النظر في المرآة للمحرم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يجب على المحرم في حال الإحرام
الاجتناب عن امور تسمّى بتروك
الإحرام ، منها :النظر في
المرآة للمحرم.
ذهب مشهور
الفقهاء إلى حرمة نظر
المحرم في
المرآة سواء كان رجلًا أو
امرأة ، كما ذهب إليه
الشيخ الصدوق والطوسي و
الحلبي و
ابن إدريس وغيرهم من الفقهاء،
بل نسبه غير واحد إلى
الأكثر ؛
لورود النهي عنه في الأخبار، مضافاً إلى كونه من
الزينة .
بينما ذهب البعض إلى كراهة ذلك، كالشيخ الطوسي في الجمل وابني زهرة وحمزة والقاضي والمحقّق في النافع وغيرهم.
بينما احتمل آخرون
إرادة الحرمة؛ للاستدلال عليها بالإجماع وطريقة
الاحتياط .
حملًا للنهي الوارد في الأخبار على الكراهة؛
لاشتمالها على الجملة المحتملة للخبرية،
كصحيح حمّاد عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال: «لا تنظر في المرآة وأنت محرم. فإنّه من الزينة».
وصحيح حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «لا تنظر في المرآة وأنت محرم؛ لأنّه من الزينة».
وحسن أو صحيح معاوية عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «لا ينظر المحرم في المرآة لزينة، فإن نظر فليلبِّ».
وهذه النصوص صريحة في النهي عن النظر في المرآة، ولذا أفتى أكثر الفقهاء بالحرمة، فلا داعي لحمل النهي فيها على
الكراهة كما فعله بعضهم.
ثمّ هل الممنوع خصوص النظر للزينة أو ما هو أعم من ذلك فيشمل نحو نظر السائق في المرآة لمراقبة السير، أو أنّ الممنوع ما يعدّ عرفاً من الزينة وإن لم يقصده؟
أطلق جماعة الحكم بالحرمة،
وصرّح آخرون بالتعميم،
بينما خصّ بعضهم ذلك بالزينة، كما هو ظاهر الشهيد في
الدروس والأردبيلي و
المحدّث العاملي في الوسائل،
ولم يستبعد
السبزواري في
الذخيرة تقييد الحكم بما إذا كان النظر للزينة،
وتبعهم عليه جماعة من المعاصرين أيضاً،
ومنشأ الخلاف،
اختلاف مضامين الأخبار، حيث قيّد النظر في بعضها- كالرواية الأخيرة- بالزينة، وورد المنع في بعضها الآخر عن مطلق النظر معلّلًا بأنّه من الزينة، كما في الخبرين الأولين.
واستدلّ القائل بالتعميم بإطلاق رواية حمّاد وحريز الوارد فيهما: «لا تنظر في المرآة وأنت محرم»، والنظر فيها يشمل النظر للزينة وغيره، ولا ينافيه
التعليل الوارد في ذيلها «فإنّه من الزينة»؛ لأنّ الظاهر منها ترتّب الزينة على النظر وإن لم يقصدها الناظر؛
لأنّ المتبادر من النهي عن النظر هو النهي عن النظر المتعارف بين الناس في المرآة، ومن الواضح أنّ
استعمالها إمّا يكون بداعي التزيّن أو بداعي
إصلاح وضعه الظاهري من جهة اللباس وغيره، سواء قصد به الزينة أو لا؟ فإنّ ذلك يعدّ زينة لدى العرف العام، فلذلك صار ممنوعاً.
فهاتان الروايتان مطلقتان بالنسبة إلى قصد الزينة، ولا ينافيهما ما في رواية
معاوية بن عمّار التي قيّدت النظر في المرآة بالزينة؛ لأنّه يقال بعدم
التعارض بين الروايتين الاوليين ورواية معاوية؛ لكونهما مثبتتين، والحكم
انحلالي يثبت للمطلق والمقيّد، فلا تقييد في المقام، ولا منافاة بين ثبوت الحكم للمطلق والمقيّد، بل أحدهما مؤكّد للآخر، فيثبت الحكم لهما معاً، فلا موجب حينئذ للتقييد، وبهذا البيان يثبت تعميم حرمة النظر إلى المرآة.
وفي قبال ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى
تخصيص النظر بالزينة، فلا يحرم إذا لم يكن بقصد الزينة؛ وذلك
لإنكار الإطلاق أوّلًا، وللزوم تقييد المطلقات بالرواية المقيّدة ثانياً لظهور القيد فيها في
الاحترازية والدخل في الحكم في خصوص المقام.
ثمّ إنّه يستحب لمن نظر في المرآة للزينة تجديد
التلبية ؛ للأمر به في رواية معاوية بن عمّار، فإنّها ظاهرة في الوجوب، إلّا أنّهم تسالموا
على عدم وجوبه وعدم
بطلان الإحرام بارتكاب محظوراته، مضافاً إلى أنّ ذلك من المسائل التي يكثر
الابتلاء بها؛ إذ لو كان تجديد التلبية واجباً لظهر وبان، فعدم ظهوره يكشف عن عدم وجوبه؛
لأنّ عدم نظر المحرم في المرآة ليس قيداً للإحرام حتى يكون وجوده مانعاً عنه، مضافاً إلى أنّ محرّمات الإحرام محرّمات مستقلّة، وعدمها ليس قيداً للحجّ أو العمرة.
ولعلّ الحكمة في
أمر المحرم بالتلبية إذا نظر في المرآة تنبيهه بأنّه لا زال محرماً فلينصرف عن محرّمات الإحرام ويلبّي لما هو واجب عليه.
ثمّ لو كان النظر إلى المرآة لغرض آخر غير الزينة، كنظر السائق إليها ليرى ما خلفه من السيارات، فلا
إشكال في جواز النظر حينئذٍ،
وقد ذهب إليه سائر الفقهاء سواء القائلين بالتعميم في المسألة السابقة، أو القائلين
باختصاص التحريم بالنظر للزينة فقط.
وأمّا النظر إلى الأجسام الشفّافة (الصقيلة) فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى جواز النظر إلى كلّ جسم شفّاف يرى من خلاله الناظر نفسه، كالنظر في الماء الصافي أو الأجسام الصقيلة؛
لاختصاص الأدلّة بالمرآة، خصوصاً مع القول بأنّ النظر إليها ليس من الزينة عرفاً، بل المنع منه في الرواية إنّما يكون بحسب التعبّد بنحو الحكومة، فلا يتعدّى منه إلى غيره حتى لو كان بداعي الزينة،
فيرجع في غير المرآة إلى
أصالة الإباحة .
إلّا أنّ بعض المعاصرين خصّه بما إذا لم يقصد الزينة، فإذا قصد تزيين نفسه وإصلاح ظاهره ففي النظر إليها إشكال.
وألحقه بعضهم بالمرآة إذا كانت فيه خصوصية المرآة، كما لو كان يحكي عن وجه
الإنسان .
ولا يحرم على المحرم- رجلًا كان أو امرأة- لبس النظّارة إذا لم يكن بقصد الزينة؛
فإنّه يرى الأشياء عن قرب أو بُعد بواسطة النظّارة، لا أنّه يرى الأشياء فيها. نعم، لو لبسها للتزيّن
أو عدّ في العرف زينة ففيه إشكال.
وذهب البعض إلى عدم الجواز إذا كان يعدّ في العرف زينة، وكان قد قصدها أيضاً.
الموسوعة الفقهية، ج۶، ص۶۲۱ - ۶۲۵.