المكروهات حال الأذان والإقامة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هي الكلام والتراسل و..كي يكرهون حال
الأذان والإقامة بين الفقهاء.
المشهور بين الفقهاء
كراهة التكلّم حال
الأذان والإقامة ،
بل في
الإقامة آكد.
قال
العلّامة في
المنتهى : «يكره الكلام في الإقامة بغير خلاف بين أهل العلم».
وقد استدلّ عليه في الأذان بأنّ فيه فوات
الإقبال المطلوب في العبادة وفوات الموالاة. وبموثّقة
سماعة عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن المؤذّن أ يتكلّم وهو يؤذّن؟ قال: «لا بأس حين يفرغ من أذانه»،
حيث فهم منها بعضهم ثبوت
البأس الذي أقلّه الكراهة قبل الفراغ.
هذا على أن يكون متن الرواية كما ذكر، وأمّا على ما وردت به في نسخة اخرى من لفظ (حتى) بدل (حين) فلا دلالة فيها على المطلوب؛ إذ مفادها حينئذٍ
استمرار نفي البأس إلى نهاية الأذان، وحيث إنّ
النسخ مختلفة ولا مرجّح فلا سبيل للاستناد إليها.
بل ذكر بعض الفقهاء تأكّد
الكراهة أكثر بعد (قد قامت الصلاة)،
بل ذكر الشيخان
والسيد المرتضى الحرمة فيها،
نقله عن السيّد المرتضى في المنتهى،
بل تعاد الإقامة من الكلام كما صرّح به بعض،
إلّا أن يخرج عن
الموالاة .
وقد عبّر عنه آخرون باستحباب ترك الكلام فيه،
لكن ظاهر الرواية لا يساعد عليه؛ إذ مقتضاها كراهة ذلك لا استحباب تركه،
فلذلك فسّره
المحقّق النجفي بالكراهة.
وأمّا الكراهة في الإقامة فلأنّها مقتضى الجمع بين ما دلّ على الجواز، كرواية
محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته، فقال: «لا بأس».
وخبر
الحسن بن شهاب قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول:«لا بأس أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة، وبعد ما يقيم إن شاء».
وغير ذلك من الروايات.
وبين ما دلّ على النهي، كخبر
عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:أ يتكلّم الرجل في الأذان؟ قال:«لا بأس»، قلت: في الإقامة؟ قال:«لا».
وخبر
أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «يا أبا هارون، الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك».
وغير ذلك من الروايات،
بحمل الروايات الناهية على الكراهة؛ لعدم تعقّل الحرمة مع جواز ترك الإقامة في
الأثناء بالمرّة، والتجوّز الشرطي ليس أولى من الكراهة سيّما الشديدة.
ثمّ إنّه ذهب بعض الفقهاء إلى
الإباحة وحصر الحكم بالكراهة في خصوص الإقامة،
وهو ظاهر عبارة بعض آخر.
واستدلّ له
بأصالة البراءة ، وبظهور خبر عمرو بن أبي نصر المتقدّم، بتقريب أنّ المراد من النهي في الإقامة هو الكراهة- كما يأتي- فتكون هي المنفيّة في الأذان بقرينة المقابلة.
واجيب عن
الأصل بأنّه مقطوع بما عرفت من موثّقة سماعة.
وعن الرواية بأنّ المقصود بالبأس فيها هو
العذاب ، ومعناه نفي الحرمة لا الكراهة،
وذكر نحوه المحقّق النجفي، حيث قال: «المنفي كراهة الإقامة لا مطلق الكراهة وإن ضعفت عنها».
هذا كلّه إذا لم يكن الكلام لمصلحة الصلاة. أمّا لو كان لذلك فإنّه لا يكره؛ لأنّه في الإقامة جائز، ففي الأذان أولى، كما تعرّض لذلك العلّامة، وادّعى أنّه
إجماعي .
وأطلق آخرون جواز التكلّم في الأذان،
أو نفى البأس عنه
من دون تعرّض لكراهة أو استحباب الترك.وهل أنّ كراهة التكلّم تختصّ بالمؤذّن أو تشمل غيره؟استظهر الشيخ جعفر
كاشف الغطاء أنّ الكراهة مخصوصة بالمؤذّن والحاكي دون السامع، مع احتمالها فيه أيضاً،
بينما ذهب غيره إلى اختصاصها بالمؤذّن؛ لعدم الدلالة في شيء من الروايات على التعدية لغير المؤذّن،
ولم يتعرّض سائر الفقهاء لهذه المسألة.والظاهر كراهة الكلام أيضاً في ما بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة؛
وذلك لما ورد عن
الخصال : أنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضي الصلاة.
التراسل مأخوذ من التوافق للنصال، وهو- في المقام- بناء كلّ واحد من المؤذّنين على فصول الآخر.
وقد اختلف الفقهاء في حكمه:
فذهب الأكثر إلى كراهة ذلك في الأذان؛
استناداً إلى أنّ كلّ واحد منهما لم يؤذّن،
ومال إليه المحقق النجفي حيث قال: «لم نعرف لكراهته دليلًا سوى احتمال عدم
الاندراج في الأدلّة مع
التسامح ».
وذهب بعض آخر إلى حرمة ذلك،
ومال إليه
المحقّق النراقي حيث قال: «لو قيل بعدم مشروعيّة التراسل في الأذان كان جيّداً جدّاً».
ثمّ إنّ للشيخ عبارة قد وقع الخلاف في المراد منها، وهي: «إذا أذّن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون ولا مستحبّ».
فقيل: إنّ معناها التراسل.
ولكن استبعد ذلك بعض آخر، وذكروا:
أنّ المتبادر من ذلك أن يقع مجموع الأذان الثاني بعد الأوّل،
ويؤيّد
ذلك قوله في
الخلاف : إنّ
الاجتماع دفعة واحدة أفضل،
فحينئذٍ لا ربط له بالتراسل.
وممّا يكره حال الأذان المشي والركوب
عند
الاختيار والقدرة،
وادّعي عليه الإجماع في
المعتبر حيث قال: «يكره أن يكون ماشياً أو راكباً، ويتأكّد في الإقامة، وعليه علماؤنا».
وعبّر عنه بعض الفقهاء بأفضليّة الترك، وأنّه آكد في الإقامة
كما تقدّم في التكلّم.إلّا أنّ
الفاضل النراقي ذهب إلى عدم كراهة ذلك؛ استناداً إلى الأصل الخالي عن المعارض.
قد أجمع الفقهاء على كراهة
الالتواء عن القبلة حال الأذان، بل الكراهة في الإقامة أولى،
وقد تقدّم ذلك عند البحث عن استحباب
استقبال القبلة.
الموسوعة الفقهية، ج۸، ص۱۴۸-۱۵۲.