنّه المشهور بين القائلين بتنجّس البئر بالملاقاة. واستدلّ له- مضافاً إلى الأخبار الدالّة على ذلك، كخبر
معاوية بن عمّار ،
وأبي خديجة،
ومنهال
-
باستصحاب بقاء النجاسة وعدم الطهارة إلّابنزح الجميع بناءً على
تعارض الأخبار و
تساقطها .
ثمّ إنّ القائلين بنزح الجميع اختلفوا في الحكم عند تعذّر نزح الجميع بين قائل بالتراوح وقائل بالنزح إلى زوال التغيّر؛ جمعاً بين ما دلّ على نزح الجميع وما دلّ على النزح إلى زوال التغيّر، بحمل الاولى على فرض
الاختيار ، والثانية على فرض التعذّر، وقائل بمراعاة أكثر الأمرين من المقدّر- إن كان كذلك- و
زوال التغيّر.
ظاهر
الشرائع في قوله: «وإذا تغيّر أحد أوصاف مائها بالنجاسة، قيل: ينزح حتى يزول التغيّر، وقيل: ينزح جميع مائها، فإن تعذّر
لغزارته تراوح عليها أربعة رجال، وهو الأولى»،
ونسبه السيّد العاملي إلى عدّة.
مذهب
الشيخ الطوسي حيث قال في
النهاية : «فإن تعذّر ذلك نزح منها إلى أن يرجع إلى حال الطهارة»،
وقال في
المبسوط : «فإن تعذّر استقي منها إلى أن يزول عنها حكم التغيّر»،
وعبارته الثانية أوضح في المراد.
مذهب
ابن زهرة و
ابن سعيد، وظاهر الشهيد في الذكرى
و
اللمعة حيث قال في الثاني: «ولو تعسّر جمع بين المقدّر وزوال التغيّر»؛
جمعاً بين النصوص وزوال التغيّر المعتبر في طهارة ما لا ينفعل كثيره، فهنا أولى.
فصارت الأقوال سبعة.
هذا على القول بتنجّس ماء البئر بالملاقاة، وأمّا بناءً على القول الآخر وهو عدم تنجّسه إلّابالتغيّر، فالظاهر عدم الخلاف بينهم في حصول الطهارة بزوال التغيّر.
قال المحقّق النجفي: «الظاهر من القائلين بطهارة البئر وعدم نجاستها إلّا بالتغيّر- كما هو
المختار - وأنّ النزح في المقدّرات مستحبّ، أنّ تطهيرها بالنزح حتى يزول التغيير؛ عملًا بالأخبار
الصحيحة الصريحة الظاهرة في أنّ حالها حال الجاري، وقد عرفت أنّ طهره بزوال التغيير بأيّ وجهٍ يكون... بل لو نزح حتى زال التغيير وإن لم يخرج من المادّة شيء، فالظاهر حصول الطهارة؛ عملًا بالأخبار، و
التعليل بأنّ له مادّة لا يقتضي اشتراط تجدّد الخروج؛ إذ لعلّ
الاتّصال بها كافٍ».
بل ذهب غير واحد من
المعاصرين إلى كفاية الزوال من قبل نفسه، قال
السيّد اليزدي : «ماء البئر المتّصل بالمادّة إذا تنجّس بالتغيّر فطهره بزواله ولو من قبل نفسه، فضلًا عن نزول
المطر عليه أو نزحه حتى يزول، ولا يعتبر خروج ماء من المادّة في ذلك».
وعلّله
السيّد الحكيم بإطلاق
التعليل الوارد في خبر
ابن بزيع المتقدّم، وصرّح
الشهيد الصدر والسيّد الخوئي بظهور الصحيحة في
إلغاء خصوصية النزح.
وتفصيل البحث متروك إلى محلّه.
ثمّ إنّ تطهير البئر هل ينحصر- عند القائلين بلزوم النزح- في النزح، كما لعلّه
المستفاد من مجموع الأقوال والروايات الواردة في مقام تطهير البئر، ولو بقرينة
سكوتها عن سائر طرق تطهير المياه، فيعتبر ذلك
تقييداً في إطلاقات تطهير المياه الشاملة
لإلقاء كرٍ عليها أو اتّصالها بالجاري حتى يزول التغيّر، أو لا يكون كذلك، وإنّما اشير في روايات
المقام إلى النزح؛ لغلبة تحقّق تطهير البئر به خارجاً؟ فهذا بحث تركنا تفصيله- كغيره من الأبحاث السابقة- إلى المطوّلات.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۲۱-۲۵.