الإيلام (التخدير)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الإيلام (توضيح) .
وقع
البحث بين الفقهاء في أنّه هل يجوز
تخدير العضو الذي يراد قطعه حدّاً أو قصاصاً أو تخدير
المحكوم عليه
بالرجم أو
الجلد نفسه، حتى لا يكاد يحسّ بألم
الجرح أو
الضرب أو
القطع أم لا يجوز؟
المستفاد من أدلّة
الحدود و
التعزيرات أنّ
الإيلام و
الأذى بالمقدار الذي يقتضيه
طبيعة ذلك الحدّ أو التعزير
شرط لازم وداخل في
العقوبة ، وبالنتيجة لا يجوز تخدير المحكوم عليه عند إجراء العقوبة بحيث لا يحسّ بألم الجلد أو القطع أو التعزير.
ويمكن تقريب ذلك بوجوه:
استفادة ذلك من
الآيات الشريفة المتعرّضة للحدود، حيث ورد في أكثرها ما يدلّ على دخول الإيلام والأذى في العقوبة
المقرّرة و
شرطيته فيها:
منها: قوله تعالى: «
الزَّانِيَةُ وَ
الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي
دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ
الْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ ».
ومنها: قوله تعالى: «وَيَدْرَؤُا عَنْهَا
الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ ».
ومنها: قوله سبحانه: «وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً»،
وغير ذلك.
فالمستظهر من الآيات أنّ
المنظور فيها تعذيب
المرتكب و
التنكيل به وإيذاؤه بها لكي يرتدع هو بل والآخرون أيضاً عن
ارتكاب الجريمة .
الروايات
المتعرّضة لكيفية بعض الحدود أو التعزيرات ممّا يدلّ على اشتراط الإيلام والعذاب في العقوبات
الجسدية :
منها: ما رواه
أبو بصير وغيره عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: قلت له:
المرجوم يفرّ من
الحفيرة فيطلب؟ قال: «لا، ولا يعرض له إن كان أصابه
حجر واحد لم يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه
الحجارة ردّ حتى يصيبه ألمُ العذاب».
ومنها: ما رواه
الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن
علي عليهم السلام ، أنّه سئل عن
راكب البهيمة ، فقال: «لا رجم عليه ولا حدّ ولكن يعاقب عقوبة
موجعة ».
و
الاستدلال بهذه الروايات كالاستدلال بالآيات المباركة.
ما يمكن أن يستفاد من
ظاهر كلمات الفقهاء،
حيث ذكروا في حدّ
شارب الخمر من أنّه لا يقام عليه الحدّ في حال
سكره ، بل يمهل حتى يفيق ثمّ يقام عليه الحدّ.
فإطلاق أدلّة الحدود و
السيرة المتشرّعية العملية و
إطلاق الفتاوى كلّها تشهد وتدلّ على عدم
حرمة إجراء العقوبات الجسدية في باب الحدود مع الإيلام والأذى- من دون تخدير- حتى إذا
طالب به
الجاني ، فضلًا عمّا إذا لم يطالب من دون فرق بين حدّ وآخر.
وأمّا في القطع في حدّ
السرقة فالظاهر من الآية حمل
النكال فيها- وهو العذاب لغة- على نفس قطع
اليد ، لا ما يحصل منه
نتيجة من فقدان
العضو ؛ فإنّ هذا خلاف الظاهر، فالمستظهر من
سياقها أنّ العذاب
الحاصل بنفس قطع اليد أيضاً داخل في العقوبة،
وقال بعض الفقهاء بأنّ
الأحوط ترك التخدير.
وذهب بعض آخر إلى
جواز التخدير؛ للإطلاق، ولأنّ التعذيب
الروحي والألم
النفسي بسبب قطع
الأصابع يكفيه.
وأمّا حدّ القتل و
إزهاق الروح فنفس عنوان
القتل وإن لم يكن مستلزماً ولا متضمّناً لشرطية الإيلام و
الإحساس بأذاه من قبل الجاني، ولكن مقتضى
إطلاق أدلّة الحدود جواز قتله أو قطعه أو جلده بلا تخدير أو إعمال ما يوجب
تخفيف آلامه،
خصوصاً أنّ الجاني ضرب صاحبه بدون تخدير، فكذلك يكون مقتضى
العدل عدم تخديره، بل ندعه يعاني الألم النفسي والعضوي بكامله.
نعم، لو أراد الجاني التخدير لا يجب منعه من ذلك.
القصاص حقّ خاص جعل للمجني عليه على الجاني، ولا إشكال في أنّه قد لوحظ فيه
المماثلة و
المساواة في
الكمية و
الكيفية بين القصاص وبين
الجناية ؛ ولذلك قد يقال: بأنّه من حقّ المجني عليه أو وليّه في القصاص أن يمنع الجاني من تخدير نفسه عند الاقتصاص؛ لأنّ جنايته كانت كذلك. نعم، لو كانت الجناية مع تخدير المجني عليه جاز للمقتصّ منه أيضاً
المطالبة به عند الاقتصاص.
كما أنّ المستفاد من أدلّة القصاص أنّه يعتبر المماثلة في أصل الإيلام والإحساس بالأذى بالمقدار الذي تقتضيه الجناية
عادة .
وأمّا ما رواه
الحلبي و... عن
أبي الصباح الكناني جميعاً عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألناه عن
رجل ضرب رجلًا
بعصا فلم يقلع عنه
الضرب حتى مات، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: «نعم، ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه
بالسيف ».
فهذه لا يستفاد منها أكثر من
النهي عن
التمثيل أو
التلذّذ بالقاتل في مقام القصاص نتيجة
الحمية و
الغضب و
حبّ الانتقام ، وليس مفادها نفي
اشتراط المماثلة أو حقّ
المقابلة بالمثل، فلم يجوّز الإمام عليه السلام أن يقتله بالعصا كما فعل الجاني؛ لأنّه في معرض التلذّذ والتمثيل به، بل يقتله بالسيف، فلا تدلّ على
سقوط المساواة والمماثلة في سائر الجهات، والتي من أهمّها الإحساس بألم الجناية.
ولكن ذهب بعض الفقهاء إلى القول بجواز التخدير في قصاص النفس؛ لأنّ الغرض فيه إزهاق الروح، والتعذيب ليس واجباً؛ لأدلّة حرمة التمثيل والتعذيب.
الموسوعة الفقهية، ج۱۹، ص۳۸۵-۳۸۸.