المباراة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو طلاق بعوض لازم لجهة الزوج، ويشترط فيه ما يشترط في
الطلاق، وزيادة شرط فيه هو: رضاها بالبذل، وكراهة كل منهما لصاحبه، وعدم زيادة
العوض على
المهر، ولا خلاف في شيء من ذلك. وهو أن يقول: بارأتك على كذا؛ وهي تترتب على كراهية الزوجين كل منهما صاحبه؛ ويشترط اتباعها بالطلاق على قول الاكثر؛ والشرائط المعتبرة في الخالع والمختلعة مشترطة هنا؛ ولا رجوع للزوج إلا أن ترجع هي في
البذل؛ وإذا خرجت من
العدة فلا رجوع لها؛ ويجوز أن تفاديها بقدر ما وصل اليها منه فما دون، ولا يحل له ما زاد عنه.
والمبارأة بالهمزة، وقد تقلب ألفاً، وهي المفارقة، قال
الجوهري: تقول: بارئت شريكي إذا فارقته، وبارأ الرجل امرأته
.
وهي طلاق بعوض مترتّب على كراهة كلّ من الزوجين صاحبه، كما يأتي.
وشرعيّته ثابتة
بالكتاب،
والإجماع،
والسنّة المستفيضة الآتية، قال الله سبحانه «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»
.
وظاهره الوقوع عند الحاكم، ولعلّه لهذا حكي عن
الإسكافي اشتراطه، وله مضافاً إليه بعض النصوص بالخصوص: «ولا يكون ذلك إلاّ عند سلطان»
.
والأشهر خلافه، بل في
التنقيح الإجماع عليه؛ للأصل، وقصور الآية عن إفادة الاشتراط، مع احتمال ورودها مورد الغالب، والرواية ضعيفة
السند، وإن انجبرت بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه من
الرواية في سندها؛ لقصورها عن المقاومة للأصل المعتضد بالشهرة العظيمة، وحكاية الإجماع المزبورة، وإطلاقات الأخبار المستفيضة، فإذاً ما اختاروه أقوى، وإن كان
الاحتياط ما ذكره جدّاً.
وكيف كان الكلام يقع في
العقد، والشرائط، واللواحق ولمّا كان هو من العقود المفيدة لإبانة الزوجة بفدية مخصوصة لزم فيه مراعاة الصيغة الصريحة، كسائر العقود اللازمة.
والكلام في صيغتها كما في الخلع من الافتقار إلى استدعاء المرأة مع الكراهة، أو القبول كذلك، واللفظ الدال عليه من قبل الزوج، و هو أن يقول: بارأتك بالهمزة على كذا فأنتِ طالق. ولو قال بدلاً من بارأتك: فاسختكِ، أو أبنتكِ، أو غيره من الألفاظ متبعاً لها بالطلاق صحّ؛ إذ المقتضي للفرقة التلفّظ به لا بها، بل لو تجرّد عنها وقال: أنتِ طالق على كذا صحّ، وكان مباراة؛ إذ هي كما عرفت عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين، وليس
الطلاق بالعوض إيقاعاً خارجاً عن
الخلع والمباراة، بل هو إمّا خلع أو مبارأة، فإن قصد به الخلع وجمع شروطه وقع خلعاً، كوقوعه مباراة لو قصدها مع اجتماع شرائطها، ويجوز انصرافه إلى أحدهما مع اجتماع شرائطهما، ولو جمع شروط أحدهما انصرف إليه، ولو انتفت شروط كل منهما وقع باطلاً أو رجعيا؛ لما مضى من انحصار
الطلاق البائن بالعوض في الأمرين.
خلافاً لمن شذّ وقد مر فاستوجه الصحة مع البينونة حيث لم يقصد به أحدهما؛ لعموم الأدلّة الدالّة على جواز الطلاق مطلقاً، وعدم وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن.
وقد مر وجه ضعفه من اتفاق
الطائفة واستفاضة المعتبرة بفساد البذل مع عدم كراهة المرأة، وفساده بذلك كما هو الفرض هنا إمّا مستلزم لفساد الطلاق المترتّب عليه أيضاً، كما قيل
، أو موجب لعدم البينونة وإن صحّ الطلاق؛ لخروجه عن الأمرين المنحصر فيهما الطلاق البائن بالبذل بمقتضى المستفيضة، كما قاله الأكثر، وعموم الأدلّة لا يستفاد منه سوى الصحة دون البينونة، اللهم إلاّ أن يقول بمجرّد الصحة دون البينونة، لكن فيه منافاة لما قدّمنا عنه.
وكيف كان هي أي المبارأة تمتاز عن الخلع بأنّها تترتّب صحتها على كراهة الزوجين كل منهما صاحبه بلا خلاف، بل عليه الإجماع كما حكاه جماعة
، وبه ظاهر بعض المعتبرة، المنجبر قصور سنده مع حجّيته في نفسه بالشهرة، كاعتضاد الدلالة بها، فلا ضير إن لم تكن صريحة، وهو
الموثق: عن المبارأة كيف هي؟ قال: «يكون للمرأة على زوجها شيء من صداقها أو من غيره، ويكون قد أعطاها بعضه، ويكره كلّ واحد منهما صاحبه، فتقول المرأة: ما أخذت منك فهو لي، وما بقي عليك فهو لك، وأبارئك، فيقول لها الرجل: فإن رجعت فيما تركت فأنا أحقّ ببضعك»
.
ويستفاد منه كغيره اعتبار صدور القول المذكور من الزوج، وهو
أحوط، وإن لم يذكره من الأصحاب أحد، ولذا حمله على
الاستحباب، أو إرادة بيان التنبيه للمرأة على عدم جواز ارتجاعها البذل إلاّ مع إمكان رجوع الزوج في
البضع، متّجه.
ويشترط إتباعها بالطلاق على قول الأكثر بل لم نقف فيه على مخالف صريحاً، وبالإجماع صرّح جماعة
، وهو
الحجة فيه خاصّة، لا
النصوص، فإنّها في عدم الاشتراط ظاهرة، بل صريحة، كالحسن: «المبارئة تبين من ساعتها من غير طلاق، ولا
ميراث بينهما؛ لأنّ العصمة منهما قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج»
.
لكنّها شاذّة، والظاهرة منها لعدم الصراحة للتأويل بالحمل على المبارأة الشرعية المستجمعة للشرائط التي منها الإتباع بالطلاق قابلة، والصريحة عن المقاومة للأصل والإجماعات المحكية المستفيضة بحسب السند قاصرة، فليس عمّا ذكره الأصحاب مندوحة، وإن لم يوجد لما ذكروه من الأخبار شاهد ولا قرينة، كما اعترف به جماعة
.
والذي يختلج بالفكر الكليل والفهم العليل إمكان الاستناد لما ذكروه إلى
الصحيح: عن المرأة تباري زوجها أو تنخلع منه بشهادة شاهدين على
طهر من غير
جماع، هل تبين منه بذلك، أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال: «تبين منه» إلى أن قال: قلت: إنّه قد روي أنّها لا تبين حتى يتبعها بالطلاق، قال: «ليس ذلك إذا خلع» الخبر
.
لما مرّ من ظهور «إذا» في الشرطية، و «خلع» في فعلها، فعلى هذا يفهم منه أنّ عدم اشتراط الإتباع بالطلاق المشار إليه بذلك مخصوص بالخلع، ويلزم منه ثبوته في المبارأة المسئول عنها أيضاً، وإلاّ لما كان لتخصيص النفي بالخلع وجه أصلاً.
نعم ربما نافاه الحكم بالبينونة من دون الإتباع فيها في صدر الرواية، ولكن يمكن تخصيصه بالخلع خاصّة، بمعنى عدم توجّه الحكم المزبور إلى المبارأة لضرب من المصلحة، ولا بُعد في ارتكاب مثل ذلك بعد قيام القرينة في ذيل الرواية؛ مضافاً إلى إجماع
الطائفة، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
والشرائط المعتبرة في كلّ من الخالع والمختلعة مشترطة هنا بالإجماع، والمعتبرة الدالّة على أنّ المبارأة طلقة بائنة
، فيعتبر فيها وفي المباري ما يعتبر في المطلِّق والمطلَّقة كما في الخلع.
مضافاً إلى صريح الصحيح: «لا طلاق ولا خلع، ولا مباراة، ولا
خيار، إلاّ على طهر من غير جماع»
.
وفي آخر ما يدل على أنّه يعتبر في المبارأة حضور شاهدين
، إلى غير ذلك من الأخبار.
وكذا يثبت أحكام الخلع هنا، إلاّ ما وقع عليه الاستثناء.
ومنها: أنّها طلقة بائنة لا رجوع للزوج إلاّ أن ترجع الزوجة في البذل ولا رجوع لها فيه إلاّ مع إمكان رجوعه في البضع.
فإذا خرجت من
العدّة فلا رجوع لها لما مضى هنا وفي الخلع أيضاً.
قيل: إلاّ أنّ الأولى هنا اشتراط الرجوع في البضع لو رجعت؛ للموثق المتقدّم؛ مضافاً إلى الصحيح: «المبارأة أن تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك، واتركني، فيتركها، إلاّ أنّه يقول لها: فإن ارتجعت في شيء منه فأنا أملك ببضعك»
ولا معارض لهما في البين
. انتهى.
وليس فيهما سوى اشتراط الزوج رجوعه في البضع لو رجعت في البذل، وهو غير اشتراطها الرجوع في البذل، فلا يكون فيهما
حجّة على المشهور المجوّزين لرجوعها من دون اشتراطها الرجوع مطلقاً، وإن لم يرض الزوج، بل ظاهرهما جواز رجوعها مطلقاً، ولو مع عدم شرطها ورضاءٍ من الزوج أصلاً، فإذاً ما هو الأشهر أقوى، فتأمّل.
ثم إنّ
إطلاق العبارة باعتبار شروط المختلعة في المبارئة حسن على طريقة
الأصحاب، حيث لم يشترطوا فيها في المختلعة عدا مجرّد الكراهة وإن لم تكن شديدة، ومشكل على ما قدّمناه من اعتبار الشدّة، بل ينبغي استثناؤها هنا والاكتفاء بمجرّد الكراهة؛
للأصل، والإطلاق، وخصوص الصحيح: «المبارئة يؤخذ منها دون
الصداق، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء؛ لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام، وتتكلّم بما لا يحلّ لها»
.
ويجوز أن يفاديها بقدر ما وصل إليها منه من تمام المهر فما دون على الأشهر الأظهر؛ للأصل، والصحيح: «لا يجوز أن يأخذ منها إلاّ المهر فما دونه»
.
وليس في سنده اشتراك كما ظنّ
، وعلى تقديره بالأصل
والشهرة منجبر، ومترجّح بذلك على الصحيح المتقدّم قريباً، وإن عمل به
الصدوقان والعماني كما حكي
، مع أنّه حسن في المشهور، فلا يعارض الضعيف المنجبر بما مرّ، مع ظهور احتمال كونه من الصحيح.
وأمّا القدح فيه بالقطع فليس على ما ينبغي؛ لاستناده إلى
أبي جعفر (علیهالسّلام) في
الكافي، وهو أضبط من التهذيب الذي قطع فيه.
وكيف كان هما
نصّ في أنّه لا يحلّ له ما زاد عنه مع أنّه أيضاً إجماعي، وهو أحد الفوارق بين المقام والخلع.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۲، ص۳۶۸-۳۷۴.