التفويض في المهر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا يشترط في الصحة ذكر
المهر؛ فلو أغفلة أو شرط أن لا مهر لها فالعقد صحيح؛ ولو طلق فلها
المتعة قبل الدخول، وبعده لها
مهر المثل؛ ويعتبر في مهر المثل حالها في الشرف والجمال؛ وفى المتعة حاله؛ فالغنى يتمتع بالثوب المرتفع أو عشرة دنانير فأزيد؛ والفقير بالخاتم أو الدرهم؛ والمتوسط بينهما؛ ولو جعل الحكم لاحدهما في تقدير المهر صح؛ ويحكم الزوج بما شاء وإن قل؛ وإن حكمت المرأة لم تتجاوز
مهر السنة؛ ولو مات الحاكم قبل الدخول وقبل الحكم فالمروى لها المتعة.
وهو لغةً: ردّ الأمر إلى الغير ثم الإهمال.
وشرعاً: ردّ أمر المهر أو البضع إلى أحد الزوجين أو ثالث، أو إهمال ذكره في العقد. فهو قسمان:
ولا يشترط في الصحّة ذكر
المهر، فلو عقد و أغفله، أو شرط أن لا مهر لها في الحال أو مطلقاً فالعقد صحيح بلا خلاف، بل إجماعاً، حكاه جماعة
. ويسمّى بتفويض البضع، والمرأة مفوّضة البضع، بكسر الواو وفتحها.
أمّا لو صرّح بنفيه في الحال والمآل على وجه يشمل ما بعد الدخول فسد
العقد على الأشهر؛ لمنافاته مقتضاه، وهو وجوب المهر في الجملة.
وفيه منافاة لما ذكروه كما يأتي من عدم فساد العقد بفساد
الشرط المخالف لمقتضى العقد، الملازم لعدم فساده بفساده هنا بطريق أولى؛ لعدم كونه بصورة الشرط قطعاً، فتأمّل جدّاً.
نعم، في المستفيضة منها الصحيحان
: «لا تحلّ
الهبة إلاّ لرسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، وأمّا غيره فلا يصلح له نكاح إلاّ بمهر» وربما دلّ نفي الصلاح على الفساد.
وأظهر منه
الخبر: في امرأة وهبت نفسها لرجل من المسلمين، قال: «إن عوّضها كان مستقيماً»
، فتأمّل. وفيه قول بالصحّة؛ قياساً له بالنفي المطلق
.
وليس في محلّه؛ لوجود الفارق، وهو قبول المقيس عليه التخصيص دون المقيس. وآخر بفساد التفويض دون العقد، فيجب
مهر المثل، كما لو شرط في المهر ما يفسده؛ تمسّكاً بلزوم الوفاء بالعقد
. وهو الأوفق بالأُصول إن أُريد بثبوت المثل الثبوت بالدخول لولا ما مرّ من المستفيضة، إلاّ أنّ المحكيّ عن القائل به الثبوت بنفس العقد
، ولا ريب في ضعفه إن تمّ. وبالجملة: المسألة محلّ إشكال.
والمستند في أصل الحكم بعد
الإجماع المتقدّم
الآية الكريمة: «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ»
. والمعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح: عن رجل تزوّج امرأة، فدخل بها ولم يفرض لها مهراً، ثم طلّقها، فقال: «لها مثل مهور نسائها»
.
ثمّ من أحكامه عندنا: عدم وجوب شيء لها متعةً كان، أو مهر مثل بمجرّد العقد؛ للأصل.
خلافاً لبعض الشافعيّة، فأوجب الثاني
.
فلو مات أحدهما قبل الدخول والطلاق والفرض فلا شيء لها بلا خلاف في الظاهر، وقد حكي
؛ لما مرّ، مضافاً إلى الصحيح: في المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول: «إن كان فرض لها زوجها مهراً فلها. وإن لم يكن فرض مهراً فلا مهر»
ونحوه غيره
.
ولو طلّق المفوّضة فلها
المتعة خاصّة إن كان الطلاق قبل الفرض و الدخول خاصّة؛ بالإجماع، ونصّ الآية السابقة، والمستفيضة: منها
الحسن: في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها، قال: «عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً، وإن لم يكن فرض فليمتّعها على نحو ممّا يتمتّع مثلها من النساء»
ونحوه خبران آخران
.
والرضوي: «كلّ من طلّق امرأته من قبل أن يدخل بها فلا
عدّة عليها منه، فإن كان سمّى لها صداقاً فلها نصف
الصداق، وإن لم يكن سمّى لها صداقاً يمتّعها بشيء قليل أو كثير على قدر يساره»
.
وإن كان
الطلاق بعد الفرض وقبل الدخول فنصفه؛ لقوله تعالى: «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»
مضافاً إلى الحسنة.
ولو لم يطلّق أو طلّق بعد الدخول فجميعه بعد الاتّفاق عليه، بلا خلاف إلاّ في الأول وهو ما لو لم يطلّق لأنّ الحقّ فيه لهما، زاد عن مهر المثل أم لا، ساواه أم قصر، وربما كان في الآية عليه دلالة كالصحيح السابق في المتوفّى عنها زوجها.
ومع الاختلاف في الفرض، قيل
: للحاكم فرضه بمهر المثل، كما يعيّن النفقة للزوجة على الغائب، ومن جرى مجراه. ويحتمل قويّاً إبقاء الحال إلى حصول أحد الأُمور الموجبة للقدر أو المسقطة للحقّ؛ لأنّ ذلك لازم للتفويض الذي قد قدما عليه.
ثم إنّ في ثبوت المتعة بغير الطلاق من أقسام البينونة أقوال، ثالثها المحكيّ عن
المبسوط : الثبوت بما يقع من قبله أو قبلهما، دون ما كان من قبلها خاصّة.
والأقوى: العدم مطلقاً، وفاقاً للأكثر؛ تمسّكاً بالأصل، والتفاتاً إلى اختصاص الآية والحسنة بالطلاق، والتعدية
قياس.
نعم، تستحبّ؛ خروجاً عن
الشبهة، والتفاتاً إلى فحوى ما دلّ على رجحانها لكلّ مطلّقة وإن لم تكن مفوّضة، كالصحيح: عن رجل تزوّج امرأة، فدخل بها ولم يفرض لها مهراً، ثم طلّقها، فقال: «لها مثل مهور نسائها ويمتّعها»
.
ولإضماره مع عدم صراحته في
الوجوب حُمِل على
الاستحباب، معتضداً بالأصل، وظاهر الخبر: في الرجل يطلّق امرأته، أيمتّعها؟ قال: «نعم، أما يحبّ أن يكون من المحسنين؟! أما يحبّ أن يكون من المتّقين؟!»
. وبهما يُصرَف ما ظاهره الوجوب، كالصحيح: «متعة النساء واجبة، دخل بها أو لم يدخل، ويمتّع قبل أن يطلّق»
.
والصحيح
والموثّق: في قول
الله عزّ وجلّ: «وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»
، قال: «متاعها بعد ما تنقضي عدّتها، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره» وفي ذيلها: «أنّ
الحسن بن عليّ (علیهالسّلام) لم يطلّق امرأة إلاّ متّعها»، الصحيح في:
، الموثق فی:
. وقريب من الصحيح: «إنّ متعة المطلّقة فريضة»
.
ويمكن حمله على المفوّضة، وصرف المطلّقة إلى المعهودة المذكورة في الآية، ولذا أطلق على الوجوب الفريضة.
وربما احتمل الوجوب في
المسالك في كلّ مطلّقة
؛ عملاً بظواهر هذه المعتبرة المخصّص بها
الأصل؛ والرواية المتقدّمة مع قصور سندهما غير صريحة في الاستحباب.
وهو حسن إن وجد به قائل، ولم أجده، بل المحتمِل مصرِّح بأنّ المذهب الاستحباب
، فهو متعيّن، مع أنّ
الرواية ليست بقاصرة، بل حسنة أو صحيحة؛ لأنّ حسنها بإبراهيم، ولا ريب في ظهورها في الاستحباب، مع اعتضادها بكثير من المعتبرة الواردة في المقام، الدالّة على اشتراط المتعة بعدم الفرض
؛ مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على ثبوت نصف
الصداق بالطلاق قبل الدخول وجميعه بعده
، من دون ذكر للمتعة بالمرّة، مع ورود أكثرها في مقام الحاجة، فلا وجه للقول بالوجوب بالمرّة.
هذا، مع عدم صراحة لفظ الوجوب في الصحيح المتقدّم في المعنى المصطلح، فيحتمل الاستحباب، وعلى تقدير الصراحة يحتمل المتعة فيها ما يعمّ مهر المثل والمتعة بالمعنى المتعارف. وأمّا باقي الروايات فليس صريحةً في الوجوب ولا ظاهرة.
وأُلحق بالمفوّضة من فُرِض لها مهر فاسد، فإنّه في قوّة التفويض، ومن فسخت في المهر قبل الدخول بوجه مجوّز
.
ولا بأس به إن أُريد الاستحباب، وإلاّ فالوجوب مشكل.
ويجب بعده أي الدخول وقبل الفرض لها مهر المثل إجماعاً؛ للمستفيضة، منها الصحيح المتقدّم، ونحوه الموثّقان: في رجل تزوّج امرأة ولم يفرض لها صداقاً، قال: «لا شيء لها من الصداق، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها»
.
وإطلاقها كالعبارة وصريح بعض الأجلّة
ثبوت المثل مطلقاً ولو زاد على
السنّة.
خلافاً للأكثر فيه، فيردّ إليها، بل عن
فخر المحقّقين وابن زهرة عليه الإجماع
، وهو ظاهر المحكيّ عن
المبسوط؛ وهو
الحجّة فيه كالموثق: عن رجل تزوّج امرأة فوهم أن يسمّي صداقها حتى دخل بها، قال: «السنّة، والسنّة خمسمائة
درهم»
.
وما ربما يقال على الأول بوجود الخلاف فلا حجّة فيه، وعلى الثاني بقصور
السند أولاً، وضعف الدلالة ثانياً، فإنّ
النسيان غير التفويض
. مدفوع بعدم القدح في الحجّية بخروج معلوم
النسب، بل ومجهوله على الأصحّ. وعدم القصور؛ لعدم اشتراك
الراوي كما توهّم، ووثاقة باقي سلسلة السند وإن فسد المذهب. والدلالة تامّة؛ إذ التفويض أعمّ من النسيان وعدمه كما فرضوه، وساعده
إطلاق النصوص.
نعم، ربما يتوجّه إليها القدح بأعمّيتها من المدّعى؛ لأنّه ثبوت السنّة مع زيادة مهر المثل عنها، وإلاّ فهو الثابت دونها، ساواها أم نقص عنها. وربما يجبر بالتقييد بالإجماع والجمع بين الروايات.
وربما احتُمِل
العمل بالإطلاق هنا؛ التفاتاً إلى موافقة المستفيضة للعامّة. وهو مع مخالفته الإجماع الصريح مقدوح بأولويّة موافقة
الأصحاب من الموافقة للتقيّة، فيترجّح جانب الرجحان دون المرجوحيّة.
وربما يُستَدلّ للأصحاب في ردّ الزائد إلى السنّة بما مرّ من الخبر المثبت للسنّة فيمن تزوّج على السنّة مكتفياً به عن ذكر المهر بالمرّة
. وليس بمعتمد؛ لظهوره في ثبوتها بمجرّد العقد دون الدخول، وليس من حكم المفوّضة، ولذا فرضه الأصحاب مسألة على حدة، فليس الاستدلال به إلاّ غفلة واضحة.
ويعتبر في مهر المثل حالها في الشرف والجمال
والعقل،
والأدب،
والبكارة، وصراحة النسب، واليسار، وحسن التدبير، وكثرة العشائر، وعادة نسائها، وأمثال ذلك. والمعتبر في أقاربها من الطرفين على الأشهر الأقوى، بل ظاهر المبسوط أنّ عليه الإجماع
؛ وهو الحجّة فيه، مع العموم المستفاد من إضافة النساء إليها في النصوص
.
خلافاً
للمهذّب والجامع، فخصّهنّ بالعصبات مع الإمكان، وإلاّ فأطلق؛ لعدم اعتبار الامّ ومن انتسب إليها في الفخر. وفيه نظر.
ويعتبر في الأقارب أن يكونوا من أهل بلدها أو بلد لا يخالف عادتها عادة بلدها على الأقوى؛ لاختلاف البلدان في العادات.
ويعتبر حاله خاصّة في المتعة بنصّ
الآية والشهرة العظيمة، بل عليه الإجماع عن
الغنية، وهو ظاهر المستفيضة
، فالقول باعتبار حالها أيضاً ضعيف جدّاً.
ثم إنّ الأصل يقتضي المصير في متعة المتمتّع إلى العرف، ولا ريب في اقتضائه انقسامها بالنظر إليه إلى ثلاثة: متعة يسار، وتوسّط، وإعسار.
وبه
المرسل في
الفقيه: أنّ «الغني يمتّع بدار أو خادم، والوسط بثوب، والفقير بدرهم أو
خاتم»
.
ونحوه الرضوي «فالموسع يمتّع بخادم أو دابّة، والوسط بثوب، والفقير بدرهم وخاتم، كما قال
الله تعالى: «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ»
. وعليه
الشهرة، بل الإجماع المحكيّ عن
ابن زهرة، ولا ينافيه الآية والمعتبرة؛ لدخول الواسطة بين الأمرين، ولذا أنّ الرضويّ مع استناده إلى الآية اشتمل على ذكر الثلاثة.
وعيّن الأصحاب لكلّ مرتبة ما يليق بها في العرف والعادة:
فالغني يمتّع بالدابّة؛ للرضوي، وهي الفرس، والمعتبر منه ما يقع عليه اسمها صغيرة كانت أم كبيرة، بِرذَوناً (البِرذَون : التركي من الخيل ، وخلافها العِراب
) كانت أم عتيقاً (العِتاق من الخيل : النجائب
)، قاربت قيمته الثوب والعشرة الدنانير أم لا. وفي الخبر المرويّ عن
قرب الإسناد: «إنّ
عليّ بن الحسين (علیهالسلام) كان يمتّع بالراحلة»
.
ورواه
العيّاشي أيضاً بزيادة: يعني حملها الذي عليها
. وظاهره أنّ
المتعة هو الحمل، إلاّ أنّه يحتمل كونها من
الراوي لا الإمام (علیهالسلام).
أو بالثوب المرتفع عادةً، ناسبت قيمته قسيميه أم لا. أو عشرة دنانير فأزيد وهي المثاقيل الشرعية؛ ولم أجد عليها مستنداً سوى إطلاق
النصّ، مع أنّ في المرسل السابق: «الدار والخادم» وفي المعتبرة منها الموثّقان
: «العبد
والأمة» وليس المذكور منها، ولعلّه للتمثيل.
(و) يمتّع (الفقير بالخاتم) ذهباً كان (أو) فضة معتدّاً به عادةً، و (الدرهم) كما في المرسل.
وفي الصحيح: ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسراً؟ قال: «الخمار وشبهه»
.
والموثّق: «المعسر بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم». واختلاف هذه المعتبرة منزل على العرف والعادة، أو التمثيل.
(و) يمتّع (المتوسّط) بينهما بما (بينهما) كخمسة دنانير، والثوب المتوسّط، ونحو ذلك.
وبالجملة: المرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه ومكانه وشأنه.
ولو تزوّج بمهر مجهول، ولكن جعل الحكم والتعيين لأحدهما في تقدير المهر المذكور صحّ العقد والتفويض بإجماع
الطائفة. خلافاً للعامّة، فجعلوا المهر الواقع على هذا الوجه من قبيل المهر الفاسد، وأوجبوا به مهر المثل. وهذا هو القسم الثاني من قسمي التفويض، ويسمّى ب: مفوّضة المهر؛ والنصوص بذلك مستفيضة.
ففي الصحيح: في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه، فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها، قال: «لها
المتعة والميراث ولا مهر لها» قلت: فإن طلّقها وقد تزوّجها على حكمها؟ قال: «إذا طلّقها وقد تزوّجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه خمسمائة درهم»
.
وظاهره كغيره
كالعبارة وغيرها
هو التفويض إلى أحدهما، وأمّا غيره فلا، وصريح جماعة: اختصاص الحكم بالتفويض إلى أحدهما؛ لمخالفته الأصل قطعاً
. وفي جواز ما عداه كالتفويض إلى غيرهما، أو إليهما معاً وجهان: من الأصل وعدم النصّ، وأنّه كالنائب عنهما فلا بأس به لو رضياه. والوقوف مع النصّ طريق اليقين.
ويحكم الزوج المفوّض إليه المهر بما شاء وإن قلّ. وإن عكس الأمر و حكمت المرأة وفوّض إليها لم يجز لها أن تتجاوز
مهر السنّة إجماعاً ونصّاً فيهما.
ففي الخبر: عن رجل تزوّج امرأة على حكمها، قال: «لا يتجاوز بحكمها مهر نساء
آل محمّد (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم): اثنتي عشرة أُوقيّة ونشّ، وهو وزن خمسمائة درهم من
الفضّة» قلت: أرأيت إن تزوّجها على حكمه ورضيت وحكّمته؟ قال: «ما حكم من شيء فهو جائز، قليلاً كان أو كثيراً» قال: قلت: كيف لم تُجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال: فقال: «لأنّه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) وتزوّج عليه نساءه، فرددتها إلى السنّة، ولأنّها هي حكّمته وجعلت الأمر في المهر إليه ورضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً»
.
وليس في سنده سوى
الحسن بن زرارة، ووصفه كاسمه على الأصحّ وفاقاً لجماعة
، مع أنّ في
السند:
الحسن بن محبوب، وهو ممّن حكي إجماع العصابة على تصحيح رواياتهم
، فالسند معتبر غاية الاعتبار، مع اعتضاده بالشهرة بين الأخيار، وهي إجماع كما حكاه جماعة
، فلا وجه للتأمّل في المسألة، مع أنّ الدليل غير منحصر فيه؛ لدلالة
الأصل والإطلاقات على الأول، وخصوص ما مضى من الصحيح على الثاني.
نعم، ربما يشكل الحكم في الأول؛ لظاهر الصحيح: عن الرجل يفوَّض إليه صداق امرأته فينقص عن صداق نسائها، قال: «يلحق بمهر نسائها»
.
لكنّه شاذّ لا عامل به، مع عدم مقاومته لما مرّ، فليُحمَل على
الندب، أو ما حمله الشيخ عليه، من التفويض إليه على أن يجعله مثل مهر نسائها
.
ثم لو طلّق قبل الدخول الزم الحاكم بالحكم، ولها نصف ما يحكم به؛ لأنّ ذلك هو الفرض الذي ينتصف بالطلاق، سواء وقع الحكم قبل
الطلاق أم بعده. وكذا لو طلّقها بعد الدخول، لزم الحاكم الفرض واستقرّ في ذمّة الزوج، ولا خلاف في شيء من ذلك.
ولو مات الحاكم منهما قبل الدخول وقبل الحكم، فالمرويّ في الصحيح المشار إليه: أنّ لها المتعة دون المهر، وهو الأشهر الأظهر، كما عن
النهاية وابن البرّاج وابن حمزة والمقنع والعلاّمة وولده، والشهيد الأول في
النكت وظاهر
اللمعة، والثاني في
المسالك والروضة، وجماعة
.
وما استُضعِف به دلالة الخبر ب: ظهور أنّ النشر على ترتيب اللفّ، فيكون الحكم بالمتعة فيما إذا مات المحكوم عليه خاصّة. واختصاصِ الجواب فيه بموت الزوج؛ إذ مع موتها ليس لها ميراث، ولا يتمّ المقايسة بإيجاب المتعة لها والميراث له
.
مندفع، فالأول: بفقد الوجه لثبوت المتعة بموت المحكوم خاصّة مع بقاء الحاكم مع أنّه انعقد
النكاح بحكمه، فله الحكم مع بقائه كما يأتي، ولا أثر لموت المحكوم عليه، كيف؟! وقد نصّ في الخبر بعد ما ذكر على أنّ له الحكم مع الطلاق القاطع لعلاقة الزوجيّة بخلاف
الموت، فثبوت الحكم له هنا ثابت بالأولويّة، فلا بدّ من الحمل على موت الحاكم، جمعاً بين طرفيه، وبينه وبين الأُصول.
والثاني: بعدم الفارق بين الموتين.
ويؤيّد
المذهب: أنّ مهر المثل لا يجب إلاّ مع الدخول ولم يحصل، ولا مسمّى، ولا يجوز إخلاء النكاح عن مهر، فيجب المتعة؛ إذ لا رابع.
وعن
الطوسي في
الخلاف والإسكافي والحلّي: أنّه لا شيء لها أصلاً؛ لاشتراط المثل بالدخول، والمتعة بالطلاق، ولا شيء منهما هنا؛ مضافاً إلى الأصل
.
والصحيح حجّة على مَن عدا الحلّي، ومختاره متوجّه على مختاره، أو ثبوت عدم دلالة الصحيح وظهوره.
وفي
القواعد والمختلف: يثبت لها مهر المثل
؛ لأنّه قيمة المعوَّض حيث لم يتعيّن غيره؛ ولأنّ المهر مذكور، غايته أنّه مجهول، فإذا تعذّرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل.
وهو مع أنّه غير مسموع في مقابلة النصّ الصحيح مُجاب، فالأول: بعدم تحقّق الدخول الموجب للعوض. والثاني: بأنّه عين الدعوى، فكيف يجعل دليلاً
؟! ولا فرق مع موت الحاكم بين موت المحكوم عليه معه وعدمه؛ عملاً بإطلاق النصّ، مع عدم القائل بالفرق.
ولو مات المحكوم عليه وحده فللحاكم الحكم، بلا خلاف أجده؛ لإطلاق النصّ بثبوت الحكم له، مع عدم اشتراط حضور المحكوم عنده، والتفويض إليه قد لزم بالعقد بالضرورة فلا يبطل بموت المحكوم عليه البتّة؛ ولأصالة بقائه، والنصّ لا يعارضه.
وأمّا الصحيح: في رجل تزوّج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم، قال: «ليس لها صداق، وهي ترث»
.
فمع قطع النظر عمّا يلحق سنده من النظر،
شاذّ لا يمكن التعويل عليه ولا العمل، سيّما في مقابلة ما مرّ.
ولو مات الحاكم قبل الحكم وبعد الدخول، ثبت
مهر المثل؛ لأنّه الأصل حيث لم يمكن المهر، وبه صرّح المفلح الصيمري من غير نقل خلاف
، ولم يتعرّض له الباقون.
ولو مات المحكوم حينئذ، الزم الحاكم بالحكم، فإن كانت المرأة لا تتجاوز السنّة، وإلاّ فللزوج الحكم بما شاء؛ لما مضى.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۲۱-۳۶.